مقالات

الحرب المستحيلة : حرب الاستنزاف

كتبت ريم محمد

(33-34) الحرب المستحيلة : حرب الاستنزاف
ــــــــ( مظاهرات بالعالم العربى وتوافد الرؤساء ووفد سوفيتى للقاهرة ورسالة من جونسون لتيتو)ــــــــــــ
نجحت أميركا فى عرقلة أى مشروع قرار فى مجلس الأمن لأدانة إسرائيل أو مطالبتها بالانسحاب وفق ميثاق الامم المتحدة وشرعيتها التى أسست عليها بعد الحرب العالمية الثانية بعدم جواز أحتلال الأراضى بالقوة .. فهل ستنجح أميركا وإسرائيل وما خططوا له قبل الحرب وبعد نشوة الانتصار على ثلاث جيوش عربيه ، بأسقاط نظام عبد الناصر وإنهيار مصر تحديدا من الداخل ، ووقف التيار القومى وأرغام الدول العربية على القبول بالانعزال ووقف التسليح والدخول مع إسرائيل فى مشرروعات للتعاون الاقليمى وأعادة رسم خريطة المنطقه ؟ .. هل سيقبل العالم العربى ومصر تحديا بنتائج عدوان يونيو ؟
يقول الكاتب العربى الكبير مـحـمـود عـوض : لقد خرجت المظاهرات فى مصر والعالم العربى تعلن تمسكها بجمال عبد الناصر وتفرض على معظم الدول العربية الأستمرار فى قطع العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة تضامنا مع مصر ، وتطالب بالنهوض من جديد لأخذ الثأر بالقوة العسكرية .
وبدأ الرؤساء العرب يتوافدون على القاهرة لإعلان تضامنهم فى رفض قبول الهزيمة أو مكافأة إسرائيل على عدوانها ، كما وصل وفد عسكرى سوفيتى إلى القاهرة فى 16 يونيو ثم وفد سياسى برئاسة نيكولا بردجورتى فى 21 يونيو .
وخلال هذا كله أستمر وصول الشحنات العسكرية العاجلة من عدة دول عربية ، وهى شحنات كانت قد بادرت بها الجزائر برئاسة هواى بوميدين ، وأعتبارا من اليوم التالى فى الحرب مباشرة ، وخصوصا الطائرات ، وكذلك من الاتحاد السوفيتى بحيث أنه فى كل دقيقتين ونصف طائرة تنزل محملة 10 طن سلاح ، وكان هذا بمثابة كوبرى جوى بين موسكو والقاهرة بخلاف السفن .
وبالنسبة لمن يرصد تلك التطورات السريعة ، لم تكن تلك علامات دولة تنهار فى مصر ، أو أرادة سياسية تنوى قبول الأمر الواقع أو الأستسلام له ، ولا هى أيضا علامات على ظهور أتجاه جديد فى العالم العربى يسعى إلى أسترضاء الرئيس الأمريكى ليندون جونسون .
هكذا أرسل الرئيس جونسون فى 9 أغسطس 1967 بكتابة رسالة إلى الرئيس اليوغسلافى جوزيف بروز تيتو بهدف أبلاغها إلى الرئيس جمال عبد الناصر فى القاهرة . فى تلك الرسالة قال جونسون : ” … إن الولايات المتحدة توافق أيضا على أن أية تسوية بالشرق الأوسط يجب ألا تؤدى إلى إذلال الدول العربية أو تجبرها على التنازل عن أية حقوق أو مصالح مشروعة تتمسك بها ، .. وأن الولايات المتحدة سوف تأخذ فى أعتبارها الكامل حقوق ومصالح الدول العربية ، وكذلك تلك الخاصة بإسرائيل ” .
أما بالنسبة لما بدأت إسرائيل تطلبه من ضرورة أعتراف مصر ( الجمهورية العربية المتحدة ) والعرب بها ، وكذلك التفاوض المباشر معها فإنه : ” من وجهة نظر الحكومة الأمريكية فإن تخلى الجمهورية العربية المتحدة عن أهدفها الحربية لا يتطلب منها على سبيل المثال أن تعلن أعترافها بإسرائيل أو أن تتبادل معها التمثيل الدبلوماسى ” .
وذلك يعنى ، بالاضافة إلى أشياء أخرى ، حق جميع الدول فى أستخدام ” ممر تيران ” وقناة السويس ، وإنهاء أى مطلب أو حق فى أستخدام القوات المسلحة ، أو التهديد باستخدامها ، من جانب إحدى دول الشرق الأوسط فى مواجهة دولة أخرى فيه ” .
بكلمات أخرى فان كل ما يطلبه الرئيس جونسون من مصر ـ الآن فى 9 أغسطس 1967 ـ هو إنهاء حالة الحرب مع إسرائيل ، والسماح للسفن الإسرائيلية بالمرور فى قناة السويس وممر تيران فى خليج العقبة ، ولكن ، ليس مطلوبا من مصر أى أعتراف بإسرائيل أو تفاوض مباشر معها ، أو تبادل للتمثيل الدبلوماسى . ولكن ، لا حديث عن الضفة الغربية والجولان ، خصوصا وأن الملك حسين لم يحصل من الرئيس جونسون حينما قابله فى الشهر السابق ـ يوليو ـ بواشنطن سوى على وعود غامضة حول الضفة الغربية ، وهو عكس ما كان يتوقعه جمال عبد الناصر فى القاهرة حيث أنه كان يتصور : ” إن الولايات المتحدة لابد أن تضطر إلى أن تقف مع الملك حسين موقفا مختلفا عن موقفها معه هو ” .

(34) الحرب المستحيلة : حرب الاستنزاف
ــــــــــ( المجتمع الدولى يعلن بوضوح الرفض القاطع لأحتكار إسرائيل السياده على مدينة القدس)ــــــــــــ
خرجت الجماهير باتساع العالم العربى رافضة لنتائج عدوان يونيو ومطالبه بالاخذ بالثأر ، وتوافد العديد من الرؤساء العرب للقاهرة التى زارها وفد سياسى سوفيتى وأعقبه وفد عسكرى . يواصل الكاتب الكبير مـحـمـود عـوض قائلا : فى نفس الوقت كانت القدس تتصدر المناقشات فى الجمعية العامة للأمم المتحدة وبداية فإن مساحة القدس التى تحددت أولا فى قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين الصادر فى 29 نوفمبر 1947 هى مجرد نصف فى المائة من مساحة فلسطين ، وقتها تحدث القرار عن حكم دولى خاص بمدينة القدس ، الآن حينما تبحث الجمعية العامة للأمم المتحدة ولأول مرة إجراءات إسرائيل الأحتلالية فى القدس المحتلة فى الرابع من يوليو 1967 .. أى فى ذروة النشوة الإسرائيلية بغزوتها الكبرى وأنسحاب العرب تحت وطأة الهزيمة ، مع ذلك قررت الأمم المتحدة أنها : ” تدعو إسرائيل إلى الغاء جميع الأجراءات التى أتخذتها والأمتناع عن أتخاذ أى عمل من شأنه تغيير وضع القدس ” .
ولأننا هنا نريد فقط التركيز على الجانب السياسى فى قضية القدس ، وفى هذا الجانب كان المجتمع الدولى كله واضحا من البداية فى رفضه القاطع لأحتكار إسرائيل السيادة على مدينة القدس ، ولم تشذ عن هذا الموقف أية دولة ، بما فى ذلك الولايات المتحدة ذاتها التى أعتادت حماية إسرائيل كثيرا عن غضب المجتمع الدولى ، بل أن الموقف الأمريكى هنا كان متسقا مع ذاته ، وبرغم تراجعه فى نواح أخرى من القضية الأشمل ، إلا أنه بالنسبة لمدينة القدس على وجه الخصوص ظلت الولايات المتحدة ترفض الموقف الإسرائيلى تماما منذ لحظة البداية التى تصورتها إسرائيل فرصة ذهبية لفرض الأمر الواقع على عالم عربى مهزوم .
ففى أعقاب حرب يونيو 1967 كانت إسرائيل تشعر بنشوة جارفة أسكرتها تماما إلى الحد الذى جعل الكنيست ـ البرلمان ـ يصوت فى 27 يونيو 1967 على مشروع يخول للحكومة الإسرائيلية بسط سيادتها على القدس الشرقية ” العربية ” ويفوضها أتخاذ الأجراءات اللازمة لذلك . وبادر آبا إيبان وزير خارجية إسرائيل الموجود حينئذ فى نيويورك مشاركا فى مناقشات الأمم المتحدة بشأن الشرق الأوسط إلى الأتصال برئيس وزرائه ـ ليفى أشكول يومذاك ـ يرجوه تأجيل أتخاذ أى خطوة حكومية لتنفيذ قرار الكنيست حتى لا يؤثر هذا سلبا على مناقشات الجمعية العامة للأمم المتحدة ، وأنضم إليه يومها فى هذا الرجاء ” الياهو بن اليسار ” ممثل حزب ” حيروت ” فى الوفد الإسرائيلى وأحد مساعدى ” مناحيم بيغن ” المقربين الذى سيصبح فيما بعد أول سفير لإسرائيل لدى السادات .
ولكن ليفى أشكول لم يأخذ بوجهة نظر وزير خارجيته ، وبادرت الحكومة الإسرائيلية فى اليوم التالى إلى تنفيذ قرار الكنيست . وبالطبع أدى هذا إلى مضاعفات دولية انعكست على مناقشات الأمم المتحدة ، مما جعل الولايات المتحدة تسجل موقفها رسميا فى 14 يوليو 1967 على لسان سفيرها فى الأمم المتحدة الذى قال : ” بالنسبة إلى الأجراءات المحددة التى أتخذتها حكومة إسرائيل فى 28 يونيو أود أن أوضح أن الولايات المتحدة لا تقبل ولا تعترف بأن الأجراءات الأدارية التى أخذتها حكومة إسرائيل فى 28 يونيو يمكن أعتبارها الكلمة الأخيرة فى المسألة ، ونحن نأسف لأتخاذها , إننا نصر على أن تلك الإجراءت لا يمكن أعتبارها سوى إجراءات مؤقتة ، كما أنها لا تقرر مسبقا الموقف النهائى أو الدائم لمدينة القدس ” .
كان هذا هو الموقف الأمريكى الرسمى فى ظل رئاسة ليندون جونسون نفسه شريك إسرائيل فى حرب يونيو 1967 وعلى لسان ” آرثر جولد بيرغ ” ممثل الولايات المتحدة فى الأمم المتحدة وهو الآخر محامى إسرائيل فى المنظمة الدولية .
وبقفزة سريعة ـ مؤقتا ـ ستجد مرة أخرى تكرر هذا الموقف الرسمى الأمريكى فى أول يونيو 1969 ، على لسان مندوب أمريكى آخر فى الأمم المتحدة هو ” تشارلز بوست ” . وفى ظل رئيس آخر هو ريتشارد نيكسون ، ويومها وقف فأعلن فى مجلس الأمن الدولى : ” إن الولايات المتحدة تعتبر أن ذلك الجزء من مدينة القدس الذى أصبح تحت الأحتلال الإسرائيلى فى حرب يونيو هو مثل الأراضى الأخرى التى أحتلتها إسرائيل أرضا محتلة ومن ثم يخضع لأحكام القانون الدولى ” .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق