مقالات

رؤية هذه السلسلة يكتبها د. محمد طلال بدران – مدير دار الإفتاء والبحوث الإسلامية

دور الأسرة في ترسيخ قيم التوازن بين الدين والعصرانية (2)

بعد أن تعرفنا على العصرانية ونشأتها وأهدافها، وبما أنها فرضت نفسها في واقع الناس، كان لا بد للأسرة المسلمة من القيام بواجبها اتجاه أبنائها في زمن ضياع الهوية واختلاط المذاهب، وإغراق حياتنا بألاف المبادئ الهدامة التي عبثت بقيمنا وعاداتنا وتقاليدنا، وغاب عن المناهج المدرسية والتعليمية الفكر والثقافة الإسلامية وحل مكانها جميع ما هو دخيل، وبما أن الأسرة هي حجر الزاوية في تشكيل شخصية الفرد وتوجيهه نحو الحياة، وهي أول مؤسسة يتعلم فيها الطفل القيم والمبادئ التي تبقى معه طوال حياته، وفي ظل التغيرات السريعة والتحديات المتعددة التي يواجهها المسلمون في العصر الحالي والتي أشرنا إليها، يصبح دور الأسرة أساسيًا في ترسيخ قيم الإسلام وعقيدته حتى لا يتم الإنصهار في الثقافات الواردة والمبادئ الدخيلة، فتعالوا بنا نستعرض بعض النقاط التي تُظهِر الدور الفاعل للأسرة في تحقيق ذلك:
– أهمية التربية الأسرية في ترسيخ القيم
تعتبر التربية الأسرية الأساس الذي ينطلق منه الطفل لفهم دينه وثقافته، لذا فإن غرس القيم منذ الصغر يجعل الأبناء أكثر قدرة على التمسك بمبادئهم مهما كانت التحديات التي يواجهونها، ويساهم الوالدان من خلال التوجيه والإرشاد في زرع قيم ومعتقدات ديننا وكذلك مبدأ الوسطية والاعتدال، بحيث يكبر الأبناء على فهم الدين فهماً متوازناً يتيح لهم التعامل مع الواقع المعاصر بوعي تام.
– تعليم الوسطية منذ الصغر
تعد الوسطية من أهم القيم التي يجب أن يغرسها الوالدان في نفوس أبنائهم، حيث يمكنهم تحقيق ذلك عبر تقديم تعاليم الدين بصورة صحيحة ومعتدلة ومتوازنة، من خلال النصوص القرآنية والأحاديث النبوية، والسيرة العملية للنبي الأكرم ﷺ، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذا الدين يدعو أيضًا إلى اليسر والتسامح مثل تعريف الأطفال بآيات وأحاديث تدعو إلى اليسر والتسامح، والوسطية فدين الإسلام دين رحمة واعتدال، بعيدًا عن التشدد والانغلاق.
– بناء القدرة على التفكير النقدي
تشجيع الأبناء على التفكير النقدي منذ الصغر حيث يساعدهم ذلك على التمييز بين ما يناسب قيمهم وما قد يتعارض معها، ويمكن للوالدين دعم الأبناء في اتخاذ قرارات واعية واختيارات تستند إلى القيم الإسلامية، مع تبيان أهمية التأني والتحليل في تبني أي ثقافة أو فكر جديد، فالتفكير النقدي يجعل الأبناء أكثر ثباتًا أمام المغريات أو الضغوط التي قد تدفعهم إلى الذوبان في ثقافات الآخرين وفي نفس الوقت يحصنهم من التطرف والانغلاق.
– التوجيه نحو الاستخدام الواعي للتكنولوجيا
يعد الاستخدام السليم للتكنولوجيا من أهم الجوانب التي تساعد على التوازن بين الدين وهذا الانفتاح الهائل على التكنولوجيا التي تطورت بشكل مذهل في هذا العصر، يمكن للوالدين تعليم أبنائهم كيفية استخدام الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي بشكل يخدم مصالحهم الشخصية والدينية، على سبيل المثال، يمكن تشجيعهم على متابعة المحتوى الإيجابي والمفيد، وتجنب الانغماس في المحتويات الفاسدة المفسدة، وتلك التي التي تشتت الانتباه أو تتعارض مع قيمنا ومعتقداتنا.
– القدوة الحسنة
حيث يلعب الوالدان دورًا حاسمًا كقدوة لأبنائهم، فالتوازن بين الدين ومتطلبات الحياة المعاصرة يجب أن يظهر في سلوكهم اليومي، سواء من خلال الالتزام بالعبادات والطاعات، أو في التعامل مع الآخرين بروح التسامح والاعتدال، أو في كيفية التفاعل مع التطورات الحديثة، فعندما يشاهد الأبناء هذا التوازن في سلوك والدِيهم، يصبحون أكثر قدرة على تقليدهم واتباع خطاهم.
– تعزيز الانتماء الديني والثقافي
يمكن للأسرة أن تلعب دورًا محوريًا في تعزيز شعور الانتماء إلى الهوية الإسلامية من خلال الأنشطة العائلية مثل قراءة القرآن معًا، أو زيارة الأماكن الدينية، أو الاحتفال بالمناسبات الإسلامية، فهذا يعزز ارتباط الأبناء بقيم دينهم ويجعلهم يشعرون بالفخر والانتماء إلى قيمهم ومعتقداتهم، وفي المقابل يجب تشجيعهم على الاطلاع على ثقافات العصر وفهمها بوعي وانتقاء.
– توفير بيئة متوازنة
يمكن للأسرة أن توفر بيئة تتيح للأبناء ممارسة القيم الدينية والاستفادة من تقنيات العصر دون تعارض، مثلاً: يمكن تخصيص أوقات محددة للعبادات أو الأنشطة العائلية، إلى جانب أوقات مخصصة للتعلم والتعلّم، واستخدام التكنولوجيا، فهذه البيئة المتوازنة تساعد الأبناء على استيعاب أهمية الاعتدال في كل جانب من جوانب الحياة، وتضعهم أمام تحمّل المسؤولية بكل ما تحمل الكلمة من معنى.
– صباحكم طيب ونهاركم سعيد وآمن، وجمعة مباركة،  ولنُكثر من الدعاء لتفريج الكروب وإخماد نار الحروب، ولا ننسَ الصلاة على خير مبعوث للعالمين، محمد ﷺ.
مقالة رقم: (1773)
06 جمادى الأولى 1446هـ
الخميس 08.11.2024 م
باحترام:
د. محمد طلال بدران (أبو صُهيب)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق