الرئيسيةمقالات

الأستاذ نجيب الحثناوي

بقلم : عزت ابو الرب

هل أنت من محافظةِ جنين؟ أزرتَ المدينةَ؟ أتعرفُ النباتاتِ، السيباطَ، التلَ، البساتينَ، عينَ نينا، نهرَ المُقَطّع، البياراتِ، جامعَ جنينَ الكبير، قهوةَ أكرم، مدرستَيْ حيفا و جنينَ الثانوية، مدرسةَ بناتِ جنينَ الثانوية.
لتلك المعالمِ وَقْعٌ يهفو ويغفو لذيذاً في الذاكرة، تهبُّ نفحاتُها مشْبَعَةً بالرضا والأسى معاً، تبتسمُ حين تذكرُ المدرسة ومناكفةَ الصبيانِ، واستراقَ النظرِ هنا وهناك. وتكسوك هالةٌ من الخشوعِ في محرابِ الجامع الكبير(جامع فاطمة خاتون). ومع فنجانِ قهوةٍ تحت داليةٍ في مقهى أكرم، تنتشي والماء ينسابُ عذباً رقراقاً أمامك. وأما في الطريقِ إلى المدرسةِ يستقبلُكَ عَبقُ أزهارِ الليْمونِ والبرتقالِ والعنبرِ، فيبعثُ الأملَ ويشعلُ الهممَ. ويأخذُك الجِدُّ بعيداً في حصةٍ لا يزال صداها يرنُّ على مسمعيْك، فتحتشمُ حين يمرُّ طيفُ معلمٍ له مهابةٌ ووقار، فتؤدي التحيةَ راغباً شاكراً مفعَماً بالحبور.
وليس بوسعك أن ترى طيفَ مدرسةِ حيفا يطرقُ جميلَ صِباك، دون أن تلمعَ في ذاكرتك ثلةُ المعلمين، وثنائي المدرسة اللطيف: المدير، أ. نهاد الراغب”أبوا لراغب”-حفظه الله-، والسكرتير، أ.مأمون محجوب”أبوالأمين”-رحمه الله-. وأما واسطةُ عِقْدِ تلك المنظومةِ اللؤلئية، ومن وشّى نفوسَنا الفتيةِ الغضةَ بأزاهيرِ الحياةِ، وصبغ سديم الذاكرة بألوانِ قُزح، فذاك المعلم الذي حبّبَ إليّ اللغةَ العربيةَ، وكشفَ لنا مواطن الغنى والجمال فيها؛ إنه الأستاذ نجيب الحثناوي”أبو الواثق”. وإنني لأستميحكم عذراً -معشرَ المعلمينَ- بأن أّذكر واحداً دون آخر، فأنتمُ أكثرُ من أن تُذكروا فتُشكروا.
إن الصورةَ التي نقشها في ذاكرتي لنفسه -وهو يقرأُ قصيدةَ الطلاسمِ للشاعر “إيليا أبو ماضي” من كتاب “أريج الأدب” في القراءةِ العربية للصف الأول الثانوي(العاشر)عام 1974م- لا تزال تتنفسُ، وتتهادى في الذاكرةِ وئيدةَ الخطْوِ، تُرَجِّعُ الصوتَ المخمليَ الرخيمَ هو يقول:
قد سألتُ البحرَ يوماً هل أنا يا بحرُ منكا؟
أصحيحٌ ما رواهُ بعضُهم عني وعنــــكا؟
أم تُرى ما زعموا زوراً وبهتاناً وإفــكا؟
ضحكتْ أمواجُهُ مني وقالت:
…………………………لستُ أدري
حصةٌ ودروسُ لا تُنسى، هدوءٌ وبيانٌ واضح، يأسرُ الأسماعَ والأفئدةَ، فيملأ القلوبَ مهابةً واحتراما. وبتلك الأناقةِ والشبابِ الريانِ المشرقِ يسرقُك من نفسِك، فتسرحُ معه خاشعاً في عالمٍ آخر، يشرحُ، يعربُ، يحللُ، يتلمسُ الإبداعاتِ الكامنةَ، يأخذُ بيدِ أصحابِها. ولن أنسى الفتى موسى حافظ”الشاعر الشعبي” واقفاً في مقعده وهو يأتي ببيتٍ من العتابا على الجناس، بتشجيعٍ من الأستاذِ الذي شرحه آنفاً.
إنّ هذا الإجلالَ والتقدير يشاركني به كثيرٌ ممن تتلمذوا على يديْهِ، وتربَوْا على حريةٍ لا صخبَ فيها ولا عبث، فعرفوا الحزمَ من غير قَهْر.
كثيراً ما كنت أسمع من أمي-رحمها الله- أنِ ابْنِ لك في كل بلدٍ بيتاً، أي اجعل لك فيها صاحباً، وأعتقد جازما أن الأستاذ نجيب له في كل بلدٍ مدرسةٌ وبيتٌ في محافظة جنين. حفظ الله أبا الواثق، وكساه في الداريْنِ حُلةً نضرةً، ومتّعه بدوامِ الصحةِ والعافية.
وبكلِ عرفانٍ وامتنانٍ أرفعُ يدي وأحني هامتي قائلاً: شكراً أستاذي، وأستاذ آلاف الطلاب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق