يملكُ الإعلام و ذخيرتهِ “الميدياويّة” سلطة التحكم بأزرّار الوعيّ الجمعي وتوجيه ازمات الرأي العام وادارتها باحكامٍ ومنهجية خصوصاً في المجتمعات الشرقية التي يتشكل فيها الوعيّ اثر تراكم الصور المؤثرة لان وسائل الإعلام مصدراً مهمّاً من مصادر التوعية والفكر المجتمعي، وهي ايضاً نواة عمليّة تكوين الرأي الجماهيري إلى جانب بناء ثقافة المسؤولية الاجتماعية باعتبارها الركيزة التي يُبنى بداخلها الانسان ليكون نافعاً ومهما في بناء ذاته وعائلته وبلده وقادراً على تأسيس منظومته الفوقيّة، وبلا شك هنا يأتيّ دور الوسيلة الإعلامية وقدرتها على تحقيق التوازن والتماسك الاجتماعي المطلوب ما بين صناعة الفرد وقدرته على ادارة الحياة ولا يتم ذلك إلاّ عبر تحديد محميّة اعلامية حيادية تعمل على دعمه بآليات الشرح المنطقيّ والتفسير والتعليق على الأفكار والأحداث والمعلومات ومن ثم تدعيم معايير الضبط الاجتماعيّ والثوابت الرصينة سواء كانت سلوكية او أخلاقية وعقائدية وغيرها، وكذلك التأكيد على التمسك بالقيّم السليمة وكشف جميع الأساليب الخارجة عن المنظومة القيمية الصحيحة لان هنالك فجوة بين الأخلاقيات العامة في المجتمع والسلوك الخاص لبعض الأفراد، هذه الفجوة التي يواجهها الكثيرين او الفارق التطبيقيّ بين ما نؤمن به ومانفعله في الواقع وهي بمثابةِ انحرافات فكرية وأخلاقية شكلها الاعلام المُضاد ولا يمكن التسامح معها ويجب على الإعلام الهادف والحقيقي أن يوضح مخاطر وازدواجية هذا السلوك ويحاربه من خلال تدعيم قواعد القيم الأصيلة والمعايير المُنضبطة، خصوصاً بعد الثورة الاتصالاتية والمعلوماتية الهائلة داخل مواقع التواصل الاجتماعيّ التي يفترض انها جاءت مُعبرة عن ميول الثقافات العالمية سيمّا الفرعية منها حيث يتمثل الانتشار التواصليّ والتوجيه المُتلفز امّا بتقديم التنوعات الثقافية المفيدة والنافعة للفرد بكونه انساناً أو من خلال التعبئة الحماسية و دورها في المساهمة بالحملات الاجتماعية والارشادية والتوجيهية خاصة في الأزمات السياسية والاقتصادية وحتى الحروب..
ومن الحقائق الثابتة أنّ وسائل الإعلام لا يقتصر تأثيرها في تصحيح حماية المسارات المجتمعية وانما تؤثّر تأثيراً مباشراً في ذاكرة الأفراد، بل إنّها تؤثّر في مجرى تطوّر البشر وتدرج طموحاتهِ في سلم الحياة لان هناك علاقة سببية بين التعرّض لوسائل الإعلام والسلوك البشري المتطور، ويختلف بلا شك تأثير وتوظيف وسائل الإعلام بحسب نوعية وظائفها وطريقة إستخدامها والظروف الإجتماعية والثقافية المُحيطة بالفضاء الحرّ، وكذلك قدرة الأفراد أنفسهم على تقبل اختلافاتهم وتأثيراتها لإنّ آثار وسائل الإعلام ليست دائماً تسير بالاتجاه الموحد لثقافات الشعوب وانما قد تكون ضارّة وقد تكون قصيرة الأمد أو طويلة الأمد، ظاهرة أو مستترة، قوية أو ضعيفة، نفسية أو إجتماعية أو سياسية أو إقتصادية، وقد تكون سلبية أو إيجابية، لكن ما يهم في كل ذلك هو هل نجحت الوسيلة الاعلامية في تربية ذات الإنسان وتوحيد هويتهِ الانسانية وتنمية وعيه الإيجابي، وإعداده للحياة كفردٍ ناجح وموثر في محيطه.