ثقافه وفكر حر
في اليوم العالمي للغة الإنجليزية: هل عمل شكسبير “صبيا” عند جزار؟
صدر الصورة، GETTY IMAGES
في 23 أبريل/ نيسان من كل عام يحتفل العالم باليوم العالمى للغة الإنجليزية، والتى تعد اللغة الأكثر انتشارا في أرجاء المعمورة، ومن اللغات الرسمية الست للأمم المتحدة.
وقد تم اختيار تاريخ وفاة ويليام شكسبير، الأديب الإنجليزى الشهير، والذي يُعد أعظم من كتب بالإنجليزية، للاحتفاء بهذا اليوم وذلك بمبادرة من إدارة شؤون الإعلام فى الأمم المتحدة فى عام 2010، حيث تم تحديد أيام لكل لغة من اللغات الرسمية الست للمنظمة، والتي تضم أيضا اللغة العربية والصينية والفرنسية والروسية والإسبانية (تحتفل اللغة الإسبانية بيومها العالمي في 23 أبريل/نيسان أيضا). ولكن من هو شكسبير الذي تم اختيار تاريخ وفاته للاحتفاء بهذه المناسبة؟
تقول دائرة المعارف البريطانية إن ويليام شكسبير وُلد في 26 أبريل/ نيسان من عام 1564 في ستراتفورد أبون أفون بوارويكشاير في إنجلترا، وتوفي في 23 أبريل/ نيسان من عام 1616 في ستراتفورد أبون أفون، وهو شاعر إنجليزي وكاتب مسرحي، ويعتبره الكثيرون أعظم كاتب مسرحي في كل العصور.
وتمت ترجمة أعماله إلى 80 لغة، وقد ساعد في تكوين اللغة الإنجليزية التي نستخدمها اليوم حيث قدم ما يصل إلى 300 كلمة وعشرات العبارات المعروفة.
ومسرحياته معروفة في جميع أنحاء العالم بمواضيعها العالمية ونظرتها الثاقبة في حالة الإنسان. ومع ذلك، مازال الكثير عن حياته بمثابة لغز، فالمؤرخون لا يعرفون كيف قضى 7 سنوات من حياته.
البدايات
لا يوجد سجل لتاريخ ميلاده، ولكن تم تسجيل تعميده في 26 أبريل/ نيسان من عام 1564، وكان من المعتاد أن يتم التعميد في اليوم الثالث بعد الولادة.
وُلد في عهد الملكة إليزابيث الأولى التي حولت إنجلترا إلى البروتستانتية. وكان والدا شكسبير من الكاثوليك، ويمكن رؤية التوتر بين المُعتقدين في الكثير من أعماله.
وكان والد ويليام، جون شكسبير، عضوا في مجلس مدينة ستراتفورد أبون آفون. وكان ويليام هو الثالث من بين 8 أطفال.
وتفاصيل تعليم شكسبير غير معروفة. ومن المحتمل أنه بدأ تعليمه في سن السادسة أو السابعة.
ومن المحتمل أن يكون ويليام الصغير قد التحق بمدرسة محلية تركز على الكلاسيكيات اليونانية، وتعلم التلاميذ أيضا مسرحيات باللاتينية.
وكان التعليم الديني مهما أيضا، واستند شكسبير إلى هذه المصادر في أعماله المسرحية حيث التلميحات الكلاسيكية والدينية. ولا يوجد سجل عن ذهابه إلى الجامعة.
وقد فقدت مدرسة الملك إدوارد السادس في ستراتفورد أبون آفون سجلات الحضور في زمنه.
وتزوج شكسبير من آن هاثاواي، البالغة من العمر 26 عاما، في عام 1582 عندما كان عمره 18 عاما، وكانت هاثاواي لدى الزواج حاملا بالفعل في شهرها الثالث بطفلهما الأول.
“السنوات الضائعة” والشهرة
كانت معمودية أبنائه الثلاثة هي آخر سجل له لمدة 7 سنوات بين عامي 1585 و1592 والمعروفة بسنواته الضائعة.
ويزعم البعض أنه عمل مدرساً أو “صبياً” عند جزار أو كاتب محام في تلك الفترة.
وفي مرحلة ما، ذهب شكسبير إلى العاصمة البريطانية لندن تاركا عائلته في ستراتفورد حيث أثبت نفسه ككاتب مسرحي وممثل.
وبعد قرن من الزمان، أشار كاتب سيرته الذاتية الأول أنه هرب إلى لندن من عقوبة الصيد غير المشروع للغزلان. ومع ذلك، لم يتم العثور على أي سجلات عن أنشطته في تلك السنوات.
ويظهر السجل المعروف التالي لشكسبير بعد أن كان قد أصبح بالفعل كاتبا مسرحيا في لندن. وكان هذا السجل الذي ظهر في عام 1592 بمثابة مراجعة لأعماله، ولم تكن مراجعة إيجابية.
فقد وصف الكاتب المسرحي روبرت غرين شكسبير بأنه “غراب مغرور”، متهما إياه بأنه تجاوز ما يستحقه مقارنة بالكتاب الحاصلين على تعليم جامعي مثل كريستوفر مارلو وغرين نفسه.
وكانت الدراما في المسرح الإليزابيثي قد باتت تحت رعاية النبلاء حيث كان شكسبير ينتمي إلى رجال اللورد تشامبرلين ويعتقد أنه كتب الأجزاء الثلاثة من هنري السادس وريتشارد الثالث في هذه المرحلة.
ويرجح بعض الأكاديميين أن مسرحياته التاريخية كانت داعمة لمطالبة إليزابيث الأولى بالعرش، وكان يشارك في تمثيل مسرحياته أمام الملكة.
وقد وصفه المؤلف فرانسيس ميريس في عام 1598 بأنه “الأفضل” بين الكتاب الإنجليز في كل من الكوميديا والمأساة، وقد اجتذبت أعماله الاهتمام الملكي.
وفي بدايات القرن السابع عشر قدم شكسبير مسرحيات روميو وجولييت وريتشارد الثاني وحلم ليلة منتصف الصيف.
بات شكسبير مشهورا وثريا بسبب مسرحياته . كما أنه كان أحد المساهمين في الفرقة التي يرعاها اللورد تشامبرلين.
وقد قامت الفرقة ببناء مسرح خاص بها يسمى غلوب، وامتلك شكسبير حصة 12.5 في المئة مما جعله أكثر ثراء، وقد استثمر في العقارات في ستراتفورد ولندن، وتظل سجلات مشترياته قائمة.
في عام 1597، اشترى ثاني أكبر منزل في ستراتفورد لعائلته، بالإضافة إلى 107 فدانا من الأراضي الزراعية ومنزلا ريفيا.
ومن هذا المنطلق يعتبره الكثير من المؤرخين رجل أعمال ناجح وليس فقط كاتبا مسرحيا موهوبا.
وبعد وفاة إليزابيث الأولى، حصلت فرقة شكسبير على رعاية الملك جيمس الأول. وقد اتخذت مسرحية الملك لير، التي ربما يكون قد ألفها في ذلك الوقت، من فكرة الممالك المنقسمة قصة لها تعكس الوضع خلال عهد جيمس الأول (ذو الأصل الاسكتلندي) في إنجلترا واسكتلندا وويلز.
في هذه الأثناء، قدم مسرحية ماكبث، التي كتبها أيضا في وقت مبكر من عهد جيمس، وربما كان يهدف إلى تكريم أسلاف الملك الاسكتلندي.
المسرحيات الأخيرة والوفاة
اتسمت مسرحياته الأخيرة مثل العاصفة وحكاية الشتاء بأنها تنتهي بالمصالحة والتسامح مقارنة بأعماله الدرامية السابقة.
وقد يعكس هذا التغيير في الحالة المزاجية ببساطة الأسلوب المسرحي السائد في ذلك الوقت، ولكنه قد يكون أيضا دليلا على أن شكسبير قد طور رؤية أكثر اعتدالًا للحياة مع تقدمه في العمر.
وفي 23 أبريل/ نيسان من عام 1616 توفي شكسبير، ولا توجد روايات معاصرة عن وفاته.
وبعد 50 عاما، كتب نائب ستراتفورد أبون آفون أن شكسبير مات بسبب الحمى التي أصيب بها بعد “اجتماع مرح” حيث “شرب كثيرا”.
وفي عام 1623 أي بعد 7 سنوات من وفاته، نُشرت مجموعة من كتابات شكسبير. كانت هذه إلى حد بعيد النسخة الأكثر اكتمالا من أعماله.
وقد قام بتجميعها صديقاه جون همنغ وهنري كونديل حيث احتوت على 36 مسرحية، بما في ذلك 18 مسرحية لم تُطبع من قبل. وفي عام 2006، بيعت نسخة من تلك المجموعة الأولى مقابل مبلغ 2.8 مليون جنيه إسترليني.
وفي عام 1642 تم إغلاق مسرحه ثم تدميره بعد ذلك بعامين من قبل البيوريتان الذين كانوا يعتبرون المسرح والاحتفالات وسلية لإلهاء الناس عن دراسة الدين والتقرب للرب. وعندما استحوذ البيوريتان على السلطة خلال فترة جمهورية كرومويل في انجلترا (1649- 1660) كان يتم القبض على أي شخص وهو يؤدي مسرحية ويُحكم عليه بالجلد، كما كان يتم تغريم أي شخص يُقبض عليه وهو يحضر مسرحية.
وفي تلك الفترة لم تكن أعمال شكسبير – ومعاصريه – تُؤدى في الأماكن العامة. ولم يتم تقنين المسرحيات مرة أخرى حتى استعاد تشارلز الثاني العرش، وعاد الحكم الملكي في عام 1660.
رمز قومي
على مدار المئة عام التالية تم عرض مسرحياته حيث نمت شهرته وسمعته في جميع أنحاء البلاد.
وقد اقتبس صامويل جونسون من أعمال شكسبير آلاف المرات في قاموسه الإنجليزي، الذي نُشر عام 1755. وأشار إلى أن شكسبير صاغ أو أدخل آلاف الكلمات والعبارات إلى اللغة الإنجليزية.
وفي عام 1769، تم الاحتفال بشكسبير في المهرجان الذي نظمه الممثل ديفيد جاريك في مسقط رأسه في ستراتفورد أبون آفون. ومنذ ذلك الحين، زار منزله في المنطقة عشرات الكتاب المشهورين والذين نقشوا أسماءهم على الزجاج في الغرفة التي وُلد شكسبير بها. وقد تم استبدال النافذة، لكن الزجاج الأصلي لا يزال معروضا.
وفي كل عام، يواصل آلاف الأشخاص اتباع هذا التقليد وزيارة مسقط رأس شكسبير. لذلك يظل المنزل أحد أكثر مناطق الجذب ازدحاما في ستراتفورد أبون آفون.
وفي القرن التاسع عشر، أصبح شكسبير رمزا مهما للفخر القومي، واستخدم لنشر نفوذ القوة الإمبريالية البريطانية.
وساعدت أعمال شكسبير، التي تم تدريسها في المدارس عبر الإمبراطورية، على إضفاء شعور بالوطنية الثقافية في موضوعات الإمبراطورية. وفي عام 1841 وصفه توماس كارلايل بأنه “ملكية حقيقية وقابلة للتسويق ومفيدة بشكل ملموس”.
وجادل النقاد في فترة ما بعد الاستعمار بأن هذه كانت طريقة حاولت بها الإمبراطورية البريطانية إخضاع ثقافات البلدان التي احتلتها حيث استمر تصدير شكسبير وتكييفه وترجمته في جميع أنحاء العالم. كما تم استخدام عمل شكسبير لنشر الثقافة الإنجليزية في جميع أنحاء الإمبراطورية والعالم.
السينما
مع ظهور السينما، أُعيد اكتشاف مسرحيات شكسبير بطرق جديدة حيث تم صنع أول فيلم لشكسبير عام 1899.
وكان الفيلم عبارة عن تسجيل بسيط لجزء صغير من مسرحية الملك جون.
بعد عقود، جاءت أول روائع أفلام شكسبير، بما في ذلك روائع لورانس أوليفييه مثل هنري الخامس وهاملت وريتشارد الثالث ثم كانت الأفلام اللاحقة مثل روميو وجولييت.
ومع أكثر من 400 فيلم مقتبس من مسرحياته، يعتبر كتاب موسوعة غينيس للأرقام القياسية شكسبير المؤلف الأكثر استخداما في السينما.
في عام 1997 افتتحت الملكة إليزابيث الثانية مسرح شكسبير غلوب الذي تم بناؤه على بعد بعد بضع مئات من مسرح غلوب الأصلي الذي كان شكسبير يشارك في ملكيته على نهر التايمز، والذي كان قد بني في عام 1599.
في عام 2014 ، باع مسرح غلوب 368 ألف تذكرة ،وهو دليل على أن مسرحيات شكسبير لا تزال تجارة كبيرة.
ويعتبر شكسبير اليوم الكاتب المسرحي القومي لإنجلترا حيث تعكس هيبة مسرحياته وطرح الممثلين النجوم ذلك. لكن ربما ذهب شكسبير طي النسيان لو لم يتم تجميع أعماله من قبل اثنين من أصدقائه الممثلين