مكتبة الأدب العربي و العالمي

حكاية فاتو والبقرة الصفراء من الفولكلور الكردي لقاء غير منتظر مع السّلطان (حلقة 5

إنتظرت (فاتو) طويلا ،ثم همّت بالذّهاب ،لكنها سمعت صهيلا يأتي من بعيد ،فاتّبعت مصدر الصّوت ،وإذا بها تجد فرس الأمير، أمّا هو فلا أثر له ،فمسحت على رأسه ،وسألته: أين سيّدك ،هل تعرف مكانه ؟ نظر إليها بتعجّب ،فكيف تفهم لغة الدّواب ؟ ولم يعلم أن البقرة الصّفراء هي التي علمتها ذلك، ثمّ مشى ،وتبعته (فاتو) حتى وصلا لمغارة في الجبل ،ولمّا إقتربت رأت رجالا يبدو عليهم القسوة ،وهم يدفعون عددا من الفتيان ،وكان الأمير جالسا على الأرض مربوط القدمين ،وهو جريح،فأيقنت أنّه وقع في يد النّخاسين تجّار العبيد ،لكن ماذا ستفعل بمفردها ؟ فعددهم كبير ،وهم مسلّحون بالسّيوف ،فكّرت قليلا، ثم ركبت الفرس، وقالت له: إذهب بنا بسرعة لخيام السّلطان ،هيّا أسرع فليس لنا وقت !!!
وبعد قليل وصلت لطرف المعسكر ،فرأت الهرج والمرج ،وعرفت أنّهم إفتقدوا الأمير ،وهم يبحثون عنه ،لمّا رآها الحرس تصايحوا : إنّه فرس الأمير إقبضوا على تلك البنت !!! فأمسك بها أحدهم ،و جرّها من شعرها إلى السّلطان ،وهي تصرخ ،فلما رآها طلب منه أن يتركها ،وقال لها :إن اخبرتني  بمكان الأمير أطلقت سبيلك ،هيا تكلمي !!! فقصّت عليه كلّ ما جرى ،وكيف ترك لها القلادة ،وجاءته في الصباح باناء اللبن ،والفرس الذي قادها للمغارة .أجابها : لنر إن كان كلّ ذلك صحيحا ،والويل لك إن كنت تكذبين !!! امّا الآن فستبقين هنا حتى عودتنا ،قالت :له أرجوك خذني معك ،فأنا أعرف كيف أحتال على أولئك النخّاسين،ولن تقدروا على إنقاذه بالقوّة ،ففكّر ،وقال في نفسه : لا بأس فهي جميلة ،ولن يحذروا منها .
أخفت (فاتو) خنجرا في كمّ ثوبها ،ثم قادت قطيعها قرب المغارة ،وحين رآها النخّاسون، قبضوا عليها مع ماشيتها ،وهم يهلّلون من الفرح ،فلقد كانت غنيمة كبيرة ،وأوثقوها برباط خفيف، لكي لا يجرحوا معصميها ،وقال كبيرهم: سأبيع الفتاة بثمن كبير، فهي فائقة الجمال ،أمّا الماشية ستكون طعامنا ،ثمّ ذبحوا خمسة خرفان ،وطبخوها ،وتحلّقوا للأكل والشّرب ،بعد ذلك تمدّدوا للرّاحة بعد أن ثقلت بطونهم . وحين رأت (فاتو) أنّ الحركة قد هدأت، وعلا شخير النّخاسين ،أخرجت خنجرها بحذر ،وقطعت وثاقها ،ثمّ وثاق الفتيان، والبنات ،ولماّ رآها الأمير إندهش ،فماذا تفعل هنا ؟ ولكنّها أشارت عليه بالصّمت، ثمّ همست : هيّا إجروا بسرعة ناحية الأشجار !!! وفي هذه اللحظة إنتبه النّخاسون أنّ الأسرى يهربون، فركبوا الخيل ،ولاحقوهم ،ولمّا كادوا يصلون لهم ، ظهر السّلطان ورجاله، فهربوا في البرّية ،ونجا الأمير .وفي طريق العودة أركب ( فاتو) معه على فرسه ،وكان السّلطان يرمق إبنه وهو سعيد مع الفتاة ،فابتسم ،وقال: في نفسه : حسنا،إنّها تليق به ،فهي رائعة الجمال ،ولا تنقصها الشّجاعة ،والتّدبير .
وحين وصلوا إلى الخيام ،ضمّدت ( فاتو) جرح الأمير ببعض الأعشاب ،ثم قالت له: عليّ الرجوع الآن ،فلقد تأخرت كثيرا ،وسيكون حسابي عسيرا على فقدان الخرفان الخمسة !!! كان السّلطان يستمع إليها ،وقال :إجلبي لنا لبنا فملأت له ،ولإبنه قدحين، فشربا ،ثم خاطبها : لقد سألت نفسك في الصّباح إن كان إبني يقبل بك زوجة له ؟ وقد أتاك الجواب،والآن هيا إلى داركم، لأطلبك من وليّ أمرك ،وأعوّضه عن خرفانه الخمسة ،بخمسين خروفا ،عن كلّ واحد عشرة إكراما لك .في هذه الأثناء كان والد ( فاتو) قلق عليها ،فلقد حلّ المساء ولم ترجع ،واختفت هي والقطيع ،وبدأت (عيشو ) تبكي على أختها، فربّما هاجمتها الذّئاب، والضباع، أما امرأة الأب ،فظهرت عليها الغبطة ،وقالت :في نفسها : ليتها لا ترجع ،فأرتاح منها إلى الأبد ،كما إرتحت من أمّها وكلّ ما عند الرّاعي من رزق، يصبح من نصيبي أنا وإبنتي لا غير …

يتبع الحلقة 6 الأخيرة

حكايا زمان / طارق السامرائي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق