مقالات
“مجموعة مقالات حُرّة * عمى القادة * رؤية * هذه المقالة يكتبها د. محمد طلال بدران – مدير دار الإفتاء والبحوث الإسلامية * عنوان المقالة: ” أزمة النُّخَب: لماذا يفشل القادة في قراءة الواقع؟ ” (1-2

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين الصطفى وبعد:
يقال إن الشعوب لا تنهزم إلا حين تخذلها نُخبها، وإن أول ما ينهار في الأمم ليس الاقتصاد ولا الجيش، بل البوصلة الفكرية التي يُفترض أن توجهها، فحين تعجز النخب عن قراءة المشهد أو تتقاعس عن قول الحقيقة، تتخبط المجتمعات في الظلام، ويُترك الشارع بلا دليل ولا قائد.
* النخب… مرآة أم حاجز؟
النُّخب في أي مجتمع هي العقول المفكّرة التي يُفترض أن تحلل الأحداث بدقة، وتستبق الأخطار، وتوجّه الناس نحو الخيارات الصائبة والصحيحة، لكن كثيرًا ما تتحول هذه النخب إلى طبقة منفصلة عن الواقع، تعيش في أبراج عاجية، وتستمد تصوّراتها من تقارير رسمية أو جلسات مغلقة لا تعكس نبض الشارع، وللأسف فإنّنا نرى ذلك جليًا واضحًا في واقعنا.
حين تصبح النخب حاجزًا بين الأمة والواقع بدل أن تكون مرآة له، تنشأ فجوة خطيرة: الجماهير لا تفهم قرارات القيادة، والقيادة لا تفهم أولويات الجماهير، هذه الفجوة تهيئ الساحة لارتباك سياسي، وضعف اجتماعي، بل وانهيارات كبرى.
* لماذا تفشل النخب في قراءة الواقع؟
* أولًا: الاستعلاء المعرفي
بعض النخب تتعامل مع الشعوب كأنها كتلة من الجهل تحتاج وصاية دائمة، فتسقط في فخ احتقار المزاج الشعبي بدل فهمه وتوجيهه.
* ثانيًا: الانعزال الاجتماعي
حين يعيش المفكر أو السياسي في بيئة مغلقة، فإنه يسمع صدى صوته فقط، ويظن أن رؤيته هي الحقيقة المطلقة.
* ثالثًا: الخوف على المصالح
النخب المرتبطة بمواقع السلطة أو الامتياز تخشى قول الحقيقة حتى لا تخسر مكاسبها، فتتحول إلى أدوات تبرير بدل أن تكون صوت إصلاح.
رابعًا: ضعف أدوات التحليل
قراءة الواقع ليست مجرد انطباع شخصي أو موهبة، بل علم يحتاج إلى بيانات دقيقة ومناهج بحث ورصد ميداني مستمر.
* خامسًا: الانبهار بالنماذج المستوردة
بعض القيادات تتبنى حلولًا جاهزة دون تمحيص لملاءمتها للبيئة المحلية، فتصبح القرارات غريبة عن واقع الناس.
* النتائج المدمّرة
حين تعجز النخب عن فهم نبض الشارع، تتخذ قرارات مرتجلة تصطدم بإرادة الناس، مشاريع تنموية تُبنى على الورق لكنها لا تصل إلى المواطن، سياسات تعليمية أو اقتصادية تُفرض من فوق، فتفشل لأنها لا تنطلق من حاجات المجتمع الحقيقية، والأسوأ أن هذا الفشل يولّد فقدان الثقة؛ فحين ترى الجماهير أن قياداتها لا تفهمها، تبدأ في البحث عن بدائل غير ناضجة أو حتى مدمّرة.
* كيف تستعيد النخب دورها؟
أ- النزول إلى الميدان: لا يمكن فهم المجتمع من خلف المكاتب أو عبر التقارير الرسمية فقط؛ بل من الأسواق، والجامعات، والمؤسسات، والتنظيمات الاجتماعية، وأحاديث الناس اليومية، وإسماع الصوت عبر الوسائل المتاحة
ب- تجديد أدوات التفكير:
الاعتماد على الدراسات العلمية والتحليل العميق يمنح النّخب رؤية أوضح من الانطباعات الشخصية السريعة.
ج- شجاعة النقد الذاتي:
القادة الذين يعترفون بأخطائهم أمام شعوبهم يكسبون احترامهم، ويعيدون بناء الثقة المفقودة، ولكن لا يمتلك الكثير منهم هذه الشجاعة، ويصرّون على مواقفهم التي اظهرت عجزها وفشلها وخيبتها
د- إعداد جيل جديد من النخب:
الإصلاح يحتاج إلى تعليم وتوجيه نوعي، ومراكز بحث مستقلة، وبرامج لإعداد قيادات شابة تؤمن بالمسؤولية قبل الامتياز، والأخذ بأيديهم من بداياتهم
ه- ربط الفكر بالفعل: النخبة الواعية لا تكتفي بالخطاب النظري، بل تتحول إلى قوة اقتراح وتنفيذ، فتقود المجتمع بالأفعال لا بالشعارات.
* خاتمة
أزمة النخب ليست قدرًا لا يُردّ، وحين تدرك العقول القائدة أنها جزء من الأمة لا وصيّ عليها، وحين تنزل إلى الواقع وتتعلّم من الناس كما تعلّمهم، يمكن للأمة أو للمحتمع أن تتجاوز أو يتحاوز أعقد الأزمات، إن النخبة الحقيقية لا تسير خلف الشارع ولا فوقه، بل أمامه بقليل، تمهّد الطريق دون أن تنفصل عن نبضه، والتاريخ لا يرحم النخب التي تتهرب من مسؤولياتها، لكنه يكافئ القيادات التي تحوّل معرفتها إلى فعل، واستعلاءها إلى تواضع، وخوفها إلى شجاعة في قول الحق وصناعة التغيير.. ولكم مني التحية والسلام
* اللهم الطُف بعبادك المؤمنين المستضعفين يا رب العالمين، اللهمّ فرجًا قريبًا من عندك يا الله.
* مقالة رقم: (2057)
* 25 . صفَر .1447 هـ
* الثلاثاء. 19.08.2025 م
باحترام: د. محمد طلال بدران (أبو صهيب).
**********
* مجموعة كل يوم مقالة
* إختيارات قاتلة
* رؤية
* هذه المقالة يكتبها د. محمد طلال بدران – مدير دار الإفتاء والبحوث الإسلامية
* عنوان المقالة: “زمن التفاهة السياسية: لماذا نصوت للجلاد ثم نشكو منه؟” (2)
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:
ليست المشكلة أن هناك نظمًا تحدّ من حقوق الناس وتهمّشهم، فهذا واضح ومكشوف، بل في أن بعضنا يشارك، طوعًا أو كرهًا، في إعادة إنتاج هذه الهيمنة عبر صناديق الاقتراع، أو دعم قوائم سياسية بلا مشروع وطني حقيقي، كيف أصبحنا نمنح الشرعية لمن يقمعنا ثم نشتكي لاحقًا؟ هذه المعادلة تتكرر في العديد من الدورات الانتخابية، وكأننا نبرّر الفشل الجماعي تحت شعارات وعود قصيرة المدى، وننسى أن الصوت السياسي أمانة يجب أن تُحترم.
1. الخوف من المجهول
كثيرون يخشون أن يُتهموا بالانعزال أو بالضعف السياسي، فيميلون إلى التصويت لقوائم أو أحزاب قمعية، ولا تتحدى النظام القائم أملاً في الحصول على فتات أو لحماية مصالحهم الضيقة، هذا الخوف يرسّخ الاندماج المشوّه بدل تعزيز الصمود، ويحوّلنا من أصحاب قضية إلى جمهور يُستغل في حسابات سياسية لا تخدمنا، ويقتل روح المبادرة لدى الأجيال الجديدة.
2. سياسة المنافع المؤقتة
النظم المسيطرة تتقن لعبة “المنافع المؤقتة”: وعود اقتصادية أو تسهيلات تُقدّم مقابل دعم سياسي أو صمت عن القضايا الوطنية الكبرى، فتتحول الانتخابات إلى سوق لتحقيق المصالح الضيقة، أو لاقصاء منافسين لهم، بدلًا من أن تكون ساحة لمحاسبة السياسات الظالمة والسياسيين الفاسدين.
حين يتحول الصوت الشعبي إلى سلعة، يفقد معناه الوطني ويصبح مجرد أداة في حسابات الآخرين.
3. غياب المشروع السياسي المستقل
لسنوات ونحن ندور في حلقة مفرغة: هل نشارك في الانتخابات؟ هل نقاطع؟ هل ندعم قوائم بعينها؟ لكن قلّما طرح أحد مشروعًا واضحًا لإعادة بناء مجتمعنا على أسس مؤسساتية واقتصادية وثقافية، مع حماية الهوية والحقوق المدنية، غياب المشروع يجعل الخيارات الانتخابية مجرد ردود فعل، ويتركنا عرضة لإعادة تدوير نفس الأخطاء.
4. صناعة “الزعيم المطيع”
تُبرز بعض الشخصيات على أنها تمثّل صوت المجتمع ونبضه، ولكنها في الحقيقة لا تتحدى جوهر النظام القائم، فتُفتح أمامها المنابر الإعلامية ويُحاصر البديل الوطني الحقيقي بتهمة التطرف أو التخوين، بينما تكتسب الشخصيات المدجّنة مكانة وهمية مؤقتة.د، سرعان ما يلفظها هذا الجهاز الحكومي القمعي، كما يحصل أمام الأعين حتى الأعمى يرى ذلك جليًا.
5. نخب عاجزة أو متواطئة
بعض القيادات تفضّل استخدام الصراخ على المواجهة السياسية العملية، وهذا سرعان ما يقتل روح المبادرة لدى الشباب ويدفعهم إلى العزوف أو الانجرار وراء وعود فارغة، فجعجعة من غير طحن مجرد أصوات تصخّ الآذان
كيف نكسر الدائرة؟
• إعادة بناء الأطر التمثيلية لتكون مرجعية وطنية حقيقية، لا مجرد عنوان بروتوكولي.
• تعزيز الوعي السياسي حتى يصبح المجتمع أقل اعتمادًا على شخصيات يعاد تدويرها كل مرّة
• إطلاق مشروع إعلامي وثقافي مستقل يحمي الهوية الوطنية ويحصّن الجمهور ضد الدعاية والتلاعب.
• تشجيع القيادات الشابة على تولي المسؤولية بدل إعادة تدوير الأسماء نفسها.
• تحويل الصوت الانتخابي في الكنيست إلى أداة تفاوض حقيقية، مع توعية الجمهور بأهمية المحاسبة والمشاركة الواعية.
خاتمة
التفاهة السياسية لا تعني فقط فساد بعض القيادات، بل قبولنا ضمنيًا بقواعد اللعبة كما هي، حين نصوّت لمن لا يمثلنا حقًا، أو نكتفي بالفتات مقابل الصمت، فإننا نعيد إنتاج التهميش بأيدينا، وكسر هذه المعادلة يبدأ بوعي جمعي يرى الصوت السياسي كأمانة وطنية، ويعطي لكل فرد شعورًا بالمسؤولية تجاه مستقبله ومستقبل مجتمعه، لا مستقبل السياسي الفلاني او العلّاني.. ولكم مني التحية والسلام
* اللهم الطُف بعبادك المؤمنين المستضعفين يا رب العالمين، اللهمّ فرجًا قريبًا من عندك يا الله.
* مقالة رقم: (2058)
* 26 . صفَر .1447 هـ
* الأربعاء. 20.08.2025 م
باحترام: د. محمد طلال بدران (أبو صهيب).
***************

