اقلام حرة

مسجد ( السيد هاشم ) بقلم محمد جبر الريفي

في ساعة مبكرة من صباح يوم العيد كان أبي رحمه الله يصحبني معه إلى مسجد ( السيد هاشم ) يرتدي قمبازه وعباءته وكوفيته البيضاء المضمخة بماء الزهر وبراحة يده الكبيرة الخشنة يصافح الناس ..لم أكن اسمع في الطريق إلى المسجد إلا عبارة : أن شاء الله العيد القادم في البلاد وهو بذلك يقصد فلسطين المغتصبة عام 48. .أحاول إلا اتعثر وراء خطواته الواسعة الطويلة أثناء السير فالحذاء الذي انتعله كان ضيقا وجديدا ولمس خطواتي خلفه اضحت على مشارف مقبرة ( أم مروان ) .. تتراءى لي في تلك اللحظة شواهد القبور وأحس في داخلي بصقيع الموت ..أشعر بانفاسه الحارة المتلاحقة وهو يقرأ سورة الفاتحة غير أني أبقى في مكاني متسمرا أتأمل القبور ..أحدق في صدوعها المتعوجة فالاحظ حشرات النمل الصغيرة المتشابكة. .كان جبل ( المنطار ) الذي يقع في الشرق من مدينتنا عامرا في ذلك اليوم من أيام العيد بالناس .خيام وأراجيح وحلقات رقصة الدبكة. .أصوات الزغاريد المختلطة بنغم الشبابة والأرغول وحلقة من الدبكة تتشكل بجوارنا من جديد ..بدأت باثنين من الرجال الشباب ثم بثالث ورابع و..، انظر إلى قدم جارنا (ابو صابر) وهي ترتفع في الهواء ..كان حذاؤه كبيرا وباليا. . وجه أبي صابر كان عابسا ومكفهرا كعادته. . يا أبا صابر..لماذا لا تتطلع إلينا بعينين متقدتين فرحتين وتتبتسم؟ لقد أصبحت في حلقة الدبكة خفيفا كالفراشة رغم ثقل خطواتك ؛؛وسرت في جسدي قشعريرة وانا ألاحظ حمى رقصة الدبكة وهي تتفاعل في النفوس ..لكن أبا صابر لم تنفرج شفتاه من شدة الانفعال بعد ..لم يحس إلا بحذائه القديم وهو يلامس مستوى الأرض ….

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق