مكتبة الأدب العربي و العالمي
حديث الجمعة السعيد عبد العاطي مبارك الفايد / مصر
===========
مع كتاب (((( المُوَطّأ – للإمام مالك بن أنس إمام دار الهجرة ))) ٠
الحمد لله رب العالمين والصلاة و السلام على خاتم الأنبياء و المرسلين ٠
و بعد :
في البداية كل عام وحضراتكم بخير وسلام ٠
نعلم أن القرآن الكريم هو دستور الأخلاق و هو المنهج المستقيم قولا و عملا لخدمة الدين و الدنيا معا ٠
و عندما نتأمل صحيح الحديث النبوي الشريف نتوقف مع كتاب ( المُوَطّأ ) المكون من جزءين ٠٠
و قد حوى تصنيف كل ما يلزم المسلم في العبادة و المعاملات و الآداب ومن ثم نطوف حول الخطوط العريضة هنا كمدخل لدراسته لاحقا ٠٠
وقد سمي الموطأ بهذا الاسم لأن مؤلفه وطَّأَهُ للناس ، بمعنى أنه : هذَّبَه ومهَّدَه لهم .
ونُقِل عن مالك رحمه الله أنه قال : عرضت كتابي هذا على سبعين فقيها من فقهاء المدينة ، فكلهم واطَأَنِي عليه …
و من ثم قالوا إن كتاب مالك – الموطأ – أفضل وأعظم نفعاً وأكثر تأثيرا من كل الكتب التي ألفت حتى ذلك الوقت ٠ و أن سبب كتابته و تصنيفه و تاليفه الآتي:
لجأ الخليفة أبي جعفر المنصور (ت158هـ) إلى الإمام مالك في موسم الحج طالبا منه تأليف كتاب في الفقه يجمع الشتات وينظم التأليف بمعايير علمية حدّدها له قائلا:
“يا أبا عبد الله ضع الفقه ودوّن منه كتبا وتجنّب شدائد عبد الله بن عمر، ورخص عبد الله بن عباس، وشوارد عبد الله بن مسعود، واقصد إلى أواسط الأمور، وما اجتمع إليه الأئمة والصحابة، لتحمل الناس إن شاء الله على عملك، وكتبك، ونبثها في الأمصار ونعهد إليهم ألا يخالفوها”.
وقد طلب المنصور من الإمام مالك أن يجمع الناس على كتابه، فلم يجبه إلى ذلك، وذلك من تمام علمه واتصافه بالإنصاف ٠
وقال: “إن الناس قد جمعوا واطلعوا على أشياء لم نطلع عليها” ٠
من علوم الحديث للحافظ ابن كثير.
* أقوال العلماء عن الموطأ :
٠٠٠٠٠٠٠٠
قال الإمام الشافعي:
«ما كتاب بعد كتاب الله أنفع من كتاب مالك بن أنس».
وهذا القول قبل ظهور صحيح البخاري.
قال البخاري :
“أصح الأسانيد كلها: مالك عن نافع عن ابن عمر” ٠ وكثيرًا ما ورد هذا الإسناد في الموطأ.
قال القاضي أبو بكر بن العربي في شرح الترمذي: الموطأ هو الأصل واللباب وكتاب البخاري هو الأصل الثاني في هذا الباب، وعليهما بنى الجميع كمسلم والترمذي.
الموطأ أصح كتاب بعد القرآن الكريم حيث إنه أقرب زمنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم و أحاديثه صحيحه ٠
و كان الإمام مالك بن أنس صاحب فكر و منهج متفتح في عصره وكان له في المسألة أكثر من رأي ٠٠٠
و كان الإمام الشافعي رضي الله عنه يتغير بالفتوى حسب البيئة كما كان في مكة ثم العراق ثم مصر ٠٠
و له كتاب الرسالة و الأم تتجلى فيهما روعة الفكر الإسلامي ٠٠
***
و نختم هنا بكلام طيب عن بعض أصحاب المذاهب ومدى حبهم لبعض و تكريمهم للعلم و الفقه هكذا ٠٠
الإمام الشافعى صاحب المذهب المعروف يثنى على الليث بن سعد الفقيه المصرى الجليل، ويقول عنه: «كان أفقه من مالك إلا أن أصحابه لم يقوموا به»، أى أنهم لم يهتموا بالتصنيف عن شيخهم الليث ونقل آرائه كما فعل أتباع أئمة المذاهب الأخرى، فاندثر مذهب الليث ولم يبقَ له أتباع. ورأينا الشافعى كذلك يثنى على الإمام مالك الذى تتلمذ عليه، ويقول: «لا يفتى ومالك فى المدينة». ورأيناه أيضًا يثنى على الإمام أبى حنيفة، ويصلى الوتر على مذهبه لمجرد أنه كان قريبًا من قبره، وحين سأله أصحابه عن سر صلاته للوتر ثلاث ركعات متصلة بقنوت مع أن مذهبه الفصل بين الشفع والوتر، أجاب بقوله: «استحييت أن أخالف الإمام الأعظم فى حضرته»، مع أن الرجل كان فى قبره! ومن ثناء الشافعى على أبى حنيفة أيضًا قوله: «كل الناس فى الفقه عيال على أبى حنيفة». ورأينا الشافعى كذلك يمتدح شيخه محمد بن الحسن تلميذ الإمام أبى حنيفة، قائلًا: «أخذت عنه حمل بعير من العلم»، مع أن رتبة الشافعى الفقهية أعلى من محمد بن الحسن، فالشافعى صاحب مذهب كأبى حنيفة شيخ محمد بن الحسن، بينما محمد بن الحسن من الطبقة الثانية فى المذهب الحنفى. وها هو الإمام أحمد بن حنبل الذى عاش عمرًا بعد شيخه الشافعى ما نسى أن يدعو له فى صلاة من صلواته، حيث يقول: «ما نسيت مرة أن أدعو لشيخى الشافعى فى صلاة من صلواتى».
فيا رب اجعلنا نرجع إلى فهم وإدراك الكتاب و صحيح السنة في وسطية وهى العدل لا تفريطا و لا تقصيرا و مغالاة ٠٠
بعيدا عن الجهل و التعصب بغية العلم و مقاصد الشريعة الغراء ٠٠
آمين ٠