الدين والشريعة
أَ. د. لطفي مَنْصُور كَلِمَةٌ في الْحَدِيثِ النَّبَوِيِّ الشَّريفِ:
“يُولَدُ الْإنْسانُ عَلَى الْفِطْرَةِ: فَأَبَواهُ يُهَوِّدانِهِ، أَوْ يُنَصِّرانِهِ، أَوْ يُمَجِّسانِهِ”.
هَذا مِنْ كَلامِ النُّبُوَّةِ الَّتِي قالَ فِيها الْخالِقُ جَلَّ وَعَلا :”لا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إنْ هُوَ إلَّا وَحْيٌ يُوحَى”.
ما هِيَ الْفِطْرَةُ؟ الْفِطْرَةُ هِيَ
الطَّبِيعَةُ الْخالِصَةُ الَّتِي تَتَطَوَّرُ عَلَى سَجِيَّتِها، دُونَ تَأْثِيرٍ مِنْ عَوامِلَ خارِجِيَّةٍ. وَهِيَ الْعَقِيدَةُ الَّتِي يَهْتَدِي إلَيْها الْإنْسانُ بِذاتِهِ، لِأَنَّهُ مَطْبُوعٌ عَلَيْها لا تَتَغَيَّرُ وَلا تَتَبَدَّلُ.
فَلْنَتَدَبَّرْ هَذِهِ الْآيَةَ وَنَتَبَصَّرْها:
“فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفَا، فِطْرَتَ الَّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْها، لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ، ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ”.
هَنا رَبُّ الْعالَمِينَ يَتَوَجَّهُ إلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلامُ بِالْأَمْرِ القاطِعِ أَقِمْ وَجْهَكَ، أَيِ اتَّجِهْ نَحْوَ الدِّينِ وَأَنْتَ مُسْتَقيمٌ في عِبادَتِهِ وَطاعَتِهِ، غَيْرَ مُنْحَرِفٍ أَوْ مائِلٍ عَنْهُ، لِأَنَّهُ الدِّينُ الصَّحِييحِ ، لا عِوَجَ فِيهِ. لِأَنَّهُ الطَّبيعَةُ وَالْخَليقَةُ الَّتِي جَبَلَ اللَّهُ النّاسَ عَلَيْها. وَنَصَبَ حَنيفًا عَلَى الْحالِ مِنَ النَّبِيِّ، وَنَصَبَ فِطْرَةَ عَلَى الْمَصْدَرِ، أَيْ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ بِعامِلٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِييرُهُ فَطَر أَيْ خَلَقَ.
ما هُوَ دِينُ الْفِطْرَةِ الَّذِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْهِ حَسْبَ الْحَدِيثِ النَّبَوِيِّ وَالْآيَةِ الْكَريمَةِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ ؟
بِلا شَكٍّ هُوَ الْإسْلامُ الْحَنيِفُ الَّذِي دانَ بِهِ إبْراهيمُ عَلَيْهِ السَّلامُ.
مَعْنَى إسْلامٍ هُنا الْخُضُوعُ وَالِانْقِيادُ لِلَّهِ تَعالَى. أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ خَضَعَ وَانْقادَ بِالْإيمانِ وَالتَّوْحِيد وَلَيسَ إلَى قُوَّةٍ أُخْرَى غَيْرِهِ.
يُفْهَمُ مِنَ الْمَعْنَى الْعامِّ لِلْحَديثِ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّ الْإنْسانَ إذا تُرِكَ دُونَ مُرْسَلينَ أوْ مُبَشِّرينَ سَوْفَ يَهْتَدِي حَتْمًا إلَى الْإسٍلامِ.
أَمّا الدِّياناتُ الْأُخَرَى فَانْتَشَرَتْ عَنْ طَريقِ التَّرْبِيَةِ وَالدَّعْوَةِ وَالتَّهْويدِ وَالتَّنْصيرِ.
وَخَيْرُ مَصْدَرٍ يَتَحَدَّثُ عَنْ هَذا
هُوَ ابْنُ طُفَيْلٍ في قِصَّةِ حَيُ بْنُ يَقْظان.