مقالات
نسمات / رياض الصالح
.يشغلني عنك أعمال كثيرة .. و التزامات مرهِقَة .. تتفق جميعاً عند مقارنتها بلحظةٍ واحدة من جلساتنا .. أنها من عظيم تفاهتها .. لم تعد تعنيني شيئاً ..
كنت أتساءل و أنت تزورين خيالي بطلعتك التي تضاهي قيام الشمس من مرقدها .. و بسمتك التي تُحَوّل الضجر إلى نوع من السعادة يصعب وصفه .. و عينيك اللتين تشبهان روضاً مزهراً فسيحاً مليئاً بالفراشات ..
ترى .. لماذا أضحك على نفسي بالتفاعل مع انشغالات لا تضاهي حجم الرغبة في محادثتك .. و كيف تسرقنا الحياة بيدها الخفيفة المعتادة على النشل .. و نحن لا نشعر .. و لا ننتبه .. حتى إذا احتجنا بعضاً من جميل ذكرياتنا .. و بديع ضحكاتنا .. لنتصبَّر بها في القادم من المستقبل المجهول .. لا نجد إلا بعض حفناتٍ منها لا تقيم صلباً .. و لا تروي عطشاً .. ثم تتعثر أناملنا و هي تتلمس ما يلزم حينها .. بأفعال و أشغال و ذكريات مهترئة تنبعث منها رائحة العفن البشري الملون بالبغض و الأحقاد و الضغائن ..
لقد سئمت هذه المسرحية .. و بطبيعتي لا أحب المسرحيات التي تستثير الضحك الكاذب .. و تمتليء بالهراء الفارغ .. و الحركات المصطنعة .. و المواقف المؤَلَّفة بدهاءٍ قادر على انتزاع قلوبنا من نبضها الحقيقي و غرس قلوب اصطناعية من نوعٍ زائفٍ يقَدِّرُ المال و الأعمال و الروتين الممل .. و لا يأبه بالجمال الطبيعي الهاديء المنساب .. و الذي يضمن لأرواحنا عيشاً هنيئا ..
نحن البشر يا عزيزتي نتفاضل فيما بيننا بالأساليب .. لسنا كالكائنات الأخرى المتكررة .. فلكلٍّ مِنّا أسلوبه الخاص .. و دمغَتُهُ السلوكية المتفردة .. لا أكذب إن قلت لك أنني أمقت الأساليب البشرية بجميع أشكالها .. ليس لأنها منعدمة الإبداع .. فالإبداع في الأساليب و تنوعاتها المبتكرة هو بؤرة تطور الإنسان و ناصية تقدُّمه .. لكنني أمقت فيها مصدرها و غايتها .. أمقت الحاجة الرعناء التي تدفعنا لمثل هذه الابتكارات الملفتة .. فبالعادة .. نحن لا نتحرك إلا بإحساسات أنانية .. ذاتية .. مرهونة بحب البقاء و مبدأ المنافسة و رغبة التملك .. فكيف تريدينني و أنا المتعمق في كشف الجذور المتسخة أن أتنعم بشكل الثمرة ..
لكن قناعتي تلك تنهار بالكامل .. كلما تعاملت مع أسلوبك الفريد بالحب .. تعجبني الطريقة التي تحبيني بها.. لا أظن أنك ستنتبهين لذلك .. فأسلوبك هذا متميز بالعفوية السلسة .. متشبع بالتناغم المنساب مع مجرى التيار بلا عوائق .. يحملني معه كيفما شاء إلى حيث شاء .. يبهرني بصفائه الشفاف الذي لا ينُمُّ عن حاجة خفية .. و لا مصلحة مستترة .. إنما هو سيلٌ دافقٌ بالأشواق .. فائضٌ بالمشاعر .. زاخرٌ بعميق النظرات ..
لا أعرف أين يضيع الملل و الضجر و أين تغيض الأحزان التي تمطرها غمائم الأيام .. عندما نُجَدِّفُ سوياً و نحن نجلس في قارب لا يتسع لثالث .. أستمتع وقتها بصحبة أسلوبك الهادر بطاقةٍ كونيةٍ تضيء فضاءاتي المظلمة جميعا .. تطلُّ على نافذة أحلامي بلا خجل و لا مواربة .. لتكشف ما يدور خلف ستائرها الغليظة لتوقظ روحاً أدمنت نوم الحياة .. و تُشعِلَ طموحاً أخمَدَهُ الزهدُ بما في أيادي الطماعين من قذاراتٍ لامعة .. و سراباتٍ خادعة ..
أظنك تتفقين معي .. إن ذكرتُ لك .. أن ما يتركه الحب الصادق في القلب .. يفوق بقوته و عنفوانه و طهارته .. مما تُخَلّفُهُ العديدُ من نظريات التحفيز .. و مُشعِلاتُ الطاقة الروحانية .. و أساليب التنمية البشرية .. كلها تتضاءل صاغرةً أمام مصداقية الحب العملاقة .. يظهر ضبابُها المتلبّدُ كلما لامست صفحة بحار العشق التي بلغت شفافيتها حد كشف الأعماق .. لينكشف الضبابُ مهزوماً متبعثرا ..
لعلني .. و أنا الذي قد أنختُ راحلتي .. في كثير من الواحات .. و نصبت خيمتي في كثير من المرابع .. أمتلك القدرة لأثبت لك .. أن تأجج نفسي .. و قوة قلبي .. و شفافية روحي .. و صفاء ذهني .. أدينُ بها لتلك النسمة الزكية .. التي هبّت على صحراء روحي .. في ذات ليلة .. لتؤذن بعدها بسمو جديد يرسم كيانيَ الروحي .. و يقتلع أوتاد ضجري .. و يرمي أسمال اكتئابي .. و يرتحلُ مغتنماً ما وجده من سكون .. و ما أحس به من غِبطة .. ليعبر تلك الصحراء .. و هو يستمتع بحُداءاتٍ يسمعها من صميم وحي الكون .. لتراقص قلبه و تمسح عن جبينه آثار التعب ..
# بقلم
# رياض الصالح