اقلام حرة
متى تمّ اختراع ساعات العمل الثمانية وعطلة نهاية الأسبوع؟
همسة سماء ألثقافه
تقوم الشركات الكبرى في الغرب بترويج وتغذية ثقافة الإنفاق فتجعلنا نشتري سلعاً لا حاجة لنا بها، إذ لدى الشركات العاملة في شتى المجالات مصلحة كبيرة في تشجيع المشتري على أن يكون متساهلا في إنفاق المال.
وقد قامت متخصصة في علم نفس التسويق بمناقشة إحدى الطرق التي استخدمتها لزيادة المبيعات من خلال الفيلم التسجيلي “The Corporation”. فقد أجرى فريق العمل بشركتها دراسة عن تأثير إلحاح الأطفال على ذويهم على احتمالية شراء الألعاب لهم، ووجدوا أن 20% إلى 40% من مبيعات الألعاب ، بالإضافة إلى ربع الزيارات للحدائق الترفيهية لم تكن لتتم بدون إلحاح من الطفل. وقد استخدمت تلك الدراسة لتسويق المنتج للطفل مباشرة ، مع تشجيعه على الإلحاح على والديه ليشتروه له.
تسببت هذه الحملة الدعائية في إنفاق ملايين الدولارات عن طريق خلق طلبا مصطنعا على السلع. تقول لوسي هيوز، وهي باحثة شاركت في إجراء دراسة “عامل الإلحاح”:
“يمكنك التلاعب بالمستهلك ليرغب في شراء المنتج ومن ثم يقوم بشرائه. إنها لعبة.”
هذا مثال بسيط عما يحدث منذ زمن طويل. فالشركات الكبرى لم تجمع الملايين عن طريق تسويق مزايا منتجاتها، بل عن طريق خلق ثقافة تجعل مئات الملايين من البشر يشترون أكثر بكثير مما يحتاجون إليه في محاولة لتعويض شعورهم بعدم الرضا عن طريق إنفاق المال.
فنحن نقوم بشراء الأشياء طلبا للبهجة أو لمواكبة المجتمع أو لإشباع أحلام طفولتنا، بالإضافة إلى عدة أسباب سيكولوجية أخرى، لا علاقة لها بمدى أهمية المنتج بالنسبة لنا. فكم من الأشياء نخزنها في منازلنا ولا نستخدمها.
السبب الرئيسي للعمل بنظام ال 40ساعة أسبوعيا
وكانت الأداة الأمثل التي استخدمتها الشركات الكبرى لترويج هذه الثقافة هي تصوير العمل بنظام ال 40ساعة في الأسبوع على أنه نمط الحياة الطبيعي. ففي تلك الظروف، يتحتم على الناس أن يكتفوا بالاستمتاع بالحياة في عطلة نهاية الأسبوع، وهذا يجعلهم أكثر ميلا للإنفاق ببذخ على التسلية والراحة بسبب ندرة وقت الفراغ.
تم تطوير نظام العمل لمدة ثماني ساعات يوميا في المملكة المتحدة في القرن التاسع عشر لمصلحة عمال المصانع الذين كانوا يعملون ما بين 14 – 16ساعة يوميا. ومع تطور التكنولوجيا، أصبح بإمكان العاملين في كل مجال إنتاج قيمة أكبر في وقت أقل. وقد يظن المرء أن هذا يؤدي إلى تخفيض ساعات العمل. لكن نظام العمل لثماني ساعات يوميا يتسبب في زيادة أرباح الشركات الكبرى، ليس بسبب كمية العمل التي يمكن انجازها في 8ساعات، (فالموظف يعمل فعليا ثلاث ساعات تقريبا من الثمانية) بل بسبب تعود الناس على التماس السعادة عن طريق الشراء.
يدفع تقليص وقت الفراغ الناس إلى الإنفاق بصورة أكبر بكثير على الراحة والاستمتاع، كما يشجعهم على مشاهدة التليفزيون والإعلانات ويجعلهم محدودي الطموح خارج مجال العمل. لقد تم اقتيادنا إلى ثقافة صممت لتجعلنا دائما متعبين ومستعدين لدفع المزيد من المال للحصول على الراحة والتسلية، بينما نبقى غير راضين عن حياتنا حتى تستمر لدينا الرغبة في اقتناء المزيد من الأشياء.
إن الاقتصاد في الدول الغربية، خاصة في الولايات المتحدة، يقوم على المتعة والإدمان والإنفاق في ما لايحتاجه الإنسان. فنحن ننفق المال طلبا للبهجة أو مكافأة لأنفسنا أو للاحتفال أو لحل المشكلات أو لنرفع مستوانا أو لتبديد الملل.
هل يمكنك أن تتخيل ماذا سيحدث إذا توقف الأمركيون عن شراء السلع غير الضرورية والتي لا تضيف قيمة كبيرة لحياتنا؟ سينهار الاقتصاد ولن يتعافى مرة أخرى.
إن مشكلات الأمريكيين الأكثر شهرة وهي السمنة والاكتئاب والتلوث والفساد ما هي إلا عواقب إقامة واستدامة اقتصاد التريليون دولار. فحتى نحافظ على “صحة” الاقتصاد علي الأمريكيين ألا يكونوا أصحاء، لأن الناس الأصحاء السعداء لا يشعرون بالاحتياج للكثير مما لا يملكون، لذا فهم لا يقومون بشراء الكثير من السلع غير الضرورية، ولا يحتاجون إلى الكثير من التسلية، ولا ينتهي بهم الحال إلى متابعة الكثير من الدعاية.
إن العمل بنظام الثماني ساعات يوميا هو الأداة الأقوى لدى الشركات الكبرى للحفاظ على حالة عدم الرضا لدى الناس وبالتالي جعلهم يتوهمون أن الشراء هو الحل لكل مشكلاتهم.
هل سمعت عن قانون باركينسون؟ إنه يعتمد للإشارة لاستخدام الوقت: كلما كان لديك وقت أطول لإنجاز مهمة ما كلما استغرق انجازها وقتا أطول. بإمكانك أن تنجز الكثير في 20دقيقة إذا كانت الدقائق العشرون هي كل ما لديك من الوقت، بينما إذا كان عليك إنجاز نفس المهام على مدى المساء كله، فغالبا ما ستغترق وقتا أطول بكثير. يتعامل معظمنا مع المال بهذه الطريقة. كلما ارتفع دخلنا كلما ازداد إنفاقنا. فنحن لا نكتشف فجأة أننا بحاجة لمزيد من الأشياء فور الحصول علي زيادة في الدخل، بل ننفق أكثر لمجرد استطاعتنا أن نفعل ذلك.
لا أعتقد أنه من الضروري أن نقاطع النظام القبيح بالكامل ونذهب للعيش في الغابات، لكن علينا أن نفهم ما الذي يريده منا عمالقة التجارة. لقد عملوا لعقود لخلق المستهلك المثالي و نجحوا. فقد قاموا بتصميم نمط حياتنا ليخدم مصالحهم.
إن الزبون المثالي غير راض، ولكنه متفائل، لا يهتم بالتنمية الذاتية ويعتاد مشاهدة التليفزيون بكثرة، يعمل بدوام كامل ويتقاضى أجرا معقولا ويدلل نفسه في أوقات الفراغ. فهل أنت هذا الشخص؟