مقالات

المتأنسنون الفلسطينيون …..والمنهارون العرب بقلم :- راسم عبيدات

لا غرابة ولا عجب في ظل إستدخال ثقافة الهزيمة و”الإستنعاج” وإستدامة عقدة “الإرتعاش” السياسي عند العرب والفلسطينيين،أن تصل الأمور الى حد إدانة عملية تل أبيب وتحميل الضحية الطرف الفلسطيني مسؤوليتها وإعتبارها مضرة بالمصالح العليا للشعب الفلسطيني،في الوقت الذي حمل فيه كتاب وصحافيون وحتى أحزاب إسرائيلية مسؤولية ما حدث الى نتنياهو وحكومته التي أغلقت كل نوافذ الحل السياسي. قلت لا غرابة في إدانة عملية تل ابيب عندما تصل حالة الإنهيار والتخاذل والتواطؤ العربي حد،أن تصوت دول عربية لصالح تولي المتطرف الإسرائيلي داني دنون سفير إسرائيل في الأمم المتحدة للجنة القانونية في الأمم المتحدة،تلك اللجنة المناط بها محاربة ومكافحة الإرهاب،دولة تمارس كل اشكال الإرهاب بحق الشعب الفلسطيني وتخالف ولا تلتزم بأي إتفاقية دولية ولا تطبق أي من قرارات الشرعية،ستكون مسؤولة عن سن القوانين والتشريعات المتعلقة بممارسة الإرهاب وسبل مواجهته ومكافحته…؟؟هذا هو “العهر” والنفاق الدولي في أوضح تجلياته وصوره. في زمن “التعهير” والنفاق الدولي،يصبح كل شيء مشروعاً،ويصبح الجلاد ضحية والضحية جلاداً،ولكن الأشد إيلاما الطعنات الغادرة من أبناء جلدتنا فلسطينيين وعرب . نحن تربينا وتعلمنا بأن السياسة جبراً لا حساباً وهي حصيلة موازين قوى وعلاقات وعوامل قوة تأخذ الطابعين الشمولي والتراكمي،ولا تقوم على المشاعر والعواطف و”الفهلوة” وقوة الإنشاء والمنطق و”فذلكات” التفاوض وغيرها.وعند قراءتي لردات الفعل عند العديد من الكتاب والصحفيين والمثقفين الفلسطينيين والعرب،والتي حاول فيها البعض أن يكون ملكياً اكثر من الملك نفسه،او أكثر اخلاقاً من المسيح ومواعظه” إن ضربك احدهم على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر”،وليس هذا وحسب،بل ذهب البعض الى ما هو أبعد من ذلك بكثير،حتى يبدو عقلانيا وواقعياً وأخلاقياً،تلك الإسطوانة المشروخة التي أدخلها الغرب الإستعماري الى قواميسنا ومصطلحاتنا،في ذروة هجوم إسرائيل علينا،ورفضها لتقديم أي شكل من أشكال التنازل في سبيل “السلام” أو الإستجابة لأي من مقررات الشرعية الدولية او المبادرات السياسية لحل أو تجميد الصراع،نطالب بأن نقدم التنازلات ونكون عقلانيين وواقعين حتى تقبل او توافق إسرائيل على الجلوس معنا ومفاوضتنا،حتى أصبحت عقلانيتنا وواقعيتنا،رديفاً للهزيمة والإستسلام،بحيث نقف عاريين حتى من ورقة التوت الساترة لعوراتنا. وفي هذا السياق وجدنا البعض يقول:- بأن عملية تل ابيب هي عمل “لا اخلاقي …ووحشي” والذرائع والتبريرات هي الحفاظ على “طهارة واخلاقية” المقاومة الفلسطينية،والبعض الآخر برر منطقة من الخوف على ردة الفعل الإسرائيلية وبطشها بالشعب الفلسطيني. في حين وجدنا بعض من يمتهنون الكتابة من العربان قد ذهبوا الى وصف العملية بالإرهابية وتعزية اسرائيل ب “شهدائها”،فقد هاجم الاعلامي والكاتب السعودي دحام بن طريف العنزي عضو هيئة الصحفيين السعوديين والحوار الوطني،الفلسطينيين معتبراً عملية- تل- ابيب التي أدت إلى مقتل 4 إسرائيليين وإصابة عدد أخر بالإرهابية والهمجية. وقدم الاعلامي السعودي تعازيه للشعب الإسرائيلي عبر صفحة تويتر.وكذلك فعل حمد المزروعي الكاتب الإماراتي المقرّب من ولي عهد أبو ظبي محمّد بن زايد، حيث وصف الفلسطينيين منفّذي عمليّة قتل وجرح “إسرائيليين” في تل أبيب بأنهم فاقدي الرجولة. وبدأ المزروعي تدويناته بالقول “هجوم ارهابي في تل ابيب واعتقال منفذ الهجوم بعد اصابته … فعلاً تبرير الإرهاب ارهاب ..” منذ ثمانية وستين عاماً او اكثر،بل مع بداية الغزوة الصهيونية الأولى لفلسطين،وشعبنا الفلسطيني يخوض صراعاً طاحناً مع الإحتلال الصهيوني،صراعاً عنوانه السيطرة على الأرض الفلسطينية وطرد شعبنا منها وإحلال المستوطنين محلهم،استخدم فيه الإحتلال كل الآلات بطشه وقمعه بحق شعبنا الفلسطيني،قتل وجرح واعتقل ودمر وحرق ونسف وحاصر وطرد وأبعد،وبنى استراتيجيته على أساس ذلك،ولم يكن في يوم من الأيام ردود فعله قائمة على رد فعل لحظي،ونذكر هنا بأن المحتل طارد الكثير من قادة الشعب الفلسطيني ومناضليه ليغتالهم بعد عشرات سنين،وديع حداد،أبا حسن سلامه،أبا جهاد،أبا علي مصطفى،سمير القنطار وعشرات القادة الميدانيين من مختلف الفصائل. هنا يمكن جوهر وجذر المشكلة،وليس في ردات فعل شباب فلسطيني غاضب،خضع ويخضع لأقصى واعتى إحتلال في التاريخ،لم يترك له المحتل أي خيار،بل يدفعه الى حالة من الجنون،واللوم هنا لا يقع على من جن،بل على من دفعه الى حالة الجنون تلك. هذه الأنسنة المتعقلنة،والتي دفعنا ثمنها أنهاراً من الدماء،عليها ان تبدأ من هنا،الإحتلال هو سبب المشاكل وجذر كل انواع وأشكال العنف في المنطقة،تماماً كما هي الجماعات الإرهابية،التي وجدت لها حواضن ودفيئات تفقس كل يوم مزيداً من الإرهاب والتطرف على طول ساحات الوطن العربي،فإجتثاث الحواضن وتدمير البيئة الحاضنة يفتح الطريق من اجل وضح حد للإرهاب والقتل والتطرف.ولذلك سواء كانت عملية تل ابيب او لم تكن،فالإحتلال ماض في مشاريعه ومخططاته،فلا حصار عن قطاع غزة رفع ولا إعمار تحقق ولا حواجز عسكرية رفعت أو جدران فصل عنصري هدمت في الضفة الغربية،ولا أسرى اطلق سراحهم. خطورة مثل هذا التفكير المسموم المغلف ب”العقلانية” و”الإنسانوية” والذي غدا نهجاً في الساحتين العربية والفلسطينية،من بعد اتفاقيات “كامب ديفيد”،وما احدثته من خلل كبير في موازين الصراع والقوى،إحالته للمعضلة علينا نحن العرب والفلسطينيين،نحن العرب والفلسطينيين الذين نقدم التنازل تلو التنازل حتى غدونا بلا ورقة توت ساترة لعوراتنا سبب المشكلة!!،وأصبحنا لا أخلاقيين ومتوحشين..!! ونتنياهو وليبرمان وبينت وشاكيد وغليك إنسانيين واخلاقيين…!!. شعب مشرد منذ سبعين عاماً،إستيطان “متوحش” و”متغول” ضم متدرج للقدس، اعتقال أكثر من (7000 ) أسير فلسطيني،محاولات جادة لتقسيم المسجد الأقصى..الخ،كلها اعمال اخلاقية !! في وجه شباب فلسطيني غاضب لا اخلاقي!! غضبه بسبب سياسات الإحتلال وإجراءاته وممارسته. منذ مدريد وعندما زادت اخلاقيتنا وانسانيتنا عن حدها،ونحن نفاوض سراً وعلناً وبشكل مباشر وغير مباشر وعن بعد وعن قرب بقينا كما يقول المأثور الشعبي مثل ” حمير المعصرة” ندور في نفس المكان والفراغ،مفاوضات لم تجلب لنا سوى المزيد من شرعنة المشروع الصهيوني وإبتلاع الأرض،والإحتلال بطشه وقمعه يزداد. وختاماً أقول الفلسطينيون ليسوا من الدواعش ولا طلاب قتل،واختم بما قاله الكاتب نصار ابراهيم “انا لست مع قتل أيّ إنسان بشكل عام، كما لست مع قتل أيّ إنسان في فلسطين من حيث المبدأ،مهما كان دينه أو لونه، ولكن حتى يحصل ذلك وحتى تصبح هذه الرغبة والنزعة الأخلاقية والإنسانية ذات جدوى وحقيقية ومقنعة ولها معنى، إذن يجب إنهاء سبب القتل في فلسطين، الذي هو في المقام الأول والعاشر يتمثل بالاحتلال، وعدا ذلك هي تبريرات أو هروب لا أكثر ولا أقلّ وتحميل الضحية بصورة مباشرة أو غير مباشرة السبب في ما يجري”. القدس المحتلة – فلسطين 15/3/2016 0524533879 [email protected]

مقالات ذات صلة

إغلاق