أجفلَنا فتورُ الدهشة من سماع قرع خطوات حبيبٍ كانت خطاه يومًا موسيقى الحياة. يتبدّد الحبّ حين يتمركز المحب حول ذاته فيظن أنه إن غاب توقف العالم عن الدوران وظلّ كل شيء على حاله حتى يعود. ينسى كم من الغابات واجهنا فيها الوحوش وحيدين إلا من شوق حزين لمن يربّت على تلك الوحدة، كم من البحار عبرنا شبه غارقين ونحن نستجدي تلويحة تقول للغريق: لست وحدك، يدًا تمتدّ في محاولة ولو حيية كي تعينه على اختراق الموج العاتي. يحسب المحبّ همساته عصا ساحرة طيبة ما أن تلامس الموت حتى تدبّ فيه الحياة. الحب لا يستحيل كرهًا أبدًا لكننا نمقت الغياب في لحظات حاسمة. كأنّ الشوق مصابٌ بسكتة قلبية، إن لم تنعشه في تلك اللحظة فاتت محاولة إنقاذه. هو الآن جثة همدت. نحن لا نكره من يموتون. فقط نسعى لدفنهم مودعينهم بالأسى. نبكي فقدانهم لكننا ندرك مسبقًا فشل أية محاولة في إحياء من شبع من الموت وارتوى. صوت الحبيب طبيبٌ تأخر عن لحظة الإنعاش. دفنّا الشوق وبكيناه كثيرًا حين ودعناه. عودة الخطى التي كانت يومًا مفتاح البقاء ليست غير سرادق عزاء متأخّر يصرّ على فتحه من غاب عن موعد الموت وجاء بعد أن اعتدنا تزيين القبر بخضرة التوابل والزهور. ما جدوى أن تنبش مرقدًا لإحياء الرفات؟ دع الحبق والنعناع يزينانه. انظر كم تبدو الذكريات جوريًّا وتوليبًا هناك . ولا تكن طبيبًا يصفع الدافنين ناسيًا أن نبش الميت حرام، وأنه من توانى في إحيائه.
ثم فتحت علبة سجائرها. مدّت له واحدة فأشار بيده رافضًا. أشعلت سيجارة وقالت وهي ترفع عينيها إليه من جديد: كهذه السيجارة يحترق العاشق إذ يعبر مآسيه وحيدًا. فهل تتصور أحدنا قبل الاحتراق يشبه ولو قليلاً ذاك الذي بعده؟!
#خفّف_الملح_قليلًا
#أنوار_الأنوار[spacer height=”20px”]