الدين والشريعةمقالات

مِنْ عَجائِبِ الْقُرْآنِ وَإعْجازِهِ: أ. د. لطفي منصور

لِنَأْخُذِ الْآيَةَ الثّانِيَةَ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَنُحَلِّلْها:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
ذَلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ.
نَقْرَأُها بِعِدَّةِ أَوْجُهٍ:
– الْقِراءَةُ الْأُولَى كُلُّ الْآيَةِ مَعًا.
– ذَلِكَ الْكِتابْ. نَقِفْ عَلَى حَرْفِ الْباءِ. الْجُمْلَةُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ، لِأَنَّ الْمَعْرِفَتَيْنِ مُتَساوِيَتانِ في التَّخَصُّصِ وَقُوَّةِ التَّعْبيرِ.
الْكِتابانِ في اللُّغَةِ الْعَرَبٍيَّةِ اِثْنانِ لا ثالِثَ لَهُما: الْقُرْآنُ أَوَّلًا، وَكِتابُ سِيبَوَيْهِ في النَّحْوِ ثانِيًا.
لِماذا جاءَ في التَّنْزِيلِ اسْمُ الْإشارَةِ ذَلِكَ وهَوَ لِلْبَعِيدِ، والْقُرْآنُ أَمامَهُ، وَلَمْ يَتَنَزَّلْ: هَذا؟
الْإجابَةُ لِلتَّعْظيمِ. لِتَعْظِيمِ ذَلِكَ الْمُنَزَّلِ عَلَى قَلْبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
– الْقِراءَةُ الثّالِثَةُ:
ذَلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبْ.
الرَّيْبُ وَالرِّيبَةُ الشَّكُّ وَالظَّنُّ، لا النّافِيَةُ لِلْجِنْسِ، رَيْبَ اسْمُها وَخَبَرُها مَحْذُوفٌ تَقْديرُهُ كائِنٌ أوْ حاصِلٌ. وَهِيَ هُنا تُعْطِي تَوْكِيدًا لِحَقيقَةِ نُزُولِ الْكِتابِ عَلَيَكَ أَيُّها النَّبِيُّ.
– الْقِراءَةُ الرّابِعَةُ:
ذَلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهْ.
الضَّمِيِرُ هُنا يَعُودُ إلَى الْكِتابِ، أَيْ لا رَيْبَ في مَضامِينِهِ. وَلا فِيهِ شائِبَةٌ تَشُوبُهُ.،في هُنا ظَرْفِيَّةٌ مَكانِيَّةٌ.
– الْقِراءَةُ الْخامِسَةُ:
فِيهِ هَدًى لِلْمُتَّقِينَ.
الْجارُ وَالْمَجْرورُ هُنا شِبْهُ الْجمْلَةِ في مَحَلِّ رَفْعٍ خَبَرٌ مْقَدَّمٌ. هُدًى مُبْتَدَأٌ مُرْفُوعُ بِضَمَّةٍ مُقَدَّرَةٍ لِأَنَّهُ مَقْصُورٌ.
الْمَعْنَى إنَّ هذا الْقُرْآنَ هِدايَةٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ وَأَطاعُوهُ فَأَعْتَقُوا أَنْفُسَهُمْ مِنَ النّارِ.
لِلْمُتَّقِين: هَذِهِ اللّامُ الْجارَّةٌ لُغَةٌ عالِيَةٌ. تُسَمَّى لَامَ التَّقْوِيَةِ، لِأَنَِّ الْمَصْدَرَ هُدًى أَضْعَفُ مِنْ فِعْلِهِ الْمُقَدَّرِ يَهْدِي. فَجاءَتْ هَذِهِ اللّامُ تَقْوِيَةً لِلْعامِلِ هُدًى. وَاللَّهُ أَعْلَمُ وما نَحْنُ إلّا مُجْتَهِدُونَ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق