ياه! يمضي بنا العُمرُ سريعًا ، يمسك بأيدينا الغضّة ، يُداعبنا في المهد
يجلس في زاوية الغرفة القريبة ، نرى انعكاس ظلّه الذّي يؤرقنا ويرعب داخلنا في ساعاتٍ متأخرة قبل النّوم،
نُقسِمُ على رؤيته مرارًا ، نرفُض النّوم مجددًا في غرفنا الدّافئة، ظنًّا منّا ان أشباح العمر لا تدخل غرفة الوالدين المُحصّنة بتعويذة الحُب الأبويّة،
نمضي ويكبُرُ الخوف فينا من هذا الظلِّ الأسود،
ندخُل الجامعة، نهرم معه،
لا نملُك حياله في تلك المرحلة سوى ان نُصادق طيفه،
نكبُرُ ونُيقِنُ انّنا لم نرى غولاً ولا ماردًا، بل شبح أعمارنا المتمرّد في حضرة الحب والألم والفقد الأعظم،
نُحاول ترويضه بموسيقانا التي نُحبِ، نحاول اقناعه بأحلامنا التي رسمناها على حائط الصّبى في القرية القديمة،
نُغريه بالأيّام الطويلة التي سُرِقَ فيها النّوم من مُقلتنا قسرًا، تحضيرًا لإمتحان او قلقًا من القادم،
يأبى العُمر ان يتوقّف عن الرّكض في باحات المنصّة الزرقاء، يُتابع الرّقص والقفز مهددًا انّ لا مزيد من الوقت سيُدوّن انتظارًا لحلمٍ او امنية ،
تعلمون، تلك اللحظة التي نُدرِكُ فيها ان بابا نويل لا يأتي عبر المدخنة وانّ رمضان ليس بشرًا وانّ الله لا يُرى بعينٍ بشريّة وان القمر لا يتحرّك …
تلك اللحظات الكارثيّة التي تنهارُ بها أفكارنا الهشَة وتصطدم بأرضيّة الغرفة التي وُلدنا فيها فتُعيدنا الى الفكرة الأولى والشعور الأرعن،
تلك اللحظة تحديدًا ، نتعلّمُ بها ان نمضي معه، بلا مُقايضاتٍ عاطفيّة او إبهار فنيّ،
نُذعِنُ لأقدارنا ونتحرّك معها بلا مُقاومة، بلا خوف،
نتعلّم انّنا سنكبر ونهرَمُ وسنحتفظ بشُعلتنا المتوهّجة في الحياة والموت وما بعده،
نتعلّم انّ ايّامنا الأرضيّة تعنينا، وان لا عزاء قد يُحرّكنا باتّجاهٍ مُعاكس ،
نتذكر فجأة انّنا لم نعُد أطفالاً ,قد اصبحنا نُدرك من العمر ٢٠ ربيعًا، قد اصبحنا بالفعل تلك الغيلان التي هربنا منها يومًا.