مقالات

إطلالة على المجموعة القصصيّة، على شرفة حيفا، للمحامي الكاتب حسن عبادي

بقلم: روز اليوسف شعبان

صدرت المجموعة عام2023، عن دار الرعاة للدراسات والنشر وجسور للنشر والتوزيع، وتقع في مائة وثمان صفحات من القطع المتوسط.


على شرفة حيفا مجموعة قصصيّة، تتكوّن من ثمان وثلاثين قصّة قصيرة، وقد أهدى الكاتب مجموعته إلى حفيديه وابنتيه وزوجته لدعمها الاستثنائيّ له وحنكتها وحبّها ولكل عاشق لحيفا.
صُبغت هذه القصص بالصبغة الاجتماعيّة الواقعيّة، حيث تصوّر حوادث وقعت مع أبطال هذه القصص. كما يُستشف منها تأثير عمل الكاتب في المحاماة على أسلوب وموضوع الكتابة، فقد اتّسمت العديد من هذه القصص بالأسلوب الاخباري بعيدا عن الوصف والمجاز والاستعارات. فجاءت اللغة واقعيّة وسهلة.

الكاتب حسن عبادي

أما أسلوب السرد فجاء بصيغة السارد العليم الذي يتحكّم بخيوط الحبكة وشخصيّاتها فيحركّها وفق تصوّر بناه مسبقا لهذه الشخصيّات. لذا نجد أن السارد في بعض الأحيان، يتيح للشخصيّات أن تجري حوارا بين بعضها البعض، في حين غاب الحوار الداخليّ عن هذه القصص.
أما من حيث مضامين القصص، فنجد أن الكاتب اختار مواضيع من عالمه المتعلّق بالمحاماة والدفاع عن المعتقلين، فنجد أنّ قسما من المعتقلين من النساء اللاتي اعتقلن بسبب قطفهنّ العكّوب، كما في قصّة “كلّها طبخة عكّوب” ص 63″ وقضايا قانونيّة أخرى.
كما تعرض الكاتب للأشخاص الذين يدّعون أنهم يكتبون الشعر ويحاولون الظهور على المنصّات، مستعينين بأموالهم:” كانت ميمي شويعرة في البدايات، أدمنت الشاشة الزرقاء فقتلتها الغيرة، بدأت تنقل الأشعار وتنسبها لنفسها، وأحيانا تبدّل كلمة هنا وأخرى هناك، محاولة الحفاظ على الديباجة والقالب دون جدوى”.(ص 34).
وفي أكثر من قصّة تحدّث الكاتب عن القرى المهجّرة، ومعاناة أهلها بعد تهجيرهم من بلدهم، كما في قصّة ” الوطن غالي يا بهجة ص 38، وقصّة “ردّني الى بلادي” ص 46، وقصّة “صبار في اللّجون” ص 53، وقصّة ” هاي عليّ” ص79، وفي هذه القصّة ذكر عدّة قرى مهجّرة مثل: قرى الروحة، ام الشوف وقنبر وخبيزة وصبّارين، كما تعرّض لقضيّة بيع الأراضي لليهود كما في قصّة ” هذه الأرض إلها صحاب” ص 82، وقضيّة العمالة والتعاون مع السلطات كما في قصّة “إيدو واصلة” ص 91، وقصة “فيضي يا دنان الخمر فيضي” ص 58، وفي قصّة ” السنجر” ص 87، تعرّض لموضوع يؤرّق مجتمعنا بشكل خاص وهو عمل بعض الشباب كمأجورين يقومون بمهمات القتل والتهديد مقابل أجر.
وإذا ما تمعّنا في الشخصيّات النسائيّة التي وردت في قصص المجموعة، فإنّنا نجدها شخصيّات ضعيفة مهزومة، تفتقد للقيم والثقة بالنفس، مثل شخصيّة رماح في قصّة البقرة الحلوب ص 93،:” اهتمت رماح بشؤون المنزل وتربية ولديها ولم تكمل تعليمها الجامعي نتيجة لزواجها المبكّر، بدأت الغيرة تقتلها، فحاولت التعويض عن ذلك بالتبرّج والاهتمام بمنظرها وزينتها، ولجأت لعمليّة تجميل لدى جرّاح متخصص في الجراحة التجميلية، لتكبير الثديين لتعزيز احترام الذات والثقة بالنفس” ص 93. وشخصيّة منار في قصة “السنجر” التي كانت من عائلة محافظة تعودت الصيام والصلاة واللبس المستور والحجاب، لكنها حين سافرت للتعليم الجامعي في بلاد بعيدة، اعتزلت صلاتها وصومها، بدأت تقصّر فستانها رويدا رويدا، ترتاد المقاهي والنوادي الليليّة، ومن ثم البارات والحانات، فعملت في أحد البارات وصارت ساقية في حانة” ص 89. كذلك شخصية ميمي في قصة الطمبورية” ص 34، التي لجأت لتجديد شاكلتها كل صباح علّها تبرز بعضا من مفاتنها فلم يلمع نجمها على الساحة الثقافيّة، واستعانت بمشايخ الفيسبوك ليكتبوا لها أشعارا ويكيلوا لها المديح، ولكن لا حياة لمن تنادي” ص 34. كذلك شخصيّة ميمي في قصّة” مش كل واحد لفّ الصواني صار حلواني” التي فشلت في تعليمها وجربت حظّها في عدّة مجالات وفشلت، غيّرت شاكلتها محاولة التصنّع وابراز مفاتنها الاغوائيّة وصارت أميرة من أميرات الفيسبوك لكن دون جدوى. ص 15. وكذلك شخصية ميمي في قصّة ” علينا يا مندلينا؟” ص 13:” كانت ميمي لعوبة جيلها تنقلت من مدرسة لأخرى ومن وظيفة لأخرى وبطاقتها التعريفية وجهها الممسوخ من كثرة المساحيق والعمليات التجميليّة، وفي كلّ عرس تحاول أن يكون لها قرص، لكن دون جدوى” ص 13.
وقد كان للأعمال الخيرية نصيب في قصص هذه المجموعة، كما في قصة ” بين دخيل وأصيل” ص 41 وقصة “هاي أحسنلكم من حجة” ص 101.
جاءت عناوين قصص المجموعة ايحائيّة، بعضها مستمدّ من الأمثال الشعبيّة، مثل:” من طينة بلادك حط على اخدادك، و “ريحة الجوز ولا عدمه”، “علينا يا مندلينا؟” “هواة الغشيم بتقتل”. وبعضها مستمدّ من التناصّ الأدبيّ مثل: فيضي يا دنان الخمر فيضي، وردّني الى بلادي وهي مطلع أغنية غنتها فيروز” ردّني الى بلادي مع نسائم الغوادي مع شعاعة تغاوت عند شاطئ ووادي”. وقد وفّق الكاتب في اختيار معظم العناوين وكان أقلَّ توفيقا في بعضها مثل عنوان قصّته: البحث عن فاطمة، وقصة ” خليت السيارة دايرة” ص 44.
مجموعة على شرفة حيفا، مجموعة قصصيّة اجتماعيّة، تنوّعت مواضيعها وتعدّدت شخصياتها، منها الشخصيّات المستهترة الخاملة العميلة، والشخصيّات الوطنيّة المتمسّكة بأرض الأجداد، ومنها شخصيّات ضعيفة ومهزوزة. وقد جاءت هذه المجموعة؛ لتلقي الضوء على سلوكيّات اجتماعيّة وثقافيّة وسياسيّة سلبيّة لكنّها مع ذلك تلقى رواجا، وقد يكون للفيسبوك ولوسائل التواصل الاجتماعيّ، دور في نشر هذه السلوكيّات وكشفها على الملأ.

روز اليوسف شعبان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق