مكتبة الأدب العربي و العالمي
حكاية #حليمة_المسلمانيّة الفرسان الخمسة (الحلقة 1 )
في قديم الزّمان عاشت فتاة إسمها حليمة وكانت حاذقة ليس في البنات مثلها تتقن الطريزة والخياطة وليس هنالك شيئ لا تعرف عمله، لكن الحياة قسمة ونصيب فلم تكن جميلة مثل أخواتها ،وماذا ستفعل في هذا الحظ ؟ ومثلما قال ناس زمان : سبعة صنايع ،والبخت ضائع!!! فلقد تزوجت من سي مختار، وهو رجل حادّ الطباع يفوقها بعشرين سنة، وكان يضربها حتى على الكحّة والعطسة ،ويعايرها بقبحها ،وأنّه لم يتزوّجها إلا لتخدمه .وكانت هي صابرة على حالها ،تدعو له بالهداية ،ولا تفصح بشيئ لأمّها أو جاراتها ،فمهما كان ذلك الرّجل، فهو سيّد بيتها ،وينفق عليها ،وتعودت أن تغطّي نفسها عندما تذهب عند أحد ، حتى لا يرى آاثار الضّرب على جسمها النّحيل ،وتمنّت لو كنت جميلة مثل إخواتها ،وكانت تحسدهنّ على سعادتهنّ مع أزواجهن ّ.
وذات يوم خرجت لتملأ الماء من البئر ،ولمّا سحبت الدّلو ،مرّ بها خمسة فرسان قد علاهم الغبار من طول السفر ،فطلبوا منها شربة ،فصبّت الماء في القلّة، وشربوا واغتسلوا ،ثم شكروها على معروفها ،وقالوا لها : نحن من حرس السّلطان ،سمعنا أنّ هناك طبيبا في هذه القرية يداوي كلّ الأمراض!!! سألتهم : وهل مولاي السلطان مريض ؟ أجابها واحد منهم :لا ،ولكن إبنته الصّغيرة أكلت سمكا ،فوقعت شوكة في حلقها ،ولم يقدر أحد على إخراجها . فكّرت حليمة قليلا ،فلا يوجد هنا أطبّاء ،ولا حتى مشعوذون ،ثمّ خاطبت نفسها :هذه فرصتي لأنتقم من ذلك اللعين زوجي ،وقالت لهم :أعرف طبيبا بارعا يداه تجمّدان الماء ،لكنّه لن يذهب معكم إلا إذا ضربتموه ضربا مبرّحا ،ثمّ دلتهم على مكانه .
ولمّا إقتربوا رأوه جالسا في أرضه ،يعالج قدم أحد الخرفان ،فتأكّدوا أنّ المراة قالت الحقيقة، وأنّه الطبيب الذي يبحثون ،فسلّموا عليه ،وقصّوا عليه سبب مجيئهم إليه ،فتعجّب مختار، وقال لهم أنّه لا يفهم شيئا في الطبّ،وطلب منهم أن يتركوه وشأنه ،فنزلوا من جيادهم ،وعلّقوه في شجرة زيتون ،وقطع كلّ واحد غصنا ،وانهالوا عليه ضربا ، وكانت حليمة واقفة تتفرّج على زوجها سي مختار ،وهو يولول كالنّساء ،فقالت في نفسها :ستذوق الآن طعم عصا الزّيتون التي كنت تضربني بها ،وتعرف ما كنت أعانيه أيّها اللئيم !!! صاح الرجل : حسنا ،سأذهب معكم ،وأعالج الأميرة لكن بالله توقّفوا عن الضّرب، فلقد سلختم جلدي !!! ثمّ أركبوه على حصان ،وساروا به إلى القصر ،وهو يتأوّه. ولمّا وصل حملوه أمام السّلطان ،فخاف مختار ،وقال له :يا مولاي ،لقد قلت لرجالك أنّهم مخطؤون فلست طبيبا ،ولن أفيد الأميرة بشيئ ،قال الفرسان للسّلطان: هذا الطبيب كالبغل لا يتحرّك إلا بالعصا ،فأمر السّلطان بالفلقة، وقيّدوا ساقيه ،وضربوه ،حتى قال الشّفاعة يا رسول الله !!! فجرّوه إلى غرفة الأميرة ،وأعطوه صندوق الأدوية ،فلمّا دخل ،رأته الأميرة ،وهو يقفز مثل الضّفدعة من شدّة الوجع ،ويقول: آه .. يا حليلي على كراعيّ !!! إنفجرت بالضّحك ،فخرجت الشّوكة من حلقها، ونهضت من فراشها، وبدأت الزّغاريد تتردد في القصر .
سمع السّلطان فجاء يجري ،فقبّل إبنته، ودموعه تجري من شدّة الفرح ،ثمّ إلتفت للطبيب ،وقال له: لا أعرف كيف أجازيك، أطلب ما تريده !!! لكن مختار أجابه : لا أريد يا مولاي سوى عربة ترجعني إلى دارى ،قال السّلطان سيكون لك ما تشتهيه ،وسأحمّلها بالهدايا والتّحف ،لكن في إنتظار ذلك أنت ضيفي لمدّة سبعة أيّام .سمع المرضى في البلاد بالطّبيب البارع، فجائوا ،وتجمّعوا أمام القصر ،وكان فيهم الأعمى والأجرب واالمشلول ،وطلبوا من السّلطان أن يرسله لهم ليداويهم ،فأتى إليه في غرفة الضّيوف، وقال له : المرضى ينتظرون أمام بابي ،وأريدك أن تفعل ما بوسعك لعلاجهم !!! وسأكافئك على ذلك ،لم يكن مختار يجرأ على رفض طلب السّلطان فهو يعرف أنّ الفلقة في إنتظاره ،ويكفيه ما ناله من ضرب في ذلك اليوم ،فقال له :أمر مولاي …
…
يتبع الحلقة 2
من قصص العالم الاخر “واقعية “