مكتبة الأدب العربي و العالمي

حكاية التاجر الذي ورثة ابنة حيا

يحكى عن تاجر في البصرة إسمه بهاء الدين كان ذلك الرجل بارعا في البيع والشراء وكل ما وقعت في يده بضاعة إلا وربح فيها و عرفه الناس فكانوا يقصدونه لأمانته وكرم أخلاقه. ولقد أعطاه الله من خيره إلى درجة أن تجار السوق ضاقوا ذرعا منه وقالوا فيما بينهم إنه يسد باب الرزق علينا . فدبروا له مکيدة له عند شهبندر التجار وإتهموه بالتحيل والسړقة ودفعوا مالا ليشهد عليه بعضهم زورا . ولما سمع الشهبندر بكثرة ماله أصبح يأتي إليه ويحقق معه في كل كبيرة وصغيرة .
فلم يعد التاجر يطيق حسد التجار في السوق ومعاملة كبيرهم له فباع كل ما يملك بنصف ثمنه وأخذ زوجته وابنه وغادروا متوكلين على الله يدخلون من بلاد ويخرجون من بلاد حتى إنتهى بهم المطاف إلى مدينة كبيرة وافرة الخيرات أعجبت التاجر واشترى منزلا سكنه صحبة زوجته وابنه. ثم فتح دكانا وكان الحظ معه وربح كثيرا من المال فاشترى دكانا ثانيا وثالثا وحقق نجاحا باهرا حتى أصبحت تجارته تسير في قوافل إلى بلاد الزنج وفي السفن حتى الاسكندرية وبقية مدن البحر فازداد ثراؤه حتى لم يعد يعرف كم يوجد في خزائنه من الذهب والفضة .
لكن الغريب في تلك البلاد يظل غريبا فمن لا نسب له في تلك البلاد لا يدخلونه بيوتهم و نادرا ما يزوجونه بناتهم ولهم عادات كثيرة يحافظون عليها وذلك سبب إبتعادهم عن الغرباء الذين يختلفون عنهم في ثقافتهم وآدابهم . ماټت زوجة التاجر فظل على العهد معها ولم يتزوج ثانية وعاش مع ابنه ولأن الناس لا يعرفونه فإنه لن يجد من يعطيه القيمة التي يستحقهاو يريد أن ينظر الناس لنسبه وليس لذهبه .
ظل التاجر صحبة ابنه حتى كبر وأصبح شابا من أبناء الوجهاء وأتاه يوما وقال له من عادة أهل هذه المدينة الزواج مبكرا وكل رفاقي لهم زوجات جميلات وعندما نخرج للفسحة معهم أحس بالحزن والوحدة رد التاجر ابنة من ستكون زوجتك من يعرف قيمتنا في هذه البلاد لو كنا في بلادنا لكنت اخترت لك أحسنهن وأعرقهن أصلا أما هنا فمن سيزوجنا ابنته تعرف جيدا أنهم لا يحبون الغرباء !!!
قال الإبن لا تنسى أني نشأت هنا ودرست فيمساجدهم وتأدبت بآدابهم حتى صرت واحدا منهم ولي صديق ذو نسب له أخت أرغب في الزواج منها وهم لن يمانعوا في ذلك .سأله بهاء الدين من أبوها رد الإبن الحاج عبد الرحمان وهو شيخ جليل من الأعيان قال التاجر أسمع كثيرا عنه لكن هل يعرف أصلنا ونسبنا ليزوجك ابنته صمت كلاهما لكن الولد انقطع عن الأكل والشرب وكانت حالته تسوء يوما بعد يوم فخشي الأب على صحة إبنه بسبب حبه الشديد للفتاة فذهب ليخطبها من أبيها…

التاجر من أبوها رد الإبن الحاج عبد الرحمان وهو شيخ جليل من الأعيان قال التاجر أنا أسمع عنه لكن هل يعرف أصلنا ونسبنا ليزوجك ابنته صمت كلاهما لكن الولد انقطع عن الأكل والشرب وكانت حالته تسوء يوما بعد يوم فخشي الأب على صحة إبنه بسبب حبه الشديد للفتاة فذهب ليخطبها من أبيها.
فسأله أب الفتاة ما نسبك أجاب التاجر أنا بهاء الدين من أعيان البصرة وعائلتي ذات علم وأدب قال له هل تعرف الشعر أجاب التاجر نعم !!! قال له أنشدني شيئا منه!!! فأنشده أشعارا لطرفة بن العبد والبحترى وأبو تمام وأعجب الرجل بأدبه وإنبسط منه ثم سأله ما هي حرفتك أجابه أنا تاجر ولي من الدكاكين ما هو في الزقاق الفلاني والفلانيأدرك أبو الفتاة أن التاجر بهاء الدين أكثر منه مالا وعقارات رغم أنه غريب لم يمر على وجوده بينهم إلا بضعة سنوات واحترمه على عزمه وحسن تدبيره .
ثم قال له سأسألك الآن عن إبنك كيف يكسب عيشه إستغرب التاجر بهاء الدين وقال إنه ابني ووريثي. أجاب عبد الرحمان لا يكفي أن يكون ابنك فكما يقول المثل تنتهي أموال الأجداد ولا تبقى إلا صناعة الأيادي ألم يتعلم صنعة الحدادة مثلا أو الحياكة رد التاجر لا لم أعلمه أي صنعة لأنه وريثي بعد مماتيقال عبد الرحمان مستدركا لكنه قد لا يحسن التصرف في رزقك ويفنى ماله فأضطر أنا لرعايته هو وزوجته وأبناءه .

أحس التاجر بالانزعاج من كلام الرجل وقال لا يعقل أن نتنبأ بالإفلاس والهموم والمصائب إن فكر الجميع بهذه الكيفية فلن يتزوج أحد بعد الآن وسيبقي كل شخص ابنته في بيته هذا لا يعقل نظر إليه عبد الرحمان وقال تعلمت أن لا أثق في الدهر .لأزوجه ابنتي يجب عليك أن تهب له كل رزقك هذا شرطي وأنت حر في إختيارك !!!

تعجب التاجر من هذا الشرط وتساءل كل رزقي لماذا ولكني كنت سأفعل من أجله ما يفعل جميع الآباء أوفر له رأس مال وأفتح له دكانا وابتاع له منزلا وأؤثثه له ولزوجته لكن الشيخ عبد الرحمان أصر على رأيه وقال لا !!! عليك أن تعطيه كل ما تملك . لتعلم أن إبنتي عاشت في عز ودلال في بيتي لا أريد أن ينقصها شيئ عندما تتزوج من إبنكهل تفهم هذا يا سيد بهاء الدين
فكر التاجر قليلا ثم قال لن أخسر شيئا إن كانت أرزاقي عندي أو عند ابني فهذا لن يغير شيئا إني سأترك له كل أملاكي بعد مۏتي في كل الأحوال لن أخذل آبني .وكتب له كل أرزاقه وأسكنه في بيته ولم يبقي لنفسه شيئا. وكما يقول المثل من يهب رزقه في حياته لن يغيثه أحد
ولأن العروس كانت بنت كبار

الناس وبين قومها بينما كان زوجها غريبا فإنها تكبرت عليه ظنا منها أنها أحسن نسبا منه كانت تتحكم في كل تصرفاته وهو لا يعارضها في شيء لأنه يعشقها ويهواها أما حموها فقد كانت تستخف به وتقلل من شأنه وسرعان ما بدأت تضجر منه وتتضايق فبعد أن كانت تجمعهما نفس المائدة أصبحت تعايره بعدم إتقانه لآداب الطعام وقالت أنه يسد عليها شهية الأكل فوضعوه وحيدا وكل مرة ينقلونه من غرفة إلى أخرىوهو صابر على ذلك .
وفي النهاية لم يعودوا يطيقون رؤيته فرموه في الإسطبل. مع البغال والحمير وصار الخدم ينقلون طعام الشيخ إلى ذلك المكان
وكان الشيخ لا يفعل شيئا سوى قضاء كامل اليوم حذو حصانه وكان الإبن يبالغ في دلاله ويعطيه أحسن أنواع الشعير وشيئا من الخضار الجزر والخيار والفجل ويغطيه بلحاف جديد . وقال بهاء الدين في نفسه لقد أصبح حال الدواب أحسن مني وكان التاجر كلما إشتهى خضارا أخذ من آنية الحصان وأكله .وعندما يبرد في الليل يسحب عنه لحافه الدافئ ويتدثر به وكان دائما يدعو لإبنه بالهداية .
حملت زوجة الإبن وأنجبت له ولدا كبرالغلام حتى بلغ عشر سنوات . وكانت الزوجة تزداد كرها لحموها حتى ما عادت تحتمل رؤيته رغم أنه صار خارج البيت فما عادت ترغب في وجوده حتى في الاسطبل. إذ كانت تخجل عند زيارة الناس للبيت ومشاهدتهم لذلك الشيخ القذر مع البهائم ولا تعرف ما تجيبهم عندما يسائلونها من هو ذلك المتشرد ولماذا لا تحسنين إليه لوجه الله

حتى أتت زوجها يوما قائلة ما عدت أرغب في وجود أبيك في المنزل سألها ما العمل إذا إنه أبي أجابته لا يهمني اطرده من هنا وإلا أخذت إبني وغادرت المنزل !!! قال لها لا تقلقي سأتصرف معه .ولأنه كان طيعا خاضعا ذليلا لها قصد أباه قائلا أنا آسف يا أبي لن تبقى في هذا المنزل بعد الآن إندهش الشيخ وسأل لماذا ألم يكفك ما آل إليه حالي بكى وترجاه أن يرحم شيخوخته على الأقل هنا يعيش بكرامته ولا يضطر إلى طلب الإحسان من الناس .

لكن الإبن رد عليه أخرج حالا ولا تجبرني أن آمر العبيد برميك في الشارع !! قال الشيخ مستعطفا بربك كيف سأحيا وأنا غريب هنا نظر الإبن إلى السماء وقال الله من سيرعاك على الأرض آلاف مثلك أحياء لست وحدك في هذا الظرف!! رد الشيخ كما تشاء لكن أعطيني بعض المال أتدبر به شأني !!!قال الإبن لا أستطيع يا أبي فالأمر والنهي بيد زوجتي وهي تسألني عن كل درهم أنفقه !!!
نظر الشيخ إلى إبنه وقال له ليتك سمعتني عندما قلت لك لا تتزوج إلا ممن يعرف قيمتنا لقد إفترقنا ونحن أحياء ودخل بيننا الغريب
فلم نعد نعرف من نحن. وساء أمرنا لنا الرزق الوفير لكننا محرومون منه بسبب سوء تدبيرنا تذكر فضلي عليك ولا تتركني في الشارع ضعني في المزرعة فهي بعيدة من هنا فلي كوخ كنت أخزن فيه الحبوب سأبيت فيه لن تراني لا أنت ولا زوجتك ولن أحتاج نفقتك فسآكل من الأرض وأشرب من الغدران أريد فقط لحافا أتغطى به أجاب الإبن سآخذك إلى المزرعة فزوجتي لا تذهب إلى هناك . لكن لا أقدر أن أعطيك لحافا فأنا أخشى أن تسألني تلك المرأة ماذا سأفعل به !!
أجاب الشيخ قل لها سأتصدق به أجابه ستطلب مني أن تفعل ذلك بنفسها لتنال أجرا من الله رد الشيخ لقد أغلقت عليك باب الدنيا والآخرة لقد كتب علينا أن نعيش ذليلين لو بقيت في البصرة لكان ذلك أهون ولما وصلت إلى هذا الحال قال الإبن لا فائدة في اللوم لقد إشتريت لحافا جديدا للحصان وسأحضر لك القديم هذا كل ما يمكنني فعله لك …
نادى الرجل ابنه الصغير وأمره بالذهاب إلى الإسطبل وجلب لحاف الحصان القديم لجده. دخل الولد إلى الإسطبل وحمل اللحاف ثم أخذ سکينا وقطعه إلى نصفين وسلم جده النصف وإحتفظ بالثاني . تعجب جده و سأله لماذا قطعتها أجاب الحفيد قطعتها وانتهى الأمر !!! سأل الشيخ عجبا ألم يأمرك أبوك بأن تسلمها لي كاملة رد الحفيد لا لن أسلمك سوى نصفها !!! هز الشيخ رأسه وقال هذا الولد أكثر شؤما من أبيه !!! ثم ذهب إلى ابنه وقال وهبتني اللحاف لكن الولد قطع نصفه فقال إبن الشيخ عجبا لماذا فعل هذا اللئيم ذلك

ثم إقترب من الولد وسأله ويحك !!! لماذا قطعت لحاف جدك وما أنت فاعل بنصفها الثاني هيا أخبرني بسرعة أجابه الولد سأحتفظ به لك يا أبي .تعجب إبن التاجر وقال: أنا كيف ذلك قال الولد نعم حين تصبح مثل جدي سأطردك!!! وأمنحك نصف اللحاف لكي تنام وفي أنفك رائحة البهائم !!! صاح إبن التاجر ماذا تطردني هذا ما تفكر فيه قال الولد سأعمل لك ما عملته لجدي هذا هو العدل يا أبي أليس كذلك

وقف إبن التاجر مندهشا وأحس كأن غشاوة زالت عن عينيه ثم جثى على ركبتيه باكيا و قبل رجل أبيه وقال لقد أسأت في حقك إغفر لي !!! اللعڼة على النساء ومن يأخذ بتدبيرهن ثم دخل المنزل واختار أحسن غرفة وقال هذه الغرفة لأبي ومن لم يعجبه ذلك فليغادر المنزل !!
إستحم الشيخ بهاء الدين وحلق شعره وتعطر ولبس ثيابا جديدة فإنتعشت روحه وقال له إبنه سأزوجك اليوم من أحد جواري بيتي وسأفتح لك دكانا أملئه لك بالبضائع وستعود سيدا كما كنت فأنا أعرف قيمتك ونسبك ولن أترك أحدا
يفرق بيننا مرة أخرى .
في المساء دخلت زوجة الإبن فوجدت الشيخ متصدرا مع عروس جميلة من جواريها فأنكرت ذلك وصاحت ماذا يفعل هذا الغريب في بيتي هيا أخرجوه من هنا . فلم يتحرك أحد لا العبيد ولا زوجها قالت حسنا سأرجع إلى دار أبي قال إبن التاجر سأرمي بملابسك في الشارع ولن ترجعي إلى هنا !!! وسأتزوج اليوم من أحد الجواري وسيبقى إبني معي فهو ليس منكم جزعت المرأة لما رأت الولد يجلس في حضڼ جده فڠضبت وإقتربت من الباب لكي تخرج لكنها توقفت ثم رجعت وقالت لزوجها الآن عرفت قيمتكم فمن لا يحسن إلى أبيه وأمه لا خير فيه …

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق