مكتبة الأدب العربي و العالمي
الخف الذهبي_«بابالوغا» الجزء الثاني
وحين عادت في المساء بذلك القنب وقد غزلته ولفته ظنت زوجة أبيها أن بعض الفتيات، صديقاتها، يساعدنها. فأعطتها في اليوم الثالث ما يزيد كثيراً على ما سبق لها أن أعطتها إياه. وحين مضت الفتاة البقرة إلى المرعى، أرسلت المرأة ابنتها خلفها لترى من يساعدها. فمضت هذه الفتاة بهدوء خلف ابنة زوج أمها كي لا تحس بها، ورأت البقرة تمضغ القنب والفتاة تسحب الخيط من أذنها وتلفه، فأسرعت إلى البيت وأخبرت أمها بما رأته.
وعندئذ ألحت الخالة على زوجها أن يقتل البقرة. فعارضها في البداية، لكنه، وقد رأى أنها لن تدعه في سلام، وافق في النهاية أن يفعل ما أرادت، وحدد اليوم الذي سيقتل فيه البقرة.
وما إن سمعت ابنته بذلك حتى طفقت تبكي، وحين سألتها البقرة عن سبب بكائها أخبرتها بالأمر كله. لكن البقرة قالت: «اهدئي! البكاء! وعندما يقتلونني احرصي فقط ألا تأكلي من لحمي البتة، وتأكدي من أن تجمعي عظامي كلها وتدفنيها خلف البيت، وكلما احتجت شيئاً تعالي إلى قبري وسوف تجدين عوناً».
وهكذا، حين قتلوا البقرة رفضت الفتاة أن تأكل من
اللحم، وقالت إنها ليست جائعة، ثم جمعت العظام كلها بعناية ودفنتها خلف الدار، في البقعة التي أشارت إليها البقرة.
كان اسم هذه الفتاة الحقيقي ماري، لكن عملها الكثير،
في حمل الماء والطبخ وغسل الأطباق وكنس البيت والقيام بكل ضروب العمل المنزلي، وارتباطها الوثيق بالنار والرماد، كل ذلك دفع زوجة أبيها وابنتها لأن تدعوانها «سندريلا» (بابالوغا).
وفي يوم من الأيام استعدت زوجة الأب للذهاب مع ابنتها إلى الكنيسة، لكنها قبل أن تخرج نثرت في أرجاء البيت سلة من الذرة، وقالت لابنة زوجها: «سندريلا! إن لم تجمعي كل هذه الذرة وتعدي الغداء قبل عودتنا، قتلتك!».
وحين مضتا إلى الكنيسة راحت الفتاة تبكي، وقالت لنفسها:
«من السهل أن أعد الغداء. سوف أعده في الحال؛ ولكن من الذي يستطيع أن يجمع كل هذا القدر من الذرة! »
وتذكرت في تلك اللحظة ما قالته البقرة، إذا ما احتاجت شيئاً أن تذهب إلى قبرها وسوف تجد هنالك عوناً، فأسرعت إلى تلك البقعة، وما الذي تحسبون أنها رأته هناك؟ كان على القبر صندوق كبير ممتلئ بشتى أنواع الملابس الثمينة، وفوق الصندوق جلست حمامتان
بيضاوان، قالتا: «ماري، أخرجي من هذا الصندوق ما تفضلينه من الثياب وارتديها، ثم امض إلى الكنيسة؛ وفي هذه الأثناء سوف نلتقط حبات الذرة ونرتب كل شيء».
سرت الفتاة كثيراً، وأخذت أولى الثياب التي وقعت عليها يدها، وكانت من الحرير جميعاً، فارتدتها ومضت إلى الكنيسة. وهناك تعجب الجميع، رجالاً ونساء، لجمالها وروعة ملابسها، لكن أحداً لم يعلم من تكون أو من أين أتت.
وراح ابن الملك، الذي تصادف وجوده هناك، يرنو إليها طوال الوقت مفتوناً بها. وقبل نهاية الصلاة نهضت سندريلا وخرجت من الكنيسة بهدوء، ثم أسرعت عائدةً إلى البيت.
وما إن وصلت حتى خلعت ثيابها الجميلة وأعادتها ثانية إلى الصندوق، الذي لم يلبث أن انغلق واختفى.
عندئذ هرعت عائدة إلى الموقد فوجدت الغداء جاهزاً تماماً، والذرة كلها قد جمعت، وكل شيء في أحسن ترتيب. وسرعان ما عادت زوجة الأب وابنتها من الكنيسة، ودهشتا كثيراً إذ وجدتا أن الذرة قد جمعت والأشياء كلها قد رتبت في أحسن ترتيب. وتعجبتا كثيراً كيف جرى ذلك كله.
وفي الأحد الثالث ارتدت زوجة الأب ملابسها لتخرج مع
ابنتها إلى الكنيسة، ومن جديد بعثرت الذرة على الأرض، ولكن بكمية أكبر بكثير من المرتين السابقتين. وقبل أن تخرج قالت لابنة زوجها: «إن لم تجمعي كل هذه الذرة، وتعدي الغداء، وترتبي كل شيء قبل أن أعود من الكنيسة، قتلتك!».
وما إن ذهبنا حتى هرعت الفتاة إلى قبر أمها، ووجدت الصندوق مفتوحاً والحمامتين جاثمتين على الغطاء. فقالت لها الحمامتان أن تلبس وتذهب إلى الكنيسة، ولا تهتم لأمر الذرة أو الغداء.
وفي هذه المرة انتقت الفتاة من الصندوق ملابس من الذهب
حكايات العالم الاخر