مكتبة الأدب العربي و العالمي
#عيشة_بنت_الصياد الجزء الثاني والجزء الثالث
“وعرفت أنّ زوجته اللئيمة كادت لها،فشرعت في البكاء، لكن قلب صياد السّمك أصبح قاسيا ،ولم يرحمها ،وبعد دقائق أصبحت عيشة كالمتسوّلة بثوب مهترئ ،وحذاء مثقوب ،ودفعها أبوها في ظهرها داخل الدّهليز، وأغلق الباب ورائها بالمفتاح”
القطه العجيبه……
أحسّت عيشة بالخوف ،فلقد كان المكان رطبا ومظلما ،فإنزوت في ركن وبدأت تبكي ،وسالت دموعها غزيرة على الأرض ،وقالت: يا ربّي ماذا فعلت من شرّ لأستحقّ هذه الحياة التّعيسة ؟
كلّ يوم صياح وعقاب ،أبوها الطيّب تغيّر، ولم تعد تعرفه !!! لقد كانت سعيدة ومدلّلة ،لكن منذ أن ماتت أمها إنتهى كل ذلك ،فإمرأة أبيها لما رأت جمالها و وبراعتها في الطريزة والخياطة غارت منها ،وحسدتها ،وحاولت إذلالها . وكلفتها بكافّة أشغال البيت لتتوقّف عن عمل تلك الرّسوم الرائعة على الحرير ،وحياكة الأثواب ،مضى زمن طويل لم تمسك فيه بإبرة أو قطعة قماش في يدها .
بينما هي سارحة في أفكارها رأت عينان تلمعان في الظلام….
فإنكمشت على نفسها ،وكادت تصرخ من الذعر ،لكن سمعت صوتا يقول : أنا القطة التي أنقذتها في الغابة ،وجئت لأنير ظلمتك كما وعدتك !!! إقتربت منها ،وجلست في حضنها ،وفجأة زاد توهّج عينيها حتى صارتا كالفانوس . نظرت عيشة حولها ،وأول مرة ترى ما يوجد في الدّهليز ،فهو قديم جدا له مئات السّنين، ولمّا حفر جدّها لبناء البيت ،وجده ووضع عليه بابا ،وإستعملوه كبيت للمؤونة ،لكنّه كان عميقا ،ولم يحاول أحد معرفة ما فيه .
قالت القطة : تعالي معي سأريك شيئا!!! كانت عيشة منبهرة من إتساع الدهليز ،ونسيت همومها ،ومشت وراء القطة .شاهدت زخارف على الحائط وتماثيل جميلة ،وفجأة وجدت أحد الفرسان اللذان سقتهما ،وأعطاها صندوقا ،وقال لها :لقد حقّقت وعدي بأن تلتحفين بأجمل أنواع الحرير!!! لمّا فتحت الصندوق وجدت مرآة فضية وأمشاط من العاج ،وخمسة أثواب حريرية ،قالت في نفسها شيئ لا يصدّق .
إختارت أحدها ،ثم خلعت ثوبها المهترئ ولبست الجديد ،ومشطت شعرها ،ثم نظرت للمرآة ،وإبتسمت للقطة ،وقالت :لم أعد أعرف نفسي ، ردّت عليها :هيا نواصل الطريق !!! بعد قليل وجدت الفارس الثاني، فأعطاها صندوقا كان فيه حذاء من الجلد اللماع ،ومجوهرات ،فرمت الحذاء المثقوب، ووضعت الجديد ،واختارت ما راق لها من قلائد وخواتم، فتزينت بها ،وواصلت الطريق،وقد إشتدت دهشتها .
ثمّ صادفتها شجرة البرتقال و أعطتها كحلا، وعطرا ،وسلة غلال ،وقالت :لقد نفّذت وعدي ،وإعلمي أننا جئناك لأجل معروفك معنا ،والإنسان يحصد ما يزرع ،فإن زرعت برا حصدت خيرا ،وهذا الدهليز كان في ما مضى أعظم ممالك الجن فأفسدوا في الأرض حتى جاء اليوم الذي عاقبهم فيه الله ،ولم يبق من قومنا إلا نحن،وفقط الناس الطيّبون يمكنهم رؤيتنا .
تجوّلت عيشة بقية اليوم في آثار مملكة الجنّ ،وأعجبتها النّقوش على الأعمدة الحجرية ،قالت: لمّا أخرج سأطرّز مثلها عل الحرير!!! .ثم دخلت أحد البيوت ،ونامت ،وفي الصباح وجدت طبقا فيه كل ما تشتهيه النفس من الطعام ،فأكلت حتى شبعت ،ولمّا حلّ مساء اليوم الثّالث ،جلست قرب باب الدّهليز تنتظر قدوم أحد لإخراجها .
بعد لحظات سمعت خطوات امرأة أبيها ،كانت تحمل في يدها طبقا فيه باقي السمك والخبز الذي فضل البارحة .ولمّا نزلت المدرج، ورأت عيشة في أحسن حال، وعليها الحرير والذهب ، سقط الطبق من يدها ،ولم تصدّق عينيها ،وقالت : هل انت حقا عيشة إبنة صياد السمك !!! أجابتها : نعم أنا هي بعينها …
…
#عيشة_بنت_الصياد
الجزء الثالث
عيشة بنت صيّاد السّمك
انتقام الجن……
نادت المرأة صيّاد السّمك ،وقالت له : تعال ،وانظر لإبتتك !!! أريد أن أعرف من أعطاها كل هذا الرّزق ؟ أجابها بتعجّب :عن ماذا تتحدّثين يا إمرة ؟ ولما نزل إلى الدّهليز فتح فمه من الدّهشة ،لكن عيشة قالت: إنّهم مخلوقات الغابة يا أبي ،جاءتني لتردّ إلي المعروف الذي عملته معها !!! لكن الصّياد لم يكن مهتمّا بحكايتها، وكان ينظر إلى صندوق الذّهب والفضّة، وقال لها : سأشترى مركبا كبيرا ،و،سنربح جيدا من الصيد،أحسنت يا عيشة، ستجعلين أباك وعائلتك من أعيان القرية ،ثم حضنها ،وقبّلها ،ووعدها أن لا يسيئ أحد معاملتها في المستقبل .
تحسّنت أحوال البنت وقلّ عليها شغل البيت ،فلقد أجبر إبنة زوجته على العمل وترك الكسل .رجعت عيشة إلى التطريز ،ونقلت الزّخارف التي رأتها في مملكة الجن على قطعة من الحرير ،ولما أتمّتها دهش كلّ من رآها ،وازاد حبّ الصياد لإبنته ،واشترى المركب الذي طالما حلم به ،وجعل معه أجيرا ليساعده في الصّيد، وإنزال صناديق الأسماك ،وبيعها للتجار .أحسّت المرأة بالحقد على عيشة لما شاهدت مكانتها عند أبيها ،وقالت في نفسها: سأحتال عليها لمعرفة سرّها ،لا بدّ من ذلك .
وفي أحد الأيام جاءت لعيشة ،واعتذرت منها على قسوتها ، وقالت: حمق أختك وقبحها يجعلني أحسّ بالتوتر ، هل تفهمين هذا ؟ أجابت عيشة ببراءة : أصدقائي مخلوقات الغابة بإمكانهم مساعدتها ،فهم من بقايا مملكة الجن ،وقصت عليها مل ما حدث معا ،إبتسمت المرأة وقالت ستصبح إبنتي أجمل منك ،وأكثر ذهبا ،أما أنت سترين ماذا أفعل بك أيتها اللعينة !في الصباح أعطت إبنتها دلوا ،وقالت لها ماذا يجب عليها فعله ،وأوصتها أن تصبر عل التعب ،وفي آخر اليوم سيصبح من الأغنياء ،وسيمنحها الجن وجها جميلا !!!لكنها كانت بخيلة ،ولمّا وصلت إلى البئر، ملأت الدّلو ،فجاءها الفرسان ،وطلب منها أن تسقيهما ،فقالت لهما ليس خادمة أبوكما !!! فدعيا عليها ،وقال الأول : إن شاء الله كلّما فتحت فمك خرج منه الدّود والصّراصير ،أمّا الثاني فقال :إن شاء الله كلّما مشيت نزل بولك على قدميك ،فسخرت منهما ثم واصلت طريقها .
وإذا بشجرة البرتقال تناديها ،وتطلب منها أن تسقيها ،فلمّا رأت أنّها يابسة قالت لها :سأخبر أبي ليأتي وسجعل منك حطبا للمدفأة !!! فدعت عليها وقالت :إن شاء الله تكون رائحتك نتنة كلسانك القذر ،فضحكت منها ،وإنصرفت .ولمّا كادت تصل إلى البيت وجدت القطة فتوجعت أمامها، وقالت لها : أنا مريضة، إسقيني شربة رحمك الله ،فردّت عليها :ستبقين مكانك حتى تأتي الفئران ، وتأكل ذنبك ، ستكونين أكثر جمالا دون ذنب !!!غضبت القطة ،ودعت عليها وقالت: إن شاء الله تأتيك في الظلام ، وتأكل أذنيك لتصبحين أكثر قبحا .
لمّا رحعت إلى البيت ،وضت الدلو في المطبخ وجلست تستريح ،فلما رأتها أمها قالت :هل نفذت ما قلته لك ؟
أجابتها :نعم يا أمي !!! فتحت لها السرداب ،وأدخلتها، وقالت لها: سأعطيك سلة طعام ،وإذا إحتجت شيئا أطرقي الباب بقوّة وسأفتح لك ،هيا إنزلي ،ولا تخافي ،لن يحصل لك شيئ ،ستأتيك قطة بيضاء،،فاتبعيها، وستجدين في طريقك الذّهب والحرير .
جلست الفتاة في الظلام ،وفجأة رأت عشرات العيون الحمراء تحملق فيها ،أحست بالذعر ،فأشعلت عود حطب ،كان هناك جيش من الفئران الصغيرة هجمت عليها وأشبعتها عضا وقرصا ،بدات تجري وتصرخ ،وتحاول إبعادها عن وجهها ،لكنها قضمت أذنيها ،ولمّا توغّلت وسط الدهليز ،وجدت صندوفا من الفضة ،ففرحت ،وبمجرّد أن فتحته هجمت عليها الدّيدان والصّراصير، ودخلت في أثوابها وفمها ،وأخذت تتخبط وتضرب نفسها، ثمّ واصلت الجري ،حتى تعبت، ووقفت وهي تلهث .
نظرت حولها فرأت جرة ماء بارد ،فأخذتها وشربت، وبعد لحظات بدأ بولها يسيل على ساقيها، ولم تعد قادرة أن تتحكّم فيه،صرخت، وواصلت الجري ،فصادفها صندوق مليئا بعطر الزّهر البرّي ،ولمّا فتحت أحد القوارير ،فاح شذاها في الدهليز ،فقالت :سأصب على نفسي شيئا منه، فحالتي أصبحت شديدة السوء !!! لكن بعد قليل أصبحت تفوح منها رائحة العفن ،أمسكت أنفها ،ورجعت إلى مدخل الدهليز ،وأخذت تطرق الباب بشدة، وهي تصيح بأعلى صوتها .
لمّا فتحت لها أمها الباب إنزعجت من قذارة إبنتها ،وأعدّت لها حّماما ،ونظفتها ،لكنّها أصبحت بشعة المنظر، وامتلأ وجهها بالعضّ والقرص ،وصارت تبول على نفسها ،فغضبت زوجة الأب غضا شديدا ،وقالت : كل ما حصل لإبنتي هو من تدبير عيشة ، لقد خدعتني ،سأعرف كيف أنتقم منها، الويل لك يا إبنة صيّاد السّمك منّي ..
.
في جزيرة الطّيور ……
في أحد الأيام قالت زوجة الأب لعيشة :سأجمع بعض الأعشاب لأصنع منها دواءا لأختك ،أريد منك مرافقتي للغابة ! أجابتها : حسنا ،سأفعل ما تطلبينه منّي . إبتعدت المرأة كثيرا على الدّار ،وكلّ مرّة تسألها البنت ،تقول لها : ليس بعد ،حتّى وصلتا إلى جبل مرتفع ،وقالت لها: هناك تنبت عشبة الهندباء ،وهي حمراء اللون ،أحضريها لي، فأنا أشعر بالتّعب، وسأنتظرك هنا ،هيّا أسرعي، لا وقت لدينا !!!
لمّا صعدت عيشة للجبل إبتسمت المرأة، وخاطبت نفسها: سأنصرف الآن ،ولن تعودي للدار حيّة !!! فهذا الجبل مليئ بالثّعالب والضّباع ،والعقارب السّامة ،وحتّى لو نجوت منها ،فلن تقدري على الرّجوع ،وستموتين من البرد والجوع عقابا لك على ما فعلته بإبنتي ،فلقد قضمت الفئران أذنيها ،وأصبح شكلها قبيحا .
فتّشت عيشة عن الهندباء ،لكنها لم تعثر على شيء ،ولمّا رجعت إلى زوجة أبيها ،وجدتها قد إنصرفت ،وتركتها وحيدة .حاولت أن تتذكّر الطريق الذي جاءت منه ،لكن لم تفلح في ذلك، فكلّ المسارب متشابهة ،بدأت في الصراخ لعلّ أحدا يسمعها ، وفي الأخير تعبت ، وجاءت تحت شجرة ،وبدأت في البكاء . وفجأة سمعت صوت حمامتين تتخاصمان ،وقال الذّكر :لقد إتفقنا ان ندّخر الحبّ للشّتاء ،لكنّي لاحظت اليوم نقصانه !!! أجابت الأنثى : صدّقني، لم ألمس منه شيئا .
كان ذلك اليوم حارا جدا :فقالت له عيشة : لا تظلم زوجتك لقد جفّ الحبّ بسبب الحرّ ،ولمّا ينزل النّدى، يرجع كما كان !!! نزلت الأنثى ،وجلست في حجر البنت ،وقالت لها :أشكرك، لولا نصيحتك لكنت الآن في ورطة ،كيف يمكنني أن أرد لك معروفك ؟ أجابت عيشة :إنّي بحاجة للهندباء لأختى ،وأرغب في الرجوع لبيتنا قرب البحر ،المشكلة أني لا أعرف الطريق !!! تعجّبت الحمامة وقالت : تلك العشبة لا تنبت في الجبال ،من الذي أتى بك لهذا المكان الموحش ؟
فهمت عيشة أن امرأة أبيها قادتها إلى هنا لتهلك ،وأنه يجب أن تحذر منها في المرّة القادمة ،وبينما هي غارقة في التفكير جاءتها الحمامة بعشبة حمراء في منقارها ،وقالت لها : إتبعيني سأريك الطريق إلى البحر ،ولو أسرعت لوصلت قبل حلول الظلام .
لما إقتربت عيشة من الداّر كانت تحسّ بألم شديد في قدميها ،فلقد جرت دون أن تتوقّف. كانت تسمع وراءها عواء الذئاب وأصوات البوم ،فيزيد من خوفها .دخلت ،وأغلقت الباب وراءها ،وهي تلهث .كانت امرأة أبيها تنظر إليها بدهشة ،وهي تتساءل كيف وجدت تلك اللعينة طريقها وسط الغابة ؟ إستعادت عيشة أنفاسها ،ورمت بالأعشاب على الطاولة ،وقالت بحدّة: سأذهب لأستحمّ ،وأنام ،ولا تطلبي منّي شيئا المرة القادمة ،وإلا أخبرت أبي بما حصل ،هل فهمت ؟
زاد غيظ المرأة على عيشة، وقالت: تهددني الآن؟ لا بقاء لي هنا، إن لم أجعلها تدفع الثمن. لاحظت أن البنت تحب الصعود على مركب أبيها ،وتنزل إلى الأسفل ،وتبقى هناك تطرّز ،فلقد كانت تشعر بالراحة بعيدا عنها وإبنتها ،وذات صباح إنتظرتها حتي صعدت، ثم جاءت إلى الأجير وأعطته صرة نقود وطلبت منه أخذها في فسحة لتروح عن نفسها.
تحرك المركب وإبتعد في عرض البحر ،وكانت عيشة تطرّز ،وفجأة أحست بحركة الأمواج ،وصوت الرياح ،فخرجت لترى ما يحدث ،فوجدت إمرأة أبيها أمامها ،وقبل أن تفتح فمها ،دفعتها في صدرها ،ووجدت نفسها تسقط في البحر،وفي يدها قطعة الحرير . إبتعد المركب وبدأت عيشة تغرق لكن الريح كانت تهب إلى الشّمال ،وخرج من القوقعة التي في رقبتها موسيقى جميلة وراحت في غيبوبة .
لمّا فتحت عينيها وجدت نفسها في جزيرة صغيرة مليئة بالطيور ، وجوز الهند ،وتساءلت : من الذي أتى بها إلى هنا ؟ وفجأة سمعت ضحكة ورائها ،ولمّا إلتفتت رأت السمكة الغريبة التي أطلقت سراحها منذ شهر ،فصاحت بدهشة : هل هذا أنت !!! أجابت السمكة: نعم ، أنا هي، لقد سمعت الموسيقى ،فجئت كما وعدتك . ضربت البنت بيدها على رأسها ،وهتفت :آه القوقعة ،لقد نسيت أمرها تماما،ومن حسن حظي أنها في رقبتي ،وإلا أصبحت الآن طعاما دسما للقروش .
كان ابن السلطان في زورق يصيد السمك ،ورأى شيئا أبيض تجرفه الأمواج ،فإلتقطه ،ولما رآه وجدها قطعة من الحرير عليها زخارف بديعة لم ير مثيلا لجمالها ،وكان عليها عطر فواح ،قرّبها من أنفه ،وإستنشقها ،فأسكرته رائحتها ،وقال في نفسه ،سأبحث عن صاحبتها ،وأتزوج منها سواء كانت من الإنس أو الجن أو حتى من حوريات البحر …
…
يتبع