مقالات
سلم علي قبل أسبوع … وأسلم الروح ! بقلم : عائشة الخواجا الرازم
سلم علي وبعد ما فرد التراب وسهمد الحديقة ، بعد ما حمل حوالي أربعين كيس مليانه تراب ، وكان معاه ابنه مهند عمره تقريبا عشر سنوات .
عرفت إنه العامل اسمه أبو مهند بعدما ناداه سايق القلاب اللي جاب نقلة التراب الأحمر ، وخلى أبو مهند وابنه يشتغلوا وراح القلاب وتسهل..وهو يقول له : يعطيك العافية أبو مهند .
حمل أبو مهند الأربعين كيس تراب أحمر ، وفرد التراب على وجه الأحواض القديمة ، وكان يفعفل بإيديه ويفرك التراب وينعم ويزبط .
لما نزلت له الشاي والفطور انتبهت لأغراضه اللي حطها تحت الحيطه في الشمسات .
كانت شغلة مازطه من جيبة المعطف شوية شغلات وفراطة .
حب الاستطلاع خلاني أنتبه لكتيب ملقى مع الأشياءات .
على الغلاف الأخير صورة العامل أبو مهند . الكتيب مخطوطة للطباعة بعنوان ( فلنبذر القمح أينما يسقط الغيث )
….
خلص العامل وحاسبته خمسة وعشرين دينار وأعطيت للولد خمس دنانير .
قلت للعامل : اقعد نحكي شوي .
– أولا يسلموا هالإيدين خليت الترابات زي الحلاوة .
– أنا في خدمتك خالتي وأي شيء أنا جاهز .
– دايما بتشتغل في الزراعة ؟
– من جديد …من خمسة أشهر .
– ما شاء الله …مزارع محترف .
– الحمد لله .
وين كنت تشتغل قبل الخمسة أشهر ؟
– من عشر سنين كنت في شركة ( …) .. تخصص مبيدات وأسمدة وأشتال .كله .
– يا سلام
– وخلصوا الشباب وتقريبا سكرت .
– مهندس زراعي ؟
– كيف عرفتي ؟
– من ذوقك ومعرفتك وأناقتك وإيديك مش معتادة على التراب .
– بس إيدي بتفهم للتراب .
– وشفت كتابك
….
نزل راسه شوية وسكت …!
– بده طباعه .. صح ؟
– إن شاء الله …هذا ثالث مخطوط تخصص زراعة وبذار .
– يا رب تتيسر …
*أعمل لك قهوة ؟
– بس لو فيه توصليني لأي موقف قريب باص لطبربور .
– طيب –
– شو عندك اولاد الله يخليهم؟
– عندي مهند وسهم توأم في الصف الرابع .
– طيب وليش مهند معاك اليوم ؟ ما في دراسه؟
* نظر نحو الأرض ولم يجب .
– ماشي …!
اصطحبته إلى طبربور وخلال الطريق:
عرفت أن الأم تعمل في شركة وتركت العمل لتعتني بالولدين . وتتابع التدريس عن بعد وتفصل بينهما وإن تركتهما وحدهما فالكارثة والويل والمنجاة من النار . وهذا يعني أن أبو مهند لن يتمكن من التقاط عمل مياومة …كمزارع يفرك التراب وينكش حدائق الناس ويعتل أكياس الزبل والتراب بخمسة وعشرين دينارا ، يدفع منها خمسة دنانير مواصلات . ويشتري في طريقه للولدين إشي زاكي وعلبة لبن و…. ينظر في وجه مهند …ومهند يقول ويسمعه أخوه سيف …
بابا … خذني معاك دايما أساعدك في الشغل …أنا ما بدي هاي الدراسة !!!
وأبو مهند يتلعثم بانكسار وهو يسمع سيف يصرخ :
وأنا كمان بابا … بدي أروح معاك أساعدك …
أنا ما بدي دراسه …أنا حكيت قبل مهند ما بدي …ما بدي …
تصرخ أم مهند : والله لأقوم أكسرك إنت وإياه ..
أبو مهند : والله إن مديتي إيدك لأكسرلك إياها !
أم مهند : خلص يا أبو مهند تزعلنيش !
أبو مهند : ما عاش مين يزعلك ؟
أم مهند : الجماعة بدهم الأجرة وخدمة شطف الدرج . وأجت فاتورة الكهربا والمدرسة استحق لهم القسط ودفع أقساط التلاميذ كلهم أولاد الأستاذ محمود صاحب المدرسة الله يرحمه ..!
أبو مهند : أنا شايف بلا منها هالمدارس يا حبيبتي .
أم مهند : والله لو بنحر رقبتي ما بطلع منهم واحد من مدرسته .
أبو مهند : هههههه … لا … حبيبتي .. رقبتي سدادة .
أبو مهند وضع كفه على صدره …
أم مهند : شو جاب المهندس اليوم ؟
أبو مهند : جاب الذيب من ذيله !!
أم مهند : يعني ؟
أبو مهند : جاب إشي زاكي وعلبة لبن ! آخ …آخ …
أم مهند : فديتك يا أبو مهند .
أبو مهند : تعال بابا مهند …تعال بابا يا سيف ! قربي يا أم مهند .
أم مهند …وهي تفتح كالبحر عينيها وتحتضن طفليها وتلقي بنفسها على صدر بارد وتصرخ عالي الصوت …!
…….
موت المهندس الشاب سليم النوا.. بسكتة قلبيه …
وترتفع أغنية موطني …موطني في إذاعة فرح الناس !
والمستمعون يناقشون قضية عمالة الأطفال وخطورتها …تتلوها قضية التسرب الدراسي من مدارس موطني …
يتلوها حوار مهم مع وزير التربية والتعليم حول واجب الأسرة بتعليم أطفالها في البيت وتأمين الأجهزة والإنترنت والمنصات …
وبعدها يأتي لقاء مع وزير العمل ليكمل برنامج استبدال وإحلال وتحويل المهندس إلى عامل …وكيفية دفنه في تراب موطني !
–