من حق رجل الدين الشيعي في البحرين العلامة السيد عبدالله الغريفي، الذي ربما يعتبره الكثيرون من أبناء الطائفة الشيعية في البحرين بمثابة الرمز الديني الثاني للطائفة بعد الشيخ عيسى أحمد قاسم، الذي يعيش حاليا في المنفى القسري في مدينة قم في الجمهورية الاسلامية في ايران، بعد أن سحبت منه السلطات البحرينية الجنسية الوطنية، أن يكون قلقا على الاوضاع المأزومه التي تعيشها البحرين في ظل غياب الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وحقوق الانسان ووضوح سياسة تغيير التركيبة السكانية للبلاد التي تتسع يوما بعد يوم، وأن يكون حريصا على تطبيع الاوضاع والاستقرار ونبذ التمييز الطائفي والمذهبي وتوحيد الجبهة الوطنية الداخلية، وكذلك من حقه أن يقول بأن اللقاء الودي الذي جمعه في قصر الصافرية بحاكم البحرين حمد بن عيسى آل خليفة في 17 نيسان/ ابريل 2022 لمناسبة تقديم التهاني الرمضانية الذي تعود على تقديمها في مناسبات سابقة، بانه كان لقاءا طيبا ومثمرا وساعيا لتحقيق الفرح والسرور للبحرين وشعبها مع عيد الفطر، وأن يصف اللقاء التي تخللت جوانبه أفكار صريحة وشفافة توحي بوجود بوادر أمل وتفاؤل تتناول هموم الناس وآمالهم للمستقبل. كل هذا ربما يكون صحيح. لكن الصحيح ايضا بان كل هذه التمنيات والتطلعات التي كرسها العلامة السيد عبدالله الغريفي في جهوده من اجل الاصلاح لا يمكن لها أن تفي بالحاجات الكثيرة التي يتطلع لها المجتمع البحريني في هذا الوقت وكذلك في المستقبل، وانها في وقت صعب وحساس تعيشه الاوضاع في البلاد لم تعد ممكنة من دون ان تتطور هناك قدرات خاصة لخلق وتنسيق توجهات وتحالفات تضم لاعبين مختلفين، وليس فقط اشخاص أو فئة أو طائفة واحدة من دون غيرها. نتفهم جيدا اهتمام العلامة السيد عبدالله الغريفي بالشان الداخلي البحريني الملتهب سواء على المستوى السياسي أو الامني أو الاجتماعي أو الاقتصادي، وأن نتفهم مطلبه بان يكون منخرطا كطرف من الاطراف التي تريد المساهمة العملية والجدية في معالجة الاوضاع المأزومه التي تعاني منها البلاد منذ عدة عقود مضت، والدعوة لجمع الشمل ونبذ التفرقة والتمييز بين مختلف الطوائف البحرينية، بالطرق المناسبة والصحيحة التي يمكن ان تكفل كافة الحقوق المشروعة للشعب وتعيد له الانسجام، نتفهم ذلك ولكن لا يجب ان تسير في الاتجاهات التي يمكن إن لا يستفز من خلالها الآخرين، وأن لا تصب الزيت على النار. ونقدر عاليا كافة الدعوات والمساعي الحميدة التي ظل يبدلها العلامة السيد عبدالله الغريفي، منذ عودتة إلى البحرين من المنفى القسري في دمشق في العام 2001 من أجل الاصلاح والمشاركة في ايجاد الحلول الكفيلة للنهوض بالمجتمع في ظل ما سمي ب ” مشروع الاصلاح ” المزعوم الذي اطلق عنانه من القمقم حاكم البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، ووعد من خلاله المجتمع بايام وأعياد جميلة ومزدهرة. ولكننا في نفس الوقت وعلى الرغم من كل ذلك، لا يمكننا أن نفهم أن يسمح العلامة السيد عبدالله الغريفي، لنفسه بأن تطأ اقدامه ابواب قصر الحاكم الطاغية، الذي تنكر لجميع اقواله ومشاريعه نحو الاصلاح والتغيير وانقلب على دستور البلاد التعاقدي للعام 1973 وحتى اكثر نصوص الميثاق الوطني حيوية، وتخلى عن كافة الوعود التي قطعها على نفسه وامام المجتمع وفي مجلس العلامة الغريفي نفسه، بأن يكون محافظا على الدستور وخادما لجميع قضايا المجتمع البحريني برمته، ثم قام بعد ذلك كله بحصار الديمقراطية وقهر الناس وتجويعهم وحرمانهم من ابسط حقوق المواطنة المشروعة، واطلق جميع الاوامر لمهاجمة الناس وقتلهم بالرصاص الحي والمطاطي في التظاهرات الاحتجاجية المطالبة بالتغيير الحقيقي والجوهري، وارسل جميع رموز وقادة المعارضة إلى المعتقلات والسجون ومارس ضدهم مختلف صنوف التعذيب، ويقوم بتوجيه الشكر والتحية له على ” إنجازاته ” وتسامحه وتعاطفه واعتداله واحترامه لمختلف الاديان والمذاهب، ويصافحه ويجلس إلى جانبه بذريعة التهنئة بحلول شهر رمضان المبارك، ويستغفل عقول الناس بالقول:” انه تبادل معه الرؤى والمطالب بشكل مكتوب ومنطوق، وأن اللقاء الذي جمعهم داخل القصر تناول عدة مواضيع بشأن همومهم واحوالهم وآمالهم للمستقبل ” ولو كان الحال هكذا لوجدناه ظاهر في العلن. ولا يمكننا أن نفهم بأن يظهر العلامة السيد عبدالله الغريفي، في مقطع فيديو قصير، ويشرح فيه إلى الناس، الاسباب التي دعته للقيام بتلك الزيارة، والجلوس إلى جانب حاكم البلاد، من أجل حثه على الاندفاع نحو ايجاد الحلول للاوضاع في البحرين، ووقف تكاثر المشكلات والاحداث المؤلمة التي يعاني منها شعب البحرين، وتزويده بالافكار الصريحة والشفافة التي تبعث على التفاؤل وتمنح الناس الامل للحاضر والمستقبل، وهو أمر لم تتطرق له حتى الصحافة البحرينية الصفراء التي نقلت احداث اللقاء ومن جانب واحد وهو كيل المديح والتبجيل والتطبيل لانجازات الحاكم الطاغية ومواقفه في قضايا السلم والتواصل المجتمعي والتسامح الديني والاعتدال والعيش المشترك للجميع، في وقت لم تتطرق فيه حتى إلى كلمة واحدة قالها السيد الغريفي ولا الوفد المرافق له خلال اللقاء. كان من واجب العلامة السيد عبدالله الغريفي، أن يقول الحقيقة للناس، وأن لا يظهر لهم بثياب العابد الناسك كما لو انه البطل وليس المخادع والخائن، وهو يعرف بالضبط جميع التحديات الكبيرة التي تواجه اليوم الدولة والمجتمع، وانه يعرف أيضا أنه كان ضحية لهذا اللقاء ولقاءات اخرى أراد من خلالها الحاكم الطاغية تبييض صفحته مع الطائفة الشيعية التي عانت كثيرا من الاضطهاد وسياسات التمييز، وأن يظهر للعالم بمظهر الحاكم العادل والمنصف والمحب لجميع الطوائف والمذاهب والعيش المشترك في البلاد، وأن يقول كلمة الحق عند هذا السلطان الجائر، الذي تسبب في جميع المظالم والازمات الكثيرة التي لايزال يعاني منها حتى اليوم شعب البحرين بجميع فئاته وطوائفه واحتدام فظاعتها، ومن دون أن يكون مضطرا للقلق من احتمال مكاشفته أو اعتقاله لانه ربما يبقى الصديق الحميم لهذا الحاكم المستبد، الذي يحاول أن يقبل بآرائه ومشورته من بين جميع مشايخ الطائفة الشيعية في البحرين المتشددين منهم والمعتدلين، ويسدي له النصح بأن يسلك الطريق الصحيح الذي يقود إلى تطور الحاضر والمستقبل ومواكبة العصر، وأن يستمع إلى آراء الشعب ويحقق كافة مطالبه المشروعة، والتي قدم من أجلها كواكب من الشهداء والتضحيات الكثيرة، وأن يقبل بالحوار المسؤول مع المعارضة البحرينية، التي قمعها بقسوة وصرامة، وأهانها وأطبق عليها الحصار الشديد، وأن يطلق سراح جميع المعتقلين والسجناء السياسيين والحقوقيين، الذين اعتقلوا وسجنوا من دون وجه حق، وأن يعوض جميع المتضررين من الاحداث، ويأمر باعلان العفو العام الشامل وغير المشروط، وعودة جميع المبعدين والمنفيين إلى الديار، وأن يوقف العمل بسياسة التمييز الطائفي والمذهبي وتغيير التركيبة السكانية، والخروج من أحضان التحالفات الامنية والعسكرية الداعية لشن الحروب في المنطقة، وقطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع حكومة الكيان الصهيوني، التي ما برحت تقتل الناس وتحتل وتغتصب جميع الاراضي الفلسطينية التاريخية، وأن يفتح صفحة جديدة مع المجتمع للتعايش والتسامح والمحبة بين الجميع، لا لان يصف هذا اللقاء الرمضاني بالطيب والمثمر، والذي يحاول من خلاله أن يدغدغ مشاعر الناس ويعدهم بمستقبل مشرق وأجواء مفرحة مع عيد الفطر، اذا كان بالفعل داعية سلام وتصالح، وحريصا على لعب دور حقيقي وفعلي في ايجاد الحلول الكفيلة بانقاذ المجتمع من المحنة الكبرى، التي يعيش آلامها ومآسيها في ظل سياسات القهر والبطش وتكميم الافواه المستمرة، وإلى أن تتضح مشاهد الفرح الموعود في أيام العيد، ليس هناك من شيء أكيد سوى الصور التي تعكس أوضاع المواطن البحريني الذي لا يزال يصارع ويكابد من أجل توفير لقمة العيش والحياة الكريمة. هاني الريس