نشاطات
محاور الاحتلال لا تتغير إذا لم يبدأ التغيير من الذات المحلي.
بقلم: تمارا حداد.
قُوبلت تصريحات المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين” الأونروا” (فيليب لازايني) والتي أشار فيها إلى إمكانية أن تقوم مؤسسات أممية بتقديم الخدمات بدلاً عن الأونروا بالرفض المطلق، ولكن مضمون هذا التصريح أننا على أعتاب تطبيق المرحلة الرابعة من صفقة القرن والتي لم تمت كما يعتقد البعض بل مراحلها مستمرة إلى نهاية المرحلة التاسعة والأخيرة من الصفقة.
قبل الخوض بماهية المرحلة الرابعة نعود لنستذكر مراحل الصفقة والتي تم تنفيذها بشكل شامل والآن بعد هذه التصريحات بدأت المرحلة الرابعة بالتنفيذ، حيث أن أول ثلاث مراحل للصفقة وهي:
اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل وسحبها من أية مفاوضات، واعتراف الولايات المتحدة وطلبها من عدة دول الاعتراف أيضاً بالمستوطنات الإسرائيلية التي أقيمت في الضفة الغربية وهي تضم حالياً اكثر 750 ألف إسرائيلي والمخطط يعمل لرفع العدد عبر إقامة مستعمرات جديدة إلى مليون ونصف إسرائيلي يهودي، واعتراف الولايات المتحدة بالدستور الجديد لاسرائيل الذي يقول أن إسرائيل دولة قومية يهودية والشعب اليهودي هو صاحب الأرض وان الفلسطينيين لجأوا إلى أرض إسرائيل وفق الدستور الإسرائيلي ولا يحق لهم المواطنة مثل الشعب الاسرائيلي اليهودي، أما المرحلة الرابعة اتخاذ امريكا سياسة قطع كل تمويل منظمة الأونروا التي توزع المساعدات الطبية والغذائية ورعاية الأطفال الفلسطينيين في مخيماتهم البائسة أي انها قطعت مليار و300 مليون دولار مما جعل الاونروا تطرح الصوت عالياً لدول العالم كي تقوم بتمويلها لاكمال رعايتها للشعب الفلسطيني في المخيمات التي طال عمرها أربع وسبعين عاما، هذا الصوت العالي ما جعل المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين” الاونروا” فيليب لازايني يُصرح إلى إمكانية أن تقوم مؤسسات أممية بتقديم الخدمات بدلاً عن الأونروا.
وهذا التصريح يشير إلى العمل على أن تحلّ هيئة دولية جديدة محل وكالة الغوث الحالية (الأونروا) لتتولى عملية تأهيل اللاجئين والنازحين وتأمين استيعابهم في دول وأماكن إقامتهم الحالية، والعمل على تطوير أوضاعهم الحياتية والاجتماعية، وامتصاص أعدادهم في الحياة اليومية للمجتمعات التي يعيشون في محيطها، وبممارسة الضغوط الكفيلة بانتزاع المواقف الدولية الداعمة لهذا الهدف والتعامل مع الدول المضيفة بما يضمن إغلاق هذا الملف ببطء بعد أن يتم تهيئة كافة الظروف التي تعطي لهؤلاء حق المواطنة حيث يقيمـون.
هذا التصريح يشير الى المرحلة الرابعة للصفقة وهي توطين الفلسطينيين في الدول العربية مقابل دفع مئات المليارات لانعاش اقتصاد هذه الدول واجبارها على توطين الفلسطينيين النازحين لديها بعدما تم قطع تمويل الولايات المتحدة لمنظمة الأونروا المختصة باللاجئين الفلسطينيين وكل المنظمات الدولية التي تقدم خدمات للنازحين الفلسطينيين، لكن هذا التوطين بحاجة لاموال حيث اعتمدت امريكا على دول الخليج والسعودية لتوفير ذلك ولكن المُتابع فعلياً للمشهد الخليجي نرى أن هناك فتوراً في العلاقة السعودية_ الامريكية بعد الحرب الاوكرانية_ الروسية، وبالتالي أصبح تمويل التوطين يجعل اسرائيل وامريكا يبحثان عن ممولين آخرين من ضمنهم اليابان وأمريكا الجنوبية لسد عجز اموال التوطين لانهاء قضية اللاجئين واستكمال المرحلة الرابعة للبدء في المرحلة الخامسة وهي البحث في آلية حل الصراع الفلسطيني_ الاسرائيلي وايجاد تسوية نهائية لذلك.
لذا نسمع من هنا وهناك آليات للحل وكلها أوراق عمل تنبثق من رجال السلام من دول مختلفة ومن ضمنها الكونفدرالية الفلسطينية_ الاسرائيلية، رؤية قديمة تتجدد هذه الأيام وهي فكرة الاتحاد الكونفدرالي وهذا الاتحاد بين دولتين مستقلتين، لكل منها سلطة تنفيذية مستقلة تتولى ادارة الدولة ويكون للاتحاد عاصمتين القدس الشرقية والغربية، وبرلمانين ومؤسسة برلمانية مشتركة تعنى بالمسائل الكونفدرالية ومنطقة اقتصادية حرة وآليات مشتركة للمياه والطاقة والأمن، وهذا صعب إلا بتحقيق استقلال للدولة الفلسطينية وهذا ما لا تريده اسرائيل باعطاء فلسطين دولة كون إحدى شروط الدولة ترسيم حدود جغرافية وسيادة وعاصمة دائمة والبدء بالترسيم الحدود الجغرافية يعني إنهاء دولة اسرائيل المبنية على يهودية الدولة حسب الفكر الصهيوني المبني على الاستمرار في الاستيطان.
وهذه الرؤية لن تتحقق في ظل التعنت الاسرائيلي نتيجة قمع أي مبادرة قد تقوم لدفع سير عملية السلام بين الاسرائيلي والفلسطيني وإرساء قواعد الدولة الفلسطينية، واسرائيل غير معنية بأي دولة فلسطينية ضمن مخططاتها، مهما كانت الخطط التي يتم اقتراحها لإنهاء الصراع الفلسطيني _ الاسرائيلي سيكون مضمونها ديني لإعادة فكرة المملكتين القديمتين للسيطرة الكاملة على اراضي الضفة الغربية ولضمان أمن اليهود ومستوطنيها وأي مستوطن يكون مواطن في مملكة يهوذا فلسطين. ان ايديولوجية الفكر الصهيوني وبدعاة السلام المزيفين تنبثق رؤيتهم من سياسة التطهير العرقي وبكافة الاساليب وكافة المسميات والحفاظ على الطابع اليهودي.
فهذه الخطط لن تُرجئ دولة فلسطينية حرة ومستقلة وإذا دعمت اسرائيل فكرة الكونفدرالية ستكون بالنهاية ” الكونفدرالية الاراضي المقدسة” ، وتبقى الأمور السيادية مع اسرائيل مع مياه وسماء ودفاع وعلاقات خارجية وتبقى القدس عاصمة لهم. وهذه الكونفدرالية تعني طمس الهوية الفلسطينية، وإقصاء المشروع الوطني الفلسطيني، مهما كانت الافكار والخطط فان اسرائيل غير معنية بالفلسطينيين وليست معنية بدولة لهم، فهدفهم واحد وإستراتيجيتهم واحدة ورؤيتهم واحدة، لا تنازل عن القدس، لا ارض للفلسطينيين، لا دولة لهم، لا لعودة اللاجئين .
واهم محاور سياستهم استكمال بناء الدولة العبرية اليهودية على ما تُسميه الصهيونية العالمية أرض “إسرائيل” التوراتية “إيرتز إسرائيل”، والقدس الموحدة عاصمة لها، وتصفية ما تبقى من الكيان الفلسطيني في الضفة الغربية والقدس الشرقية، عبر التوسع في سياسة الاستيطان اليهودي في الضفة، وعمليات تهويد القدس، والمحور الثالث لعله الأصعب والأعقد حيث يتعلق بقطاع غزة، الاحتلال لا يعتبره في إطار أرض “إسرائيل” التوراتية، فلا يعني المحتلين الصهاينة من وجهة نظر الجغرافيا السياسية، أو الأحلام التاريخية، ولكنه يؤرقهم باعتباره بؤرة للمقاومة الفلسطينية، وقنبلة قابلة للانفجار في أي وقت غير محسوب.
أقرب الحلول التي سيعاود طرحها بأن يتحول قطاع غزة إلى ما يشبه الإمارة الفلسطينية التي تحمل الهوية وترضي طموحات وطنية وهمية، بإقامة دولة على أرض القطاع، مع مشروع إقليمي لتبادل الأراضي، يهدف إلى توسيع الرقعة الجغرافية للقطاع.
تبقى الخطط ضمن التخمينات والاجتهادات التي تطلق من هنا وهناك ضمن عملية بالون الاختبارات، لكن هدفها الاساسي تأكيد سيادة اسرائيل على القدس الموحدة والضفة الغربية ونهر الاردن، مع رفض عودة اللاجئين حتى إلى المناطق الفلسطينية، وسيبقى الشعب الفلسطيني هو الحلقة الأضعف دائماً لا يستطيع الدفاع عن نفسه ويبقى يتخبط بين الاحباط واليأس. ينتظر أي مبادرة تحل مشاكله ولا يعلم أن أي مبادرة تأتي من الخارج لها أجنداتها والتي لن تحل أي شائكة فلسطينية طالما لا يوجد مبادرة ذاتية من الشعب الفلسطيني دون اجندات تحرره وتوصله لأرض فلسطينية مستقلة كاملة السيادة .