اخبار العالم العربي

“بيان”.. أم فلسطينية في الـ14 من عمرها

هاني الشاعر – تبدو الحياة قاسية للغاية على الطفلة الفلسطينية بيان نائل النجار، وهي تقوم بكل مهام الأم مع إخوتها، بعد أن خطفت آلة القتل الإسرائيلية والدتها خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة صيف 2014.

وتجرعت الطفلة (14 عامًا) المرار والألم منذ فقدانها والدتها، التي كانت بمثابة “الحياة” لها، ولم يكُن من السهل عليها أن تُفارقها في هذا السن المُبكر، لتتركها وحيدة مع حمل ثقيل، وضعها أمام تحدياتٍ جسام.

“أراها كل يوم في منامي، لم أصدق أنها استشهدت، هي حيةٌ في وجداني ولم تمُت، أراها في الطرقات وكأنها تسيرُ أمامي”.. هذه بعض كلمات الطفلة التي لم تصدّق حتى اليوم أن والدتها غُيبت عن الحياة.

وتواظب “بيان” من بلدة خزاعة الحدودية، شرقي محافظة خان يونس، جنوبي قطاع غزة، على رعاية أشقائها الثلاثة “سارة” (8أعوام)، و”عبد الله” (11عامًا)، و”ياسر” (9أعوام)، وتدريسهم، وطهي طعامهم، وغسل ملابسهم، وشراء ما يحتاجونه يوميًا.

واستشهدت والدة “بيان” في غارةٍ استهدفت منزل خالتها ببلدة بني سهيلا شرقي خان يونس، والذي نزحوا إليه هربًا من القصف على بلدتهم في الـ27 من رمضان، فيما أصيبت شقيقتها “سارة” بجراح طفيفة في كتفها.

يوم يتيم

ويُمر “يوم الأم” للسنة الثانية على “بيان” وقد اختلفت مشاعرها، بعدما كانت تشتري الهدايا لوالدتها كغيرها من الأطفال، وتقول، إنها ذكرى تنكأ جرجها الغائر، وتحاول التخفيف عن نفسها بزيارة قبر والدتها.

وفور عودتها من المدرسة، قطفت الطفلة من محيط منزلها بعض الزهور والنباتات البرية، واصطحبت أشقاءها ووالدها، وتوجهوا لزيارة قبر والدتها، وقراءة سورة الفاتحة والدعاء لها، ومكثوا هناك نحو ساعة.

وبدا الحزنُ في أعين الأطفال ووالدهم، وهم ينظرون لتلك الحجارة التي تحدد قبر أمهم، الذي تغطى بالنبات الموسمية الجميلة، وفي الوقت الذي وجد فيه أشقاؤها الجو مناسبًا للمرح بين أزهار الربيع، انشغلت “بيان” بتنظيف القبر، ووضع الزهور عليه.

وبعد أن فرغت من ذلك، قالت: “منذ عامين أزور قبر أمي، خاصة بعيد الأم، واليوم يمر العيد الثاني وهي ليست بيننا جسدًا، لكنها معنا روحًا، ولم ننسها يومًا”.

وتضيف “الكثير من أمثالي يقضون عيد الأم عند قبور أمهاتهم، لأن الحرب قتلت الكثير من الأمهات؛ اليهود خطفوا ماما منا، وقتلوها دون ذنب، وجعلوني أتحمل مسؤولية تربية أشقائي، لكنني سأتحداهم وأحافظ على إخوتي”.

وقتل الكيان الإسرائيلي خلال عدوانه الأخير على غزة نحو 2150 فلسطينيًا، بينهم 489 أنثى، وفق إحصائية لوزارة شئون المرأة والمرصد “الأورومتوسطي” لحقوق الإنسان، وهو ما حوّل آلاف الأطفال لأيتام، في وقت توجد فيه مؤسسات قليلة معنية برعايتهم.

وبلغ عدد الإناث الشهداء في العدوان ممن هنّ من عمر أقل من 18 عاما نحو 195، فيما كان عدد النساء اللواتي تراوحت أعمارهنّ ما بين (18-59) عاما، 251 امرأة، بينما استشهدت 43 امرأة، كانت أعمارهن تزيد على 60 عاما.

تفوق ومواهب

وبعد عودة الطفلة إلى المنزل، بدأ الجدول اليومي لها، فباشرت بترتيب ملابس أشقائها التي كانت مُعلقة على حبال الغسيل، وتنظيف المنزل، وتجهيز غداء لهم، وما إن فرغت من ذلك انهمكت بتدريسهم جميعًا، لتتفرغ لنفسها في نهاية المطاف.

وعلى الرغم من هذه الأعباء التي أثقلت كاهلها، تحافظ “بيان” على مُعدلها الدراسي العالي، فهو لا يقل عن “95%”، كما أن رحيل أمها جعلها أكثر إحساسًا بالآخرين، فالتحقت ببرلمان الصحفي الصغير، وتُشارك بحفلات ترفيهية للأطفال المتضررين من العدوان، وتقديم مساعدات لهم ولأسرهم.

كما تمتلك “بيان” القدرة على كتابة الشعر والرسم والتمثيل، ولا يخلوا واقعها المرير، من طموحات تأمل أن تعالج قلبها المكلوم، ومنها أن تُصبح طبيبة وإعلامية في نفس الوقت، لتٌعالج جرحى شعبها، وتفضح جرائم الاحتلال الإسرائيلي.

وتهوى الطفلة العزف على “الجيتار”، وتتمنى أن تحصل على واحد منه في منزلها، وتلتحق بمعهد موسيقي ينمي موهبتها، وإلى ذلك الحين، اشترت لعبة صغيرة على شكل “جيتار” لتشبع شغفها به.

2 w855

مقالات ذات صلة

إغلاق