مقالات
القبض على الجرافيتون «التجربة الثالثة لكاجيتا» ج2 / إبراهيم أمين مؤمن-مصر
القبض على الجرافيتون «التجربة الثالثة لكاجيتا» ج2
إبراهيم أمين مؤمن-مصر
سأل كاجيتا: «والآن يا سادة سنقوم بتحويل الطاقة إلى مادة.»
نظروا له بدهشة، بيد أن أقلهم دهشة ناكامورا، حيث علم مراده، وفورأن فكر فيما يقصده كاجيتا فاقت دهشته دهشتهم جميعا، حيث قال: «الجرفيتونات العالقة في المغانط مجرد طاقة، ستحولها إلى مادةسيدي، كيف؟ الطاقة شيء غير مرئي، أما المادة فشيء مرئي نراهابأعيننا (يشير بإبهاميه إلى كلتا عينيه) ونتلمسه بأيدينا (يمرر كلتايديه في الهواء رأسيا وأنامله صوب السماء)، فكيف تحول غير المرئيإلى مرئي؟ كيف؟»
قال كاجيتا: «لو تعلم عدد الجرافيتونات التي علقت بالمغانط لما قلتهذا القول يا ناكامورا، إنها جرافيتونات لا حصر لها.»
أدار عينيه على فريقه، ثم قال: «والآن علينا اتباع المكر والخديعة، لذلكاذهب يا ناكامورا ووصل شبكة الحوسبة بالمصادم حتى لا يرتابوا فيأمر ما نفعل.»
قال أحد فريقه: «كيف سيدي؟ سيعلمون بما نفعله.»
قطب كاجيتا باستياء وقال: «لن نجري أي ارتطامات على المصادم فيالخطوات القادمة، والآن بدل أن تتكلم بهذا الهراء أحضر لي جهازالليزر.»
قال الباحث: «تقصد الليزر الذي كان يمسك به ناكامورا منذ بضعساعات؟»
نظر إليه كاجيتا بحنق، ثم ما لبث أن هرول الباحث نحو الليزروأحضره له.
قال كاجيتا: «أيها السادة، الآن سنحتاج إلى ألبرت أينشتاين، اذهبواوأحضروه.»
نظر بعضهم لبعض، وهم في قمة الدهشة، بل ما اعتادوا أن يعصوا لهأمرا؛ لذلك كان الواحد منهم ينظر إلى زملائه لواذا لعله يجيبه بمايطلب فيخرج هو من هذا المأزق.
أدار كاجيتا عينيه عليهم ثم قهقه –رافعا رأسه إلى أعلى قليلا– بسببدهشتهم.
سكت فجأة، وساد الصمت لحظات، ثم تكلم وقد ارتسم على وجههملامح الضجر والانتقام: «ألا تدرون أين تجدون هذا الملعون الآن؟والملعون الآخر الذي قتل البشرية؛ ذاك الروبرت أوبنهايمر الذي قتلأجدادي؛ بل قتل البشرية جميعا.»
قال ناكامورا: «وما علاقة أينشتاين بقنبلتي هيروشيما وناجازاكيسيدي كاجيتا؟»
أقبل إليه كاجيتا، فَلَهَدَه فِي صَدْرِه لَهْدَةً أوجعته، ثم قال: «ألم يكتبإلى الرئيس فرانكلين روزفلت بأنه يجب على الولايات المتحدة تطويرالقنبلة الذرية! وطوروها لتسقط على رءوسنا.»
وأشار بيده إليهم جميعا وهو يدعوهم إلى الانصراف بقوله: «هيا، هيا،انصرفوا أريدهما خلال 24 ساعة على الأكثر، أريدهما مكبلينبالسلاسل في الأيادي والأعناق، أريد أن تطرب أذني لرسف قيودهما،هيا.»
قال أحدهم متمتما: «سيدي كاجيتا أخبرنا أين هما وأنا أحضرهما لكحالا.»
قال كاجيتا: «في مختبر لوس ألاموس بمنهاتن يا حمار.»
عاد الصمت مرة أخرى، ولقد قال ناكامورا في نفسه: يبدو أن كاجيتاقد ذهب عقله.
أما كاجيتا فأراد أن يبث فيهم روح الوطنية والشغف بالعلم، لذلك قال: «هيا إلى المصادم، لنجري الارتطام على المصادم لنستحضر روحيهذين الملعونين.»
جن جنونهم، بل أغشي على أحدهم.
في هذه اللحظة فاجأه ناكامورا بما لا يخطر على بال أحد، حتىكاجيتا نفسه، حيث قال: «ما رأيك سيدي كاجيتا أن نجري الارتطامونتمكن من فتح الثقب الأسود المجهري بطريقة ما ثم نعبر جسرأينشتاين، وتلتقي هناك بأجدادك الذين راحوا ضحية قنبلتيهيروشيما وناجازاكي؟»
فور أن انتهى ناكامورا من كلامه حتى خر على الكرسي صعقا، وظلصامتا لحظات يفكر فيها في كلام ناكامورا، بعدها بدأت الدموع تفرمن محجري عينيه وتخضل صدره، وقال: «مستحيل يا ناكامورا أننراهم أحياء في بعد آخر بعبور ثقب أسود مجهري، لكن ما يبرأسقمي ويشفي غليلي أني سأنتقم منهم وأقتّل أولئك الملاعين شر قتلة(يقصد أمريكا).»
***
نهض كاجيتا وتماسك، ثم قال مستاء: «للأسف سأضطر لأن أجريتجربة قائمة على معادلة آينشتاين التي تحدّد العلاقة بين الكتلةوالطاقة وسرعة الضوء.»
قال ناكامورا: «المعادلة هي: الكتلة مضروبة في مربع سرعة الضوء،لكن المعادلة يراد بها تحويل الكتلة إلى طاقة كالقنبلة الذرية، فهل منالممكن تحويل الطاقة إلى كتلة؟»
أجاب كاجيتا: «الجرافيتونات عديمة الكتلة لكنّها تحمل طاقة، فلواستطعنا تحويل الطاقة إلى كتلة فقد أنجزنا عملا عجز عنهالفيزيائيّون على مرّ عقود طِوال، الفيزيائيّون استطاعوا منذ سنينتحويل فوتونات الضوء التي تحمل طاقة إلى مادة، فعندما حدثتصادم بين الفوتونات عن طريق الليزر تمّ إنتاج أزواج من الإلكتروناتوالبوزيترونات وهم عبارة عن مادة، أمّا مسألة تحويل الجرافيتوناتالتي تحمل طاقة إلى مادة فهذا هو التحدّي الأكبر لنا وعلينا بعملالتجارب لإتمام المهمة.»
قال ناكامورا همسا: والآن سيجري كاجيتا تصادما بين الجرافيتوناتالعالقة بالمغانط الأحادية، يا له من عبقري!
سلط كاجيتا بالفعل الليزر الخارق على الجرافيتونات العالقة في مجالالمغناطيس الأحادي القطب، فلم تنفصل عن المغانط.
انتفض جسد كاجيتا، وكاد لا يتمالك نفسه من الهلع. أعاد تسليطالليزر وجسده يرتجف ويده اليسرى يمسك به قلبه بعدما أصابه ألمفيه، فلم تنفصل أيضا الجرافيتونات العالقة.
أعاد وكرر، وزاد جسده ارتجافا.
قال كاجيتا صارخا: «لازم تنفصل، لازم، أيتها المغانط الملعونة أتركيلي أصدقائي.»
وظل يهذي ويتمتم حتى خر على الكرسي منهدا.
نظر بعضهم إلى بعض وكاد الألم يعتصر قلوبهم. أما ناكامورا فهبمنتفضا وهرول إلى الليزر وكرر ما فعله كاجيتا. لكن للأسف ما زالت
الجرافيتونات عالقة.
قال ناكامورا: «إن لم تنفصل الجرافيتونات فلن نتمكن من صناعةقنابل الثقوب السوداء.»
مرت لحظات، بعدها تصارعت دقات قلب كاجيتا، ثم أمسك بقلبهوصرخ ألما، ثم ما لبث أن أغشي عليه، دنوا منه وحملوه في أحدمصاعد المختبر قاصدين أحد أطباء المصادم القاطن في أحد المبانيالكائنة فوق المصادم.
***
وصل جاك أخيرا، على مدار الرحلة وهو يفكر في أمرين اثنين لا ثالثلهما، الأول هو رجاؤه بالشفاء العاجل لفهمان، أما الآخر فإدراككاجيتا قبل أن يتمكن من صنع قنابل الثقوب السوداء فيركع العالم كلهتحت أقدام اليابان، وتطرق بفكره بعيدا حيث قال: وما المانع أن ينتقمكاجيتا من دولتي لو امتلك هذه القنابل؟ ما المانع أن يُعاد التاريخالقديم كله عندما يحدث تغيير في موازين القوى العالمية؟
وقال مستدركا: فالدولة عندما تضعف وتزول حضارتها تظهر جميعمثالبها التاريخية وتطفو على السطح بعد أن كانت غريقة في بحرلجي، بل وتهبط محاسنها إلى القاع وبذلك يظهر فيها كل سوء،ويحدث العكس مع الدولة التي تزدهر حضارتها بعد تخلفها.
صادف لحظة دخوله نفس اللحظة التي كان فريق كاجيتا يحملونه إلىالطبيب.
فسأل ناكامورا: «ماذا حدث لعالمنا الجليل يا ناكامورا؟»
أجابه بوجه أصفر وبأنفس متلاحقة: «لقد كاد الثقب الأسود أن يلتهمهلولا أن أمسكنا بيده وجذبناه حتى تلاشى الثقب.»
وكذب عليه ناكامورا، فهو يعلم أن جاك لو علم بنجاحهم في القبضعلى الجرافيتونات ربما حدث ما لا يحمد عقباه لهم.
ظل ينظر جاك إلى كاجيتا المحمول على الأكتاف بعد أن اجتازوهوولوا. قال: أنت تكذب يا ناكامورا، ولقد أصيب أستاذكم الملعون لأنهأخفق في شيء كبير وهو يمارس التجارب على المصادم، على كل حالأحمد الرب أنه لم ينجح في صناعة القنابل.
انتبه جاك لنفسه، وقال: فهمان، فهمان.
وهرول مسرعا نحو غرفة العناية المركزة بمباني المصادم. فلما وصلسأل في الاستقبال عن فهمان فقيل له أنه في غيبوبة منذ ثلاثة أيام.
انتظر ودمعه لا ينقطع من الانهمار. وقع نظره على صحيفة بيدالممرضة التي بالخارج، فخطفها منها في غرابة شديدة، لأنه لمح خبراعن فهمان.
الخبر: جاك الولايات المتحدة الأمريكية بمصر.
أسفل الخبر يتساءل المحرر: هل يا ترى زيارة لصديقه أم أنه اتخذزيارة صديقه حجة لكي يجري تجارب على مصادم الوادي الجديدفيحصل لدولته على سلاح يقضي به على أسطورتي القنابل النوويةوالهيدروجينية؟
امتعض جاك وقال غاضبا بصوت مسموع: السلام هو مرادي أيهاالسفلة.
قلب الصحيفة فقرأ خبرا آخر: هل تزول الحضارة المصرية بموت الفتىفهمان المصري؟
انهمرت دموعه ثانية على إثر هذا الخبر بعدما قاومها غضبه منذلحظات. قرأ من ضمن تفاصيل الخبر: الفتى في العناية المركزة منذثلاثة أيام، فهل مات والإدارة المصرية لا تريد إعلان خبر وفاته؟
حق لمصر أن تصدم وألا تمتلك الشجاعة لإعلان خبر وفاته، حق لمصرأن تحزن وتقيم حدادا أبديا إذا مات هذا الفتى.
وفجأة وهو يقرأ إذ خرج أحد الأطباء مسرعا وهو يطلب أكسجين. فأسرع إليه جاك وهو متفجع.
قال جاك: «طمأني يا دكتور على فهمان.»
قال الطبيب: «أخشى أن يموت، حالة صديقك هذه عجيبة، توقف القلبمنا بضع مرات ثم يعود وينبض من جديد.»
قالها الطبيب وأخذ الأكسجين ودخل سريعا. انتفض جسد جاك وفيلحظة انهار فيها تمام الانهيار وهو يقول: أنا الوحيد الذي أعرف سببهذه المعجزة، تموت وتحيى تموت وتحيى، رباه كيف له أن يمتلك كلهذه العزيمة في حب البقاء؟ أرغبتك في إنقاذ العالم من الشياطيناستطاعت أن تحييك بعد موتك؟ أيها الرب ألطف به.
***
وفي حجرة أخرى (الأولى لفهمان) يرقد كاجيتا طريحا على سريرالعناية المركزة –فور أن وصل به فريقه– بعد أن صُدم في عدم قدرةالليزر في تحرير الجرفيتونات العالقة من أجل تحويلها فيما بعد إلىمادة من أجل صناعة قنابل الثقوب السوداء.
ينتظره بالخارج ناكامورا يتلو صلواته ويدعو لشفائه. وقال في نفسه: أرجو أن تحيى يا كاجيتا كي أحقق هدفي، فهدفي هو السيطرة علىالعالم ولا يكون لهذا الكون ربا سواي.
وآخر يعض في أظافره بأسنانه، ويده لا تكاد تثبت على حال بسببرعشة كاملة تكهرب كل جسده وقال: يا ليتني أرى تلك المعجزة الكونيةعلى يديك يا معلمي يا أغلى الناس، يا سيدي كاجيتا. قالها وانفجرفي البكاء.
نظر إليه ناكامورا وقال في نفسه سخرية منه وغضبا: تراك تريد أنتسيطر على العالم مثلي يا عاضّ الأظافر.
أما كاجيتا فطريح على طاولة غرفة العناية المركزة، يفحصون قلبه، قالأحد الأطباء: «إنه مصاب بذبحة صدرية باغتته فجأة، فشراينه سليمةوقد ضاقت فجأة.»
قال طبيب آخر: «تقصد أنها ذبحة صدرية نجمت عن تأثير معنويخارجي؟»
أجابه بنعم.
***
أما كاجيتا فله شأن آخر؛ فعقله الباطن في اللاوعي تمكن منالتواصل مع كون الآلات، ذاك الكون الموجود في كوكب خلف ثقبسحابة أورط مباشرة.
سأله الآلي باستياء في اقتضاب: «أين إيريكا 300 أيها الأرضي؟»
أجابه كاجيتا: «لم تعلن ناسا للعالم بعد عن رحلة جاك حتى يأتيهمالدعم وينتهوا من إعدادات الرحلة، فالعالم قد ينقلب رأسا على عقببسبب قنابل الثقوب السوداء.»
– «ما شأني أنا بقنابل الثقوب السوداء يا أحمق؟ اعمل على إعدادالرحلة حتى تأتينا إيريكا 300 وتكون دليلنا إليكم، فمنذ الأزل ونحننحاول أن نأتيكم فلم نستطع، وبالتحديد يوم أن قتل قابيل أخاههابيل.»
– «لك كل الشأن، فقدرتكم تفوق قدرة السلاح النووي ولكنها لنتستطيع أن تصمد أمام قنابل الثقوب السوداء، يجب علي أن أحوزهاكي أمهد لكم الطريق لتعودوا بإيريكا لحكم الأرض.»
– «وما يمنعك أيها الأحمق؟»
قال له وهو يشعر بالعجز والشلل التامين: «الجرفيتونات عالقة بالمغانطولا تنفك عنه، وبدونها يستحيل أن أتحصل على قنابل الثقوب السوداء.(لقد لاحظ أحد الأطباء في هذه اللحظة أن كاجيتا يهمس بشفتيهوالدموع تنفجر من كلتا عينيه).»
– «استمع لعالمنا الفيزيائي يا كاجيتا.»
تقدم من الكون الآخر العالم الفيزيائي الكبير وكلمه بشأنالجرفيتونات. فقص عليه كاجيتا كل ملابسات التجارب.
قال له العالم الفيزيائي الآلي: «عليك بأسطوانة أحادية بشرط أنتكون مصنوعة من الياقوت المطعم بالنيوديميوم.»
وانتهى الحلم والتواصل اللاإرادي في البعد الكوني، ذاك التواصلالذي تغذية رغبة جامحة من لدن كاجيتا.
***
وأفاق كاجيتا، وأدار عينيه على الملتفون حوله من الأطباء يلتفون حوله.
نهض كأنّ ما به شيء، وانطلق مستندا على الجدار.
أمسكه الأطباء فنهرهم، وظل يصرخ على ناكامورا.
سمعه ناكامورا من الخارج، فظن أنه يستغيث، فضرب الباب ودخلعنوة.
وجد كاجيتا بجانب الجدار والأطباء يحاولون استعادته على الطاولةبيد أنه رفض.
نهرهم ناكامورا بقوله: «دعوه أيها الحمقى، إنه بصحة جيدة.»
قال كاجيتا: «خذني من هنا يا ناكامورا.»
فكر ناكامورا قليلا حيث قال في نفسه: يبدو أنك حصلت على طريقةتحرر بها الجرفيتونات العالقة. لا بأس لا يعنيني صحتك أيها الأحمقالمهم أن تبتكر قنابل الثقوب السوداء ثم تودع الحياة لأنك إن لم تودعهافسأجبرك على توديعها بيدي.
سحبه ناكامورا من يده بعدما نهرهم جميعا.
قالوا له: «حالته خطيرة وقد يموت، أنت المسئول عما قد يحدث له.»
قال كاجيتا: «أنا المسئول عن نفسي، فدعوني.»
وأخذه ناكامورا، حتى إذا عبر الباب حملوه على الأكتاف.
قال كاجيتا: «امضوا بي إلى المختبر.»
نظر إلى عاضّ أظافره الذي كاد ينزعها كلها غيظا وحسرة على معلمه. ودعاه للاقتراب وهمس في أذنه بأن يحضر له أسطوانة مصنوعة منالياقوت المطعم بالنيوديميوم، وبيّن له كاجيتا أبعادها ومواصفاتهابالتحديد.
تنويه: يتبقى لنا الجزء الثالث من القبض على الجرافيتونات.