مقالات
توقيت ودلالات تسريبات وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف
أثارت تسريبات مقابلة أجراها وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف، تجاوزت مدتها 3 ساعات، ردود فعل داخل إيران وخارجها، فقد شنّت أوساط متشددة هجوماً عليه، على خلفية ما ورد فيها من حديث موسع حول علاقة الحرس الثوري الإيراني وقادته مع مسؤولي الحكومة الإيرانية، والتأكيد على أنّ هذا الحرس المرتبط بالمرشد الأعلى للثورة الإسلامية هو الذي يتحكم بكل مفاصل القرار الإيراني، وخاصة في مناطق نفوذ إيران في الإقليم، وما يُعرف بحروب الوكالة التي يخوضها عبر ميليشيات مدعومة من الحرس الثوري في العراق وسوريا ولبنان واليمن.
عملياً، بالنسبة إلى المتابعين والعارفين بخفايا كيفيات صناعة القرار داخل إيران وموازين القوى بين أجنحة الحكم الإيراني، فإنّ كل ما تحدّث به ظريف لم يكن جديداً، وليس مدعاة للدهشة أو الصدمة، فقد كان معروفاً ومؤكداً أنّ قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، هو الحاكم الفعلي لإيران، ويمثل صورة المرشد الأعلى ويرتبط به ارتباطاً وثيقاً، وهو وفقاً لبنية النظام الإيراني، لا تجاوز في نظرته للحكومة بوزاراتها المتعددة إلا بوصفها جهازاً ضمن قائمة أجهزة وشركات ومؤسسات تتبع للحرس الثوري، من هنا جاءت تأكيدات ظريف بأنّه عندما كان يلتقي دبلوماسيين غربيين وأمريكيين يتم إبلاغه بمعلومات حول ضربات لقطاعات إيرانية في سوريا والعراق لم يكن قد سمع عنها من قبل.
كل ما تحدّث به ظريف لم يكن جديداً، وليس مدعاة للدهشة أو الصدمة، فقد كان معروفاً أنّ قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، هو الحاكم الفعلي لإيران
توقيت التسريبات يتزامن مع معطيات عديدة تشير إلى أنّ صراعاً داخل القيادة الإيرانية يتصاعد بين تيار المرشد الأعلى “المتشدد”، والتيار الأقل تشدداً الذي يمثله رئيس الجمهورية وظريف، وأنّ هذا الصراع وصل مديات غير مسبوقة، تسبق الانتخابات الرئاسية الإيرانية القادمة خلال الشهرين القادمين، وتتزامن مع المفاوضات التي تجريها طهران حالياً مع أمريكا عبر وساطة أوروبية لإنجاز اتفاق نووي جديد، سيضاف إليه ليس فقط البرنامج النووي الإيراني، وإنما البرنامج الصاروخي أيضاً، والتدخلات الإقليمية الإيرانية في المنطقة التي بناها الحرس الثوري على أسس مذهبية، ترجمة لرؤى مؤسسي الثورة بتصدير الثورة الإيرانية والمظلومية.
تسريبات ظريف، الذي سبق أن قدّم استقالته من الخارجية بعد منعه من حضور لقاء للرئيس السوري بشار الأسد مع المرشد الأعلى في طهران العام الماضي، غير بعيدة عن التحولات التي يشهدها الإقليم على خلفية التحولات الدولية العميقة بعد تولي الديمقراطيين الحكم في أمريكا، وعن التسريبات حول مباحثات إيرانية- سعودية جرت في بغداد بوساطة من رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، الذاهب بالعراق باتجاه إعادته إلى حالة من التوازن في علاقاته الإقليمية.
ظريف يبدو أنّه أول المدركين لتلك التحولات الدولية والإقليمية، يقدّم شهادة براءة من حروب الحرس الثوري وفيلق القدس في العراق وسوريا ولبنان واليمن، شهادة يوجهها للرأي العام الإيراني قبيل الانتخابات، وللرأي العام الدولي قبيل إنجاز الصفقة الجديدة مع أمريكا والغرب، غير أنّ هذه الشهادة ما زالت تثير تساؤلات في الأوساط الدولية والإقليمية؟
من بين تلك التساؤلات حقيقة التباين بين تيارات الحكم الإيرانية، وفيما إذا كانت هذه التسريبات تمّت بموافقة قادة من الحرس الثوري الإيراني والمرشد الأعلى، الذي تحول خلال الأعوام الـ4 الماضية مع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى مدافع عن الاتفاق النووي، أم أنها مجرّد محاولة التفافية إيرانية جديدة، على غرار محاولات سابقة بإظهار تباينات أمام العالم بين قيادة الثورة وقيادة الجمهورية؟ ثم هل تفسر هذه التسريبات أنّ من يقوم بالتصعيد اليوم في سوريا والعراق ولبنان واليمن قبل الحوثي هو الحرس الثوري، وأنه يريد ضرب توجهات روحاني وظريف لإعادة إنتاج اتفاق جديد؟
توقيت التسريبات يتزامن مع معطيات عديدة تشير إلى أنّ صراعاً داخل القيادة الإيرانية يتصاعد بين تيار المرشد الأعلى المتشدد، والتيار الأقل تشدداً الذي يمثله رئيس الجمهورية وظريف
ومع ذلك، فإنّ تصريحات ظريف يبدو أنّها ترمي إلى ما هو أخطر وأبعد من ذلك، وتتجاوز ثنائية القيادة في إيران بين الجمهورية والحرس الثوري، بطرح طبيعة وبنية نظام الحكم الإيراني الذي ينتمي لقرون مضت، يدركها الأوربيون قبيل “التنوير”، وهي لا تبتعد كثيراً عن مقاربات “القاعدة” و”داعش” باستعادة الخلافة الإسلامية.
ربما لن تظهر نتائج تسريبات ظريف حول مشروعية الحرس الثوري و”جبروته” في المدى المنظور مباشرة، لكن المؤكد أنّها فتحت الباب أمام العالم لطلب نجدة ومساندة التيار الإصلاحي في إيران، وأظهرت أمام الرأي العام الإيراني، المدرك لدور هذا الحرس في قمع انتفاضات الإيرانيين ضد الجوع والفساد، والتصرف بالثروة الإيرانية لدعم ميليشيات تابعة لإيران في البلدان العربية والإسلامية، أنها لم تعد بأيّ نفع على الإيرانيين.