مقالات

“” نزعتنا التسولية “” مقال جميل جدا من الواقع

د. عبد الله بن حمد العويشق

لما كُنَّا في البعثة ودخلنا معهداً لدراسة اللغة الإنجليزية، وقف المدرس ذو الخبرة الطويلة، كما يبدو من عمره الذي قارب الستين، وطلب كتابة موضوع إنشائي، واقترح أن (يتصور) كُلُّ واحدٍ منَّا أنه يعيش في قرية صغيرة نائية في بلده، وأن هذه القرية تنقصها الكهرباء، وعليه أن يكتب خطاباً للمسؤول في بلدية قريته، يطلب فيه توفير هذه الخدمة على أن يحضر كل طالب الخطاب ويقرأه في الفصل غداً.

كان الفصل أشبه بأمم متحدة فالطلاب من آسيا وأوروبا وإفريقيا وأمريكا الجنوبية، فهم قادمون من اليابان والصين وماليزيا وإيران، ومن دول شرق أوروبا ومن ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا، ومن دول أمريكا الجنوبية، بالإضافة إلينا نحن العرب سواء من مشرق العالم العربي أو مغربه.

في اليوم التالي أحضر كل طالب الخطاب الذي أعده، وقرأه على زملائه، وصحح المدرس أخطاءه ولكننا لاحظنا شيئاً غريباً، فعندما قرأ أول طالب عربي خطابه ابتسم المدرس، وأخذت ابتسامته تزداد كلما قرأ طالب عربي آخر، وبدأ الطلبة الآخرون ينظرون إلينا نظرات غريبة؛ فظننا أن الابتسامة كانت إعجاباً بمستوى لغتنا الإنجليزية، ولكن سرعان ما أفقنا من نشوة الغرور هذه، عندما أدركنا أن أخطاءنا لم تكن أقل من أخطاء زملائنا من الجنسيات الأخرى.

فعدنا نقارن بين خطاباتنا وخطابات زملائنا الآخرين، فتجلى الفارق الكبير بينها، كانت خطابات الطلبة العرب كلها – دون استثناء – تسولية، تبدأ بالثناء على المسؤول وجهوده القيمة.. ثم تتوسل إليه – وتتسول – بأن يتكرم بالتوجيه لإجراء اللازم لتوفير هذه الخدمة تفضلاً منه وإحساناً، ثم بختم الخطاب بمثل ما بدأ به ثناءً وشكراً.

أما خطابات زملائنا من الجنسيات الأخرى فتختلف جذرياً، فيبدأ الخطاب بإشعار المسؤول بمسؤوليته المباشرة، وتقصيره في عدم توفير هذه الخدمة، وأن من واجبه تصحيح الأمر في أقرب وقت. ويختم الخطاب بأن أي تباطؤ في تحقيق الخدمة سيؤدي إلى رفع الأمر إلى المسؤول الأعلى منه، بل بعض الطلاب ذكر أنه سيرسل نسخة من خطابه إلى المرجع المباشر للمسؤول.”” نزعتنا التسولية “”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق