مكتبة الأدب العربي و العالمي

#ابنة_الراعي ( الجزء الثاني)

بينما فتحت المرأة الباب فشاهدت شبحا صغيرا يختفي في الظلام ولما إستدارت لتدخل شاهدت الصرة تعجبت وفركت عينيها لتتأكد أنها لم تكن تحلم ثم أخذتها وأغلقت الباب قالت في نفسها لا شك أن أحد الجيران أرسل لي طعاما

وعندما هزتها قالت إنها ثقيلة مسحت دموعها وفكرت ماذا يمكن أن تحويه هذه الصرة وفي الأخير لم تقدر أن تتغلب على فضولها ففتحتها ونظرت داخلها على ضوء شمعة

فخرج منها بريق أضاء الغرفة وشهقت لقد كانت مليئة بالجواهرأفرغتها فوق الطاولة كان منها الأحمر والأزرق والأخضر وفي النهاية سقطت خصلة شعر ذهبية عندما رأتها صاحت وأغمي عليها .

لما إستيقظت وجدت نفسها ملقاة على الأرض لم تعرف كم من الوقت أمضته على تلك الحالة و فجأة تذكرت خصلة شعرإبنتها و الجواهر وقالت في نفسها: هل ذلك حقيقة أم من خيالها لما نهضت كانت الشمعة لا زالت تشتعل و الجواهر والخصلة الذهبية تتوهجان بنور يخطف الأبصار

احتارت مريم أم قمر الزمان فيما يجب فعله بكل ذلك المال و قالت في نفسها سأشترى قطيعا كبيرا من الأبقار والأغنام وسأجعل من يرعاها وسأصنع أنا جبني وأبيعه .

لكن فكرت أنه رغم ذلك سيبقى معها الكثير وهو يزيد عن حاجة القرية بل كل القرى حولها حتى ولو تصدقت وساعدت كل المحتاجين تذكرت الخصلة و ورقة الشجر اللتان كانتا مع الجواهر،وقالت: قد يكون السر هناك

لا بدّ أن أرى الساحرة نسيمة لقد كانت أمي تقصدها ومن قبلها جدتي إذا ضاقت بهما الحال.

في الصباح ذهبت إليها كانت نسيمة عجوز لا يعرف أحد عمرها و تعيش على النبات والثمار لقد أفقدتها السنون بصرها لكنها تعرف كل من يأتيها يكفيها أن تسمع صوته

عندما دخلت مريم همت أن تتكلم لكن قالت لها الساحرة : هل جئت للسؤال عن ابنتك
أجابتها : نعم ،وسأقص عليك شيئا عجيبا حصل معي البارحة وأريد أن تقولين لي ما الذي يجب علي القيام به ؟
لقد جاءني أحد الأقزام بصرة جواهر و فيها أيضا خصلة من شعرها و ورقة شجر فهل يعني ذلك شيئا ؟

سمعت نسيمة الحكاية ثم ابتسمت وقالت :أما الخصلة فهي تقول لك أنها بخير وأما المال فخذي منه حاجتك ثم أحسني للفقير وأطعمي الجائع أما ورقة الشجر فهي أن تزرعي الأشجار حول الغابة وتلقي رزقا للحيوانات و للعصافير

لو رجعت الغابة كما كانت زمان سينتشر الرخاء في قراكم وينتهي الجفاف والجوع ولن تقترب منكم الغيلان والوحوش
إسمعي يا مريم ابنتك تحبّ الخير والحياة وتسعى لإصلاح شأن الغابة لكنها لن تتمكن من ذلك إن لم يغير الناس ما في نفوسهم

قدر قمر الزمان هو أن تبني عالما أفضل لكل من يعيش في هذه البرية من مخلوقات .ويوما ستصبح ملكة كل الغابة المسحورة وما حولها من القرى وسيكون لها شأن عظيم .

وأنت من سيساعدها
سألتها بدهشة :هل أخبرتك الجن بكلّ هذا ذلك ؟
أجابت: لا فنحن المسنّون نعرف أنّ تلك الجواهر توجد في وادي الياقوت وهو مكان غريب يختفي في الغابة الممتدة على هذا الجبل ويقال أنّ الحياة في ذلك الوادي بقيت كما هي لم تتغير.

الغيلان و الأقزام هم من بقايا الزمن الأول والأشجار هناك أكبر حجما وكذلك الهوام كل ما هناك غريب
تعجبت مريم وقالت لها : كيف تكونين متأكدة ولم يسبق أن ذهب أحد لذلك المكان ؟

ابتسمت العجوز وأجابت : منذ زمن بعيد حملت لنا الرّياح القوية فراشة كبيرة وقعت قرب القرية لم يكن لها مثيل في جمالها وعظم خلقتها ومرّة رأينا ورقة توت في طول إنسان

فاستنتجنا أن الغيلان تسكن ذلك المكان وفي البداية كانت تضع لنا ياقوتا على صخرة قرب القرية ونحن نعطيها خبزا وخضار ولحما وعرفنا أن واديهم مليء بالياقوت والجواهر.

لكن في أحد الأيام سمع تاجر من المدينة بأمر الياقوت فنصب فخا لأحد الغيلان وعذبه مع عبيده ليقول له عن مكان الوادي لكن الغول لم يقل شيئا فأشعلوا فيه النار وأحرقوه

وفسدت علاقتنا معها وأصبحت تأخذ ما تريده بالقوة وتفتك بمن تعترض سبيله.

لقد عشت ذلك الحياة كانت جميلة والجميع كان يتبادل المنافع لكن الجشع أنهى كل هذا ودفع أهل القرى ثمن أخطاء سكان المدينة. أخلاقنا ونظرتنا للأشياء تختلف كثيرا عنهم.

ابنتك ستصلح ما أفسده الجشع وترجع الأمور إلى نصابها
كانت أم قمر الزمان تسمع بانتباه للعجوز وقد أعجبتها الحكاية وزال عن قلبها مما كان فيه من غم و حزن وقالت :إذا كان الأمر مثلما قلت سأخصص وقتي للقيام به وسأشترى مائة من العبيد لرعي أغنامي وبيع جبني وإصلاح حال الغابة

لم تمض سوى أشهر قليلة حتى نمت الأشجار التي زرعوها وجاءت الطيور وبنت عليها أعشاشها وأصبحت الحيوانات تجيئ وترعى هناك وكف الغيلان عن الاقتراب من القرى

كانت قمر الزمان تعرف أن أمها ستذهب إلى الساحرة وتشير عليها كيف تتصرف في صرة الياقوت لقد رافقتها كثيرا من المرات وأدهشتها فراستها وفهمت نسيمة ما دبّرته قمر الزمان

وبدأت الغابة تكبر و تتجدد وشكر أهل القرى الثلّاثة التي حول الغابة مريم ودعوا لها وقرروا جعل ابنتها قمر الزّمان ملكتهم

أما في وادي الياقوت فلقد قرر وجهاء الغيلان تعيين قمر الزمان ملكة تقودهم في الحروب لما شاهدوه فيها من شجاعة وقدرة على الرمي بالسهام والحراب

ولما كان عليها اتخاذ قرارات لمملكتها فعلت الشّيء الذي تتقنه وهو حسن التدبير قالت لهم: صيدوا خنزيرين بريين وضعوا حولهما سياجا نفذوا لها ما طلبت وهم يهزون رؤوسهم

لقد تعودوا على صيدها أما تربيتها فلا يعرفونه بعد فترة ولدت الأنثى سته صغار وكبروا فاندهش القوم ووضعوا خنازير أخرى ولما زاد عددها أطلقوا الصغيرة في الغابة وأكلوا الكبيرة

ولم تمض بضعة أشهر حتى امتلأت الغابة بالخنازير ومنذ أصبحوا يربون خنازيرهم زادت أعداد الظباء والغزلان والأرانب وقالت لهم قمر الزمان: الآن لن تتصارعوا على الطعام في هذه الغابة

أما أنتم معشر الغيلان فطعامكم عند باب بيوتكم ولن يحتاج أحد لمهاجمة القرى رأت مخلوقات الغابة الخير والنعمة التي أصبحوا عليها فنصبوها أيضا ملكة عليهم وبذلك تحقّق ما قالته الساحرة نسيمة

في أحد الأيام خرج الأمير برهان الدين للصيد في الغابة بعدما سمعه من جمالها وكثرة حيواناتها طارد الأمير ورفاقه الغزلان لكنها كانت تفر في الغابة الكبيرة و تختفي بين النباتات الكثيفة وهذا ما زاد في بهجة الأمير

فهو لا يحب السهولة و يفضل أن يتعب لصيد فريسته قال أحد الصيادين للأمير: يبدو أننا لن نصطاد شيئا اليوم
قال برهان الدين :سنرى ذلك لا يجب أن نقترب وأكثرنا دقة في الرمي هو من سيربح اليوم .
بعد قليل شاهد ظبية أخذ قوسه ووضع سهما ثم أطلقه فأصابها في جنبها لكن الظبية تحاملت على نفسها وجرت إلى داخل الغابة .أسرع الأمير خلفها

وقال في نفسه : سأتبعك ولو تعلقت بأذيال السماء صاح به رفاقه: لا تبتعد فقد تضيع وتصبح طعاما للغيلان والوحوش لكنه لم يستمع لهم، حاولوا اللحاق به لكنه إختفى عنهم ولم يعودون يرونه

دخلت الظبية في شق بين جبلين ولكن الأمير كان مصرا على اصطيادها نزل عن جواده ودخل ورائها لكنه وقف متعجبا فهذا المكان لا يشبه بقية الغابة تبدو الأشجار أكثر ضخامة

كانت الحشرات تطير وتصدر صونا مزعجا شاهد اليعاسيب بحجم العصافير أما العقارب فكانت شوكتها كالسيف قال في نفسه : يجب أن أخرج من هنا وإلا هلكت هذه أرض الغيلان

عندما دار رأى ورائه ضفدعة ضخمة كأنها بعير أخرجت لسانها وأرادت اصطياده لكنه ضربه بسيفه وقطعه فثارت وقفزت وراءه فهرب لكنها لحقته أخذ قوسه ورماها في عينها ففقئها فصاحت صيحة عظيمة

كانت قمر الزمان في تلك الأثناء تقطف الزهور فسمعت الصيحة قالت: سأرى ما يحصل لما ذهبت شاهدت برهان الدين يتصارع مع الضفدعة التي حصرته بين الصخور

قالت في نفسها: لم أر إنسانا نجا من هذه الضفادع المتوحشة لها مخالب لو ضربت بها حجرا لقسمته نصفين سأنقذ هذا الفتى لشجاعته لقد غطته الجراح ورغم ذلك لا يزال ثابتا .

طلعت فوق الصخور وأدلت له حبلا وقات له : اصعد بسرعة وإلا مزقتك استجمع الأمير ما بقي عنده قوة وصعد وعندما وصل سقط على الأرض دون حراك

جرته قمر الزمان إلى مغارة صغيرة وضمدت جراحه ووضعت عليها بعض الأعشاب وخلعت ردائها وغطته به وقالت لقد بذلت ما بوسعي وإن كان جسده قويا فسيقاوم الحمى وسمّ الضفدعة وإلا سيهلك سأمر بعد يومين وأرى ما سيكون من أمره

لكنها لم تقدر على الانتظار فمنذ مدة طويلة لم تر أحدا من الإنس حملت طعاما وماءا وذهبت إليه كان نائما وقد سال منه عرق غزير حتى تبلل ثوبه ،قالت :هذه علامة جيدة ،

قريبا ستنتهي الحمى ويخرج السمّ .غيّرت ثوبه وجدّدت ضماداته وأسندت راسه ليشرب تأملته قمر الزمان كان الفتى جميل الوجه ،قوي البدن تدل هيئته وأثوابه أنه من أبناء الأشراف لكن من يكون ؟

أصبحت قمر الزمان تأتي إلى الأمير برهان كل صباح وبعد خمسة أيام فتح عينيه ورآها بجواره قال: هل مت وأنت من حور الجنة ضحكت وقالت: أنت حي لكن هنا جنة الغيلان أما جنة السّماء فلم يحن وقتها بعد يجب أن تأكل شيئا

لتستعيد قواك لم اكن قادرة على إعطائك سوى الماء و شراب الفواكه قال: لا اقدر ان أحرك يدي

ردت: هذا من تأثير السم لكنه يزول بعد مدة هذه الضفدعة تقدر على اصطياد فرائس أكبر منها بفضل سمها الذي يشل حركتها فتأكلها وهي حية من حسن حظك أنّي كنت قريبة من هنا وإلا افترستك ببطء .

جلست بجانبه وأطعمته حتى شبع وقالت له: عندما تتعافى عليك أن تخرج من هنا فالغيلان تعرف رائحة الإنس ولا آمن عليك منها وسأدلك على طريق الخروج و عليك ان تعدني أن لا تخبر أحدا بما رأيته هذا المكان بقي على حاله من قديم الزّمان لأن البشر لم يعرفوه وأريده أن يبقى كذلك .

قال برهان الدين أعدك هذا سري وسأدفنه في قلبي
بعد أيام تعافى الأمير واندملت جراحه وذات يوم جلس برهان الدين مع قمر الزمان في باب المغارة وقال لها أريد أن أسألك ماذا تفعل جارية حسناء في هذا المكان الموحش

أجابت هذا المكان اسمه وادي الياقوت وأنا سيدة الغيلان والأقزام وكل الغابة المسحورة وما حولها من قرى
تعجب الفتى وقال إذن أنت ملكة التي يتحدث عن قوتها وحكمتها الشعراء والقصاص

كنت أعتقد أنك من خيال الناس ولا وجود لك
ابتسمت ما قالوه هو الحقيقة لا شك في ذلك
قال لها أنا برهان الدين ابن السلطان النعمان

أجابت لقد سمعت كثيرا عن عدله و مروءته ثم أضافت ما رأيك أن نتنافس في رمي السهام
قال هيا لنرى ماذا علمك الغيلان،
قالت هل رأيت ذلك الجذع به فجوة صغيرة قل لها إنه بعيد لا يكاد يرى أخذت قوسها ثم أطلقت السهم فمرق من الفجوة
صاح الأمير هذا مدهش أنا أيضا أقدر على فعل ذلك رمى سهمه فمرق أيضا من الفجوة
تعجبت قمر الزمان وقالت كنت أعتقد أني الوحيدة التي يمكنها فعل ذلك

سأذهب الآن وأنت إياك أن تخرج في غيابي عندما ابتعدت قليلا التفتت ورائها كان الأمير واقفا ينظر إليها أحست بشعور غريب فلقد كانت تحس بالسعادة وبأن وادي الياقوت أكثر روعة وجمالا

مضى الوقت ببطئ و بدأ برهان الدين يحس بالملل فقال في نفسه: سأتجول قليلا في هذا المكان الغريب ولن أبتعد كثيرا من هنا لكي لا أضيع في هذه الغابة .

كلما تقدم إكتشف شيئا عجيبا رأى نباتات الفطر في علو شجرة صغيرة وتكفي لإطعام عشرة رجال وحبة توت في حجم برتقالة وكان يسمع رفرفة أجنحة الفراشات ودبيب أرجل النّمل وزحف الحلزون وأصوات اخرى لم يقدر أن يميزها

كانت الغابة مليئة الورود والنباتات العطرية المختلفة الألوان تسللت رائحتها العطرة إلى أنفه، و أسكرته أحس بإنتعاش روحه أمام هذه الطبيعة البكر فلقد كانت رائعة بشكل لا يوصف أعجبه كل هذا الجمال

وتسائل :لماذا يبدو هذا المكان مختلفا عن بقية الغابة لا بدّ أن أسئل تلك الجارية وأعرف السرّ كان الأمير غارقا في أفكاره ونسى تحذير قمر الزمان بعدم الإبتعاد عن حافة الجبل

وإنتظار عودتها و فجأة سمع صياحا وبدأت الأرض ترتجّ تحت قدميه ،ومن بعيد شاهد الأغوال تجري نحوه وهي تلوح بعصيها وهراواتها وكان على رأسهم الغول ميسرة ،

وصرخ : لا تتركوه يهرب فلا أفهم كيف نجى من الضفادع السامة التي تفترس كل من يدخل إلى هذه الغابة من الناس !!ندم برهان الدين على تهوره وجرى بكل قوة نظر وراءه وعرف أن الأغوال ستلحقه وهو هالك لا محالة .

لكن في هذه اللحظة رأى غارا صغيرا فدخله توقف ميسرة ومن معه عن ملاحقته وقال: لقد وقع هذا الغبي في الفخّ، فهو لا يدري أن عنكبوتة الأرملة السوداء تسكن هذا الغار

وستقبض عليه وتمتص أحشائه سيكون موته فظيعا أخذ الأغوال حجرا كبيرا وسدوا به المدخل ثم إنصرفوا في حال سبيلهم .

لمّا قابل ميسرة قمر الزمان روى لها أنهم طاردوا رجلا من الإنس وتمكن من الهرب لكنه دخل جحر العنكبوتة المخيفة وهو الآن محبوس معها ثم ضحك وقال : سيصبح طعاما لها من المؤسف أنّها لن تترك لنا منه إلا الجلد والعظم .

حزنت قمر الزمان على برهان الدين لكنها أخفت مشاعرها لان اذا كان علم ميسرة بانها هي التي كانت تعتني به سوف يكون اخر يومها في هاذه الغابة

وسألت الغول ميسرة : من قال لك أنه لا يوجد للغار منفذ آخر هل فكرت في هذا يا وزيري ؟
أحس الغول بالضيق وأجاب :الحقيقة لم أنتبه لذلك لكني سأذهب على الفور إلى هناك

أجابت : أرى أنك تعبت اليوم وأنا أعرف كيف أجازيك سآمر الطباخ أن يعدّ لك خنزير بالزبدةة وسأعطيك جرة خمر معتقة لكن قبل كلّ شيء قل لي أين يقع الغار ؟

ذهبت قمر الزمان بسرعة إلى المكان الذي قال عليه الغول لكن أحست بخيبة أمل عندما رأت الحجر الذي يسد المدخل فلا يقدر إلا الأغوال على تحريكه دارت حول الجبل باحثة عن مدخل آخر وفي النهاية عثرت على فجوة صغيرة في سقف الغار صنعت حبلا من جذور الأشجار

أمسكته ونزلت إلى الداخل ثم لفت خرقة قماش على عود و أشعلتها وبدأت تمشي وتحاذر أن تصدر صوتا بعد قليل شاهدت شيئا ملفوفا يتدلى من السقف

إتجهت نحوه ونادت : برهان الدين هل أنت هنا ؟
سمعت صوتا خافتا يسألها : من هنا هل أنت قمر الزمان ؟ أجابته نعم هل أنت بخير ؟
رد : أخرجيني من هنا قبل أن تعود العنكبوتة إنها مخيفة

أمسكت الجارية خنجرها ومزقت الخيوط البيضاء التي كان الأمير ملفوفا بها ثم قالت: لنسرع بالخروج إني أسمع صوتها هيا إتبعني بسرعة

عندما وصلا إلى الفجوة قالت له: تسلق أنت الأول وأنا سأشغلها ما كادت قمر الزمان تتم كلامها حتى ظهرت الأرملة السوداء كانت عظيمة الخلقة فتحت فكيها وأرادت أن تقبض عليها لكن البنت رمت عليها المشعل

فوقع في وجهها وأحرق عيونها دارت العنكبوتة حول نفسها ،وأطلقت صرخة إهتز لها الجبل : وبعد لحظات سمعت قمر الزمان صوت مئات الأقدام تجري نحوها

لقد كانت المغارة عميقة و مليئة بالعناكب وهي الآن تسرع للفتك بها والإنتقام لرفيقتهم التي إشتعلت فيها النار
عندما كادت العناكب أن تصل إليها مد برهان الدين يده

وسحبها إلى الخارج وسقط على الأرض و قمر الزمان بجانبه
شكرها وقبلها الأمير على جبينها فأغمضت عينيها وقد راق لها ذلك

بعد قليل سمعا صوتا يقول: لقد كنت متأكدا أن هذا الرجل لم يسلم من الهوام التي تعيش في الغابة دون مساعدة وعندما أردت الذهاب إلى الغار وحدك عرفت أنّك من ساعده

نظرت قمر الزمن إلى مصدر الصوت وفوجأت بميسرة واقفا أمامها والشرر يتطاير من عينيه لم يكن هناك مجال للهرب فلقد أحاطت الأغوال والأقزام بالجبل وقد لاح على وجوههم الغضب

قال لها ميسرة : بعد ثلاثة أيام سيجتمع مجلس شيوخنا للنظر في أمركما وسنرسل في طلب حوريات الغابة فأنت أيضا ملكتهم
في يوم المحاكمة ترأس أكبر الأغوال سنا الجلسة وقال لقمر الزمان: تعلمين أن هذا المكان ظل سرا لآلاف السنين وقد حرص آبائنا وأجدادنا عل إخفائه عن البشر لكي لا يأتوا ويفسدون ما فيه من جمال

وأنتِ سمحت لإنسان أن يعيش هنا وعندما يرجع لقومه ويحدثهم بما رأى فلن يطول الأمر حتى يأتوا إلى هنا ويقضون علينا وعلى الأقزام أقدم سكان هذا الجبل

ونحن موجودون هنا قبل أن يخلق الإنسان ومنذ ذلك الوقت وهو يفسد ويقطع الأشجار ويقتل الحيوانات لقد جعلناك ملكتنا لتحمينا وأحببنا فيك الشّجاعة والحكمة

لكن تغلب عليك طبعك وخنت شعبك وانتِ تعرفي ماهو جزاء ذالك نعطيك كلمة للدفاع عن نفسك ان لم نقتنع نحن الاغوال والاقزام والحوريات فمصيرك المشنقة ؟

وقفت قمر الزمان وقالت للدفاع عن نفسها : الجبل هو وطني ومنذ مجيئي كبرت الغابة وامتلأت بالطرائد ورجعت إليه الطيور والفراشات الملونة وقد وضعت قوانين للصيادين والحطابين إحترمها كل من حول الغابة من القرى

وعينوني ملكتهم وسلطان هذه البلاد نفسه عمل بها رغم أن لا شيئ يجبره على ذلك وهذا الرجل الذي أنقذته من الموت هو الأمير برهان الدين إبن السلطان النعمان وهو شخص ذو عقل ومروءة وشجاعة

هز أعضاء المجلس رؤوسهم وقد بانت عليهم الدهشة لفصاحة قمر الزمان

ثم قال شيخ الأغوال: لقد سمعنا عن عدل السلطان وبلغنا أنه يحترم العهود والمواثيق اولأمير من أهل الفضل هذا ما لا شكّ فيه لكن نفس الإنسان أمارة بالسوء ونحن تعلمنا أن لا نترك شيئا للصدفة خصوصا عندما يتعلق الأمر بأرضنا وبقائنا

تكلم شيخ الأقزام وقال: لا شيئ يغفر خطأ الملكة فهذا الجبل مليئ بالياقوت ولا شيئ يفسد طبع الإنسان أكثر من الجشع
ولو أطلقنا هذا الرجل فلن ترتاح نفسه إلا بعد أن يأخذ أرضنا لنفسه وسيطاردنا في أنفاقنا ويستولي على آلهتنا الذهبية

وعندما جاء دور الحوريات قالت عجوز منهم : لتعلموا أن الملكة هي من قومنا وفيها من روحنا ولا يخفى علينا أنها عاشقة ومن حقها أن تحب وتحلم كأي فتاة في سنها وترتاح قليلا من وجوه الأغوال البشعة

ومن طمع الأقزام الذين لا يوجد في قلوبهم حبّ إلا للذّهب إذا أراد الأمير أن يعيش في الغابة ويبقى واحدا منا فلا مانع لدينا رمقها شيخ الأقزام و شيخ الأغوال بحدة وقالا لها: لا يمكننا أن نتفق مادام عندكن هذا الغرور هل تعتقدن أنفسكن أحسن منا ؟

كثر اللغط وتوترت الأعصاب فقام برهان الدين وقال : سأبقى هنا معكم ولن أرجع إلى قومي فقط أخبروا رجالي أني بخير وأني سأتزوج من قمر الزمان ملكة الغابة المسحورة

فرحت الحوريات وهتفن سيكون عرسا جميلا فنحن لا نتزوج ولم نر عرسا قبل ذلك وقلن له : أكتب رسالة لأهلك وسنحملها إلى رجالك

قال الأغوال والأقزام: هذا الحل يرضينا و لكن بشرط
سأل الأمير: وما ذلك الشرط ؟
أجابوه : سنختبر شجاعتك في الحلبة مع العقرب الفضية

صاحت قمر الزمان إنه فخ يا برهان الدين إياك أن تقبل وإلا كان في ذلك هلاكك
لكن الأمير قال للقوم :لا أخاف من عقربكم وسأقتلها وآتيكم برأسها

إبتسم شيخ الأغوال بخبث وقال غدا تبدأ المبارزة وإن نجوت تبقى معنا أما قمر الزمان فقد حكمنا أن لا تتنقل في الجبل إلا مع مرافق مرة من الأقزام ومرة معنا وبعد مناقشة حادة إتفق جميع الأعضاء على ذلك ورفعت الجلسة .

في الغد خرج برهان الدين إلى الحلبة ورمى له الأقزام بسيف صغير من سيوفهم وقالوا له: أرنا شجاعتك
كانت قمر الزمان جالسة ولقد أخفت وجهها بيدها لكي لا تظهر دموعها الغزيرة

أتى أحد الأغوال بصندوق وضعه وسط الحلبة ثم انصرف وبعد لحظات سمع الأمير ضربات عنيفة و لم يطل الوقت حتى  تحطم الخشب وظهرت عقرب ضخمة فضية اللون ولما رأت برهان الدين أمامها رفعت ذيلها فلمعت الشوكة السامة في الشمس وأهوت بها عليه

لا أنّ الأمير قفز في الهواء وتفادى الضربة فزاد غضب العقرب وفتحت مقصّاتها ليقطعه فهرب برهان الدين ولاحقته الدابة حتّى حصرته في أحد الأركان

قال المتفرّجون : لقد هلك الرّجل لكن قمر الزمان صاحت : عش من أجلي يا برهان الدين قاتل من أجل حبنا
تذكّر الأمير أن العيون كانت نقطة ضعف الضفدعة والعنكبوتة

فأخذ حفنة تراب ورماها في وجه العقرب التي لم تعد ترى شيئا وأخذت تلوح برأسها فقفز فوقها وغرز سيفه في رقبتها حاولت إلقائه من فوق ظهرها لكنه كان متشبّثا بالسّيف

أخذت العقرب تجري في كل مكان وفي النهاية خارت قوتها وسقطت على الأرض فقطع رأسها ورماه وسط الأغوال والأقزام الذين بقوا صامتين ولاحت عليهم الدهشة

أمّا الحوريات فأخذن في الصياح من شدة الفرح ونزلت قمر الزمان إلى الحلبة وتعانقت مع الأمير ااذي وقف وقال : أقسم بالله أن يظل أمركم سرا آخذه معي إلى قبري فإنّي أحببت أرضكم وهي الآن أرضي

وإن أذنتم لي سأعيش معكم وأكون واحدا منكم أجابه شيخ الأغوال :حسنا لقد أثبتت شجاعتك وعشقك للملكة لكن أعلمك بأنك وعدتنا أنك لن تخرج من هنا هل ما زلت عند وعدك ؟
أجاب : أضحي بحريتي من أجل عيون قمر الزمان وهي تستحق ذلك

بعد أيامم أقيمت الأفراح وتزوج برهان الدين من حبيبته ورويدا رويد بدأ الأغوال والأقزام يحبونه ويتعودون على وجوده بينهم وأصبح القوم أقل وحشيّة وتزوج الكثير منهم وأصبحت لهم عائلات بعدما كانوا يعيشون كالبهائم

عن قصص وحكايات العالم الاخر
___

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق