يحكى عن تاجر له دكان في سوق الحلفاوين كبر في السن ،وضعف بصره ،ولم يعد قادرا لا عن البيع ولا الشراء حتى الخروج أصبح صعبا عليه ، أحد الأيام نادى ولده وإسمه علي ،وقال له :يا بني كما ترى لقد تقدم بي العمر ،وحان الوقت لتمسك الدكان ،فلقد علمتك التجارة ،وأريتك من أين تشتري البضاعة ،وهذا المفتاح وتوكل على الله ،و وأوصاه بالأمانة ،وعمل الخير مع الناس، ف الخير ،وقال له إن إحتحت إلى شي فاذهب إلى دكان مختار بائع التوابل فهو صديقي ،ولن يبخل عليك بالنصيحة أجاب علي :حاضر يا أبي أما أنت فاسترح في فراشك فالطقس اليوم شديد البرودة ،وسآتيك بقرطاس فيه بسباس ونعناع لتشربها ،فشكره أبوه ،ودعا له بالخير .فتح علي الدكان وبدأ يبيع ويشتري ،وبسرعة أحبّه الناس لشطارته ،وابتهج أبوه وأمه بإبنهما الذي صار يساعدهما في نفقات الدّار، ويعود كل يوم بقفة من السّوق فيها اللحم والخضار .
أحد الأيام خرج عليّ لدكّانه وفي الطريق صادفته جنازة ،فحمل النّعش مع الناس على كتفه ،ووقفوا أمام جامع الزيتونة ،وعزّى معهم وقبل أن يدخلوا الميّت للصّلاة عليه ،سمع صياحا ،ولمّا إلتفت أرى رجلا واقفا أمام الباب وهو يقول :لقد أقرضت هذا الفتى الميت مائة دينار ،والله لن يتحرك هذا النعش من مكانه حتى آخذ مالي !!! فقامت الضّجة بين الحاضرين، وإختلفوا فيما بينهم ،واستغفر أحدهم الله ،وصاح : هذا لا يجوز،وقال: آخر لم يعد هناك خير في الدنيا ،ووقف شيخ فقال :النبي كان لا يصلّي على من يموت، ويترك دينا ،واشتدّ الهرج ،وكلّ واحد يقول رأيه ،بقي عليّ يتفرج مبهوتا ،ثمّ قال في نفسه :أبي أوصاني بفعل الخير ،ولن أجد فرصة أفضل من هذه ،فجاء إلى الرّجل ،وقال له: تعال معي للدكان ،وسأعطيك مالك حتى آخر مليم ،ثم رجع عليّ إلى الجامع، وحمل الميت مع أهله، ودفنوه ،وأثنى الناس على معروفه ،قالوا له يرحمك الله كما رحمت ذلك الفتى في قبره ،عاد عليّ ،واشتغل في دكّانه ،ولمّا عاد حكى لأبيه ما حصل له فضمّه إلى صدره وقال له : بارك الله فيك !!! وحسنا فعلت يا إبني ،
في الغد إستيقظ الفتى مبكرا ،وذهب إلى عمله ،فرأى في الطريق فتى متكئا على حائط ،وهو يرتعش من الجوع والبرد ،فحمله إلى الحمّام ،وأتى له بجبة وبرنس من ثياب أبيه ،ثم قال له : تعال واسترح عندي في الدّكان ،ولما حان موعد الغداء ،أخرج عليّ صحفة الكسكسي التي أعدتها أمّه وسخّنها على الكانون ثو وضهع زيتونا وفلفل مملح ،وقال للفتى بسم الله ،لم يأكل عليّ إلا قليلا ،وترك الطعام لضيفه الذي كان جائعا، ولم يذق الزاد منذ أيام ،فأكل حتى شبع ،وأخذ رشفة من كوب الشّاي ،فرجعت إليه نفسه ،وشكر عليّ على معروفه ،وقال إسمي صالح، من اليوم لك أخ يفرح لفرحك ،ويحزن لحزنك . ولمّا رجع إلى الدّار قال لأبيه: معي ضيف، وسيبيت معي الليلة !!! قال الشيخ : مرحبا به، وأمر زوجته أمّ عليّ أن تضع فراشا ثانيا ،ثم أشعل الكانون ووضع البراد ،وبدأوا يتسامرون ،وحكى صالح قصّته وأنه فقير طردته زوجة أبيه في ذلك الشتاء، ولولا علي لمات من البرد والجوع .
حين طلع الصّباح قال علي لصالح تعال إشتغل معي ،وسأعطيك أجرا ،وأعدّت الأم صحفتين من الطعام ،واحدة لكل منهما ،صار الولدان يذهبان للدكان معا ،ويأكلان معا ،وفي المساء يرجعان إلى الدار ،وتعوّد الشيخ وامرأته على صالح، وإعتبراه إبنهما ،وإذا أعطيا عليّ شيئا كان لصالح مثله ،وإذا ذهبا لمكان إصطحبوه معهما . مضى زمن ،وعائلة الشيخ تعيش بخير،ولم يكن ينقصها المال .لكن جاءت سنة جدباء، وبدأت التجارة تكسد في السّوق ،وغلت الأسعار ،فقال صالح لصديقه :لم نعد نربح كثيرا من الدكان ،والأمور لا يبدو أنها ستتحسن ،أطلب من أبيك أن يجهزنا للرّحيل ،سنسافر ونكسب رزقنا في بلاد أخرى …
…
قصة_الفتى_علي_والعجوز_صالح
الثلث الاول
يتبع الحلقة 2