مقالات

صاح الجبل د . خالد تركي الراحلان جمال عبد الناصر وسلطان الأطرش / هادي زهران

imageصاح الجبل

د . خالد تركي
الراحلان جمال عبد الناصر وسلطان الأطرش

وأنا أقرأ دراسة رفيقي هادي زاهر “عبد النَّاصر وجمهوريَّة الطُّرشان”، مرَّت بين طيَّات دماغي وأمام ناظري ما سأورده لكم في كلمتي التَّالية، التي لا أعتبرها مداخلة نقديَّة، وإنَّما احداثًا خطرت ببالي من هدْي دراسته الهامَّة والممَيَّزة ومن وحيِ قلمه:
لقد أثرى المناضل داود تركي كتابه “ثائر من الشَّرق العربيِّ” عندما كانت فاتحتُه وصيَّةَ سلطان العرب كاملةً واقتبس منها:
انطلقت الثَّورة من الجبل الأشمِّ، جبل العرب، لتشمل وتعُمَّ، وكان شعارُها الدِّين لله والوطن للجميع واعتقد أنَّها حقَّقت لكم عزَّةً وفخارًا وللإستعمار ذُلاً وانكسارًا عودوا إلى تاريخكم، الحافل بالبطولات، الزَّاخر بالأمجاد، لأنِّي لم أرَ أقوى تأثيرًا في النُّفوس، من قراءة التَّاريخ، لتنبيه الشُّعور، وإيقاظ الهمم، لاستنهاض الشُّعوب لتظفر بحرِّيَّتها وتحقِّق وحدتها وترفع أعلام النَّصر.
لكنَّ أمَّتنا العربيَّة، يا سُلطاننا، تختار أن تُلدَغ من الجحر مرَّات، وأن لا تتعلَّم من اخطائها..
وفي هذه المناسبة اتقدم لجميعكم بمباركة اعياد ايَّار المجيدة، من أوَّله عيد العمال العالميِّ إلى تاسعه، يوم النَّصر الكبير على الفاشيَّة والنَّازيَّة ودحر جيوش هتلر بقيادة الاتِّحاد السوفييتي، والى الخامس والعشرين منه عيد المقاومة والتَّحرير، يوم انتصار المقاومة اللبنانيَّة على الجيش الذي لا يُقهر..
يقول داود تركي في قصيدته “يا رافض التَّجنيد”:
يتساءلون:من الدُّروز؟ أجيبهم بعروبتي الأقحاحُ والأخيارُ
جبلٌ وسلطانٌ كبيرُ جبالِهِ والثَّورة الكُبرى له الإكبارُ
كثيرة هي المرَّات التي كنت أسمع فيها والدي ابو خالد ومنذ نعومة أظفاري، يردِّد الاناشيد للسُّلطان: “صاح الجبل بني معروف ويا هلي، حماة الوطن تشهد لكم كل البشر، يوم الحرايب صيتكم جاز البحر”..
لقد قال السُّلطان: لقد اثبتت التَّجارب أنَّ الحقَّ يؤخذُ ولا يُعطى، وأنَّ يد الله مع الجماعة، وليس هنالك درزيٌّ وسنِّيٌّ وعلويٌّ وشيعيٌّ ومسيحيٌّ، ليس هناك إلا امَّةٌ واحدةٌ ولغةٌ واحدةٌ وتقاليدٌ واحدةٌ ومصالحٌ واحدةٌ.
وقال الشَّيخ الجليليُّ الجليل العُروبيُّ بامتياز فرهود قاسم فرهود:
إنَّ الرِّجالَ مثالَ شخصك قلَّةٌ في عصرنا او سالف الأزمان
خُضْتَ المعارك في رجال قلَّةٍ لم تخشَ فيهم كثرةَ العدوان
وسكنتَ إذ دعت الضَّرورةُ قفرةً لم ترضَ تسليمًا لهم بهوانِ
عندما لجأ الثُّوَّار الى منطقة “النبك” والى “وادي سرحان” (ص 20) في الجزيرة العربيَّة أو في بلاد الحجاز أو في نجد ونجران لتكون نقطة انطلاق لهم لمحاربة المحتلِّين الفرنسيِّين..
عندما ترك الملك فيصل ارض المعركة تاركًا السُّلطان في المعركة وحده، بعد أن تلقَّى اوامر فرنسيَّة بالتَّنازل عن الحكم في سورية ومغادرتها، أذعن للطَّلب وترك البلاد، فارسل له السُّلطان مرسالَه وساعِدَه الأيمن إلى ميناء حيفا، المجاهد محمَّد بربور، لثنيه عن ترك المعركة، وللعدول عن قراره، قال له الملك فيصل المُنهزم والمأمور، الذي كان في طريقه إلى إيطاليا، “سلِّم لي على السُّلطان وقل له فات الميعاد” (ص 33)!
الظاهر أنَّ “وظيفته” انتهت!
وهنا في خيانة الملك للسُّلطان وثورته، تلك الخيانة المعهودة بتلك التِّيجان التي لا تصلح للثُّوَّار نعال بساطيرهم، يحضرني هذا الحدث:
تمخَّض عن اتفاقيَّة سايكس بيكو عام الفٍ وتسعمائة وستَّةَ عَشَرَ تحت مظلَّة فرنسا وبريطانيا وبمصادقة روسيا القيصريَّة ومن بعدها، وعد آرثر جيمس بلفور المشؤوم، في الثَّاني من تشرين الثَّاني من العام الفٍ وتسعمائةٍ وسبعةَ عَشَرَ، منْحُ الحركة الصهيونيَّة أرض فلسطين، لقد وهبُوا غيرهم ما لا يملكون، “من كيس غيرك يا مذرِّي ذرِّي” فبريطانيا لم تكن مسيطرة، بعد، على بلادنا حيث كانت، حينها، تحت سلطة امبراطويَّة بني عثمان، وكذلك منح آل سعود فلسطين التي لا يملكونها اساسًا، للحركة الصَّهيونيَّة وبخطِّ السُّلطان عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل السُّعود (شتَّان بين السُّلطانين)، حيث سلطنوه على الجزيرة ليكون طوعَ ايديهم وخاتمًا في إصبعهم، وختمًا لتمرير مؤامراتهم لقد كتب قرارًا موقِّعًا عليه بختمه:
“..أُقرُّ واعترفُ الفَ مرَّة لسير برسي كوكس، مندوب بريطانيا العُظمى، لا مانع عندي من اعطاء فلسطين للمساكين اليهود او لغيرهم، كما تراه بريطانيا التي لا أخرج عن رأيها حتَّى تصيح السَّاعة” (أي حتَّى قيام السَّاعة)!
حينها اعلن وايزمن انَّ انشاء كيانٍ لآل سعود (نفوذ) هو هدف بريطانيا الأوَّل حيث سيُبنى الوطن لليهود بواسطته..
زد على ذلك انَّ التَّتمَّة كانت في جُعبة آل هاشم في شرقيِّ الاردن..
وهذا يعيد إلى اذهاني ما قاله الرئيس الخالد جمال عبد النَّاصر في خطابه الشَّهير، في الثَّالث والعشرين من شهر كانون الأوَّل عام الفٍ وتسعمائةٍ وإثنين وستِّين بعد أن خاض معركةً قوميَّةً ووطنيَّةً دعمًا للشَّعب اليمنيِّ، ومعدِّدًا شهداء مصرَ في المعارك الضَّارية دفاعًا عن أرض اليمن من هجمات آل سعود، قال: كل واحد فيهم جزمته أشرف من تاج الملك سعود والملك حسين، لقد خذلونا أكثر من سبعين عامًا وسيستمرُّون في تآمرهم على شعبنا.
وانا اقول جازمًا: إنَّ فردةَ جزمةِ الجنديِّ العربيِّ السُّوريِّ اليوم، هي أشرف من تلك التِّيجان مجتمعةً، والمجتمعةُ على الشَّرِّ لوطننا العربيِّ والذُّلِّ لشعبنا العربيِّ!
لقد قال المناضل داود تركي في قصيدته “زغرد الرَّشَّاش”:
ناصرٌ عملاقُ شعبٍ هبَّ يمحو عن ثرى الأوطانِ ظلمَ الحاكرينا
سوف يبقى في ضميرِ العُربِ حيًّا قدوةً تسمو بجَهدِ المخلصينا
ما لمُحتلِّ الحمى إلا قتالٌ يقمعُ العادين قمعَ الظَّافرينا
رحل جمال عبد النَّاصر وهو في قمَّة عطائه قبل أن يُحقِّق مراده، في الحرِّيَّة والاشتراكيَّة والوحدة، وحين رحل بكته العيون وحفظته الجفون..
ورحل السٌّلطان، ورأى النَّصرين بعينيه، الجلاء وحرب تشرين التَّحريريَّة، تلوَّعت أفئدة أحرار وطننا العربيِّ، ودُقَّت له أجراس الكنائس وصدحت في سماء الوطن أصوات التَّكبير لله من المآذن حدادًا وشكرًا وعرفانًا جميلاً على ما قدَّمه لشعبه ووطنه، ونعاه الرَّئيس حافظ الاسد وحضر جنازته والقى عليه في قريته القريا نظرة الوداع، بعد أن حملت جثمانه الطَّاهر مروحيَّةٌ عسكريَّةٌ حلَّقت به فوق أرض المعارك التي خاضها منتصرًا، وبعدها حملت جثمانه الى المقبرة عربةُ مدفعٍ، وبُنيت له صروحٌ عظيمةٌ تخليدًا له وتمجيدًا لثورته، في عدَّة أماكن في سورية، وفي بلادنا أيضًا، فهو القائل:
لقد اوقدنا نار الثَّورة الاستقلاليَّة بعد أن رزحت البلاد تحت كابوس الاستعمار ولسنا بتاركين من ايدينا سلاحًا حتَّى نبلغَ بحدِّ الحسام تمام المراد، وهو تخليص سورية من احتلال المُحتلِّين.
ولَم يتعلَّم الغرب من فرنسا وانكلترا وامريكا ومن دار في فلكهم من دمى آل سعود وحمد في المشرق العربيِّ وحركات التَّكفير، على أنواعها، من الدُّروس التي لُقِّنت للجنرال “ميشو” كيف واجه الثُّوار الأبطال العرب السُّوريُّون جحافل فرنسا من “طائرات ودبابات ومدافع ثقيلة ورشَّاشات فتَّاكة”..(ص 18) منتصرين!
كان مصطفى كمال اتاتورك، صديق جمال باشا السَّفَّاح الحميم، ضابطًا في الجيش الخامس العثمانيِّ، يخدم في دمشق حيث كان يُقيم في فندق فيكتوريا على ضفاف بردى، مقر قيادة الجيش، وعندما رأى تقهقر جيشه امام الثُّوَّار السُّوريِّين
الأبطال، ضبَّ ذيله بين رجليْه مغادرًا الشَّام إلى الشَّمال (ص 30)..
كانت الشَّام عصيَّةً وثابتةً في كفاحها لدحر اتاتورك واندَحر، كذلك هي شامنا اليوم، حيث عقدت عزمَها على دحرِ اردوغان، الذي سينقلع هو الآخر مع آل تكفير كلِّهم، وعلى اردوغان ا واعوانِهِ ودُماه في المنطقة أن يرجعوا الى صفوف الابتدائيَّة، إن أحسَنُوا، ليُعيدوا دراسةَ التَّاريخ، خصوصًا تاريخ الجوار وحسنِهِ..
في وقوف عبد النَّاصر إلى جانب ملك العود فريد الأطرش في “المنافسة” بينه وبين
العندليب الاسمر عبد الحليم حافظ، هذا سوريٌّ وذاك مصريٌّ، استحضرتُ هذا الحدث:
في أحد أزقَّة صور، جنوب لبنان، كان جوزيف أنتيبا (يونانيُّ الأصل) يبيع البوظة وكان إلى جانبه جارٌ لبنانيٌّ مسلمٌ شيعيٌّ ينافسه في تجارة البوظة. لم يحتمل الجار تلك المنافسة الخاسرة فقام بالتَّحريض على بوظة جوزيف النَّجسة داعيًا جمهوره لشراء بوظته، وعندما شعر جوزيف بذلك، قصد الإمام موسى الصَّدر، يشكيه جاره. فما كان من سماحته إلا أن يقصد محل بوظة جوزيف بعد صلاة الجمعة، حيث نزله مع ثلَّة من المصلِّين وجلسوا يأكلون البوظة في محل جوزيف..
لهذه القصَّة معنىً وطنيٌّ ومغزىً قوميٌّ، وبعدُ نظرٍ في محاربة العنصريَّة الطَّائفية والمذهبيَّة، وأنَّ على الأغلبيَّة أن تحمي الأقليَّة وتذود عنها لتُشعِرها أمانها بين أهلها وطمأنينتها في وطنها..
لقد غنَّى ملك العود، فريد الأطرش للوطن العربيِّ وللشَّعب العربيِّ، وأذكر منها “علم العروبة يا غالي”، “ابن العرب للعرب والدَّم ما يهنشِ”، “مبروك ع الأمَّة العربيَّة”، “يا بلادي يا بلادي فيك عاشوا الأنبياء”، “شعبنا يوم الفداء”، “وردة من دمنا”، “يا أرضنا يا امِّنا”، “حبيب حياتنا كلِّنا رب العباد يحميك لنا” و”بساط الرِّيح”..
تُرى أننتظر مجيء “بساط الرَّيح”؟ لا! لأنَّ في الانتظار خسارة..
لذلك علينا أن نحيكه نحن بأيدينا وأن نجيدَ الخياطة ففي الخياطة مهارة وهذا هو خيار الشَّطارة ..
﴿..حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾..
وأخيرًا، رفيقي زاهر..
مباركٌ الآتي باسمك يا رفيقي..
مباركةٌ ثمرةُ راحتِك يا رفيقي..
ميمونٌ مولودُ يراعِك رفيقي الهادي..

* نص الكلمة التي القاها الدكتور خالد تركي في حفل اشهار كتاب ” عبد الناصر وجمهورية الطرشان ” في مسرح بيست الكرمة – حيفا

مقالات ذات صلة

إغلاق