اخبار العالم العربي
الاحتلال الإسرائيلي يبتز شركات استيراد البضائع في غزة
اشتكت العشرات من كبار شركات استيراد البضائع في قطاع غزة مؤخرا من تعرضها لابتزاز إسرائيلي بضرورة تعاون أصحابها معه أو وقف أعمالهم في وقت يتم فيه منح شركات أخرى تسهيلات محل شكوك.
ونبه تقرير نشرته صحيفة “الحدث” التي تصدر في الضفة الغربية إلى تفسير ممارسات الاحتلال بأنها تستهدف ضرب النسيج الاجتماعي الفلسطيني والتشكيك بتماسكه إلى التلميح بالثمن الذي يدفعه التاجر الحاصل على تلك التسهيلات.
في الوقت ذاته استبعد آخرون من التجار والمختصين بمتابعة الشأن الإسرائيلي أن يكون هناك ثمناً مشبوهاً مقابل تلك التسهيلات الممنوحة لبعض التجار على حساب تجار آخرين أوقف الاحتلال نشاط شركاتهم كلياً.
وبين هذا الرأي وذاك أكد مسؤولون أن من يتحكم بدخول البضائع الواردة إلى غزة عبر معبر (كرم أبو سالم) هو جهاز المخابرات الإسرائيلي وأن عدداً محدوداً من التجار باتوا خلال الأشهر الأخيرة يسيطرون على أصناف مختلفة من البضائع التي تمكنوا من إدخالها رغم الحظر الأمني، وبالتالي أصبحوا يفرضون السعر الذي يرتؤونه.
واستند أحد المسؤولين في توصيف ما آلت إليه حركة دخول البضائع إلى غزة من تحكم كلي للمخابرات الإسرائيلية إلى شهادات كشف عنها بعض التجار الذين أوقف الاحتلال نشاط شركاتهم وتحدثوا عن ما جرى معهم خلال مقابلتهم لضباط المخابرات في معبر بيت حانون “إيرز”.
وكشف بعض هؤلاء عن محاولة المخابرات الإسرائيلية مساومتهم وابتزازهم مقابل عودة شركاتهم للعمل ومنحهم تصاريح سفر، كما كشفوا عن مطالبة ضابط المخابرات لهذا التاجر أو ذاك بعدم التعامل مع شركة التاجر الممنوع من السفر ومن استيراد البضائع وتهديدهم في حال تعاملهم معه سيتم وقف شركاتهم عن العمل.
الدور الحكومي
اعتبر حاتم عويضة وكيل وزارة الاقتصاد في غزة أن لهذه القضية بعداً وطنياً يفترض التوقف عنده، فدور الوزارة فيها يقتصر على تنظيم السوق الداخلية أما البضائع المسموح بدخولها والمواد الممنوعة ليس من اختصاص الوزارة.
وقال عويضة إن العديد من أصناف البضائع يمنع الاحتلال دخولها للقطاع تحت ذريعة الاستخدام المزدوج ومنها الصاج والحديد والكمبوزايت والفيبر جلاس والخشب ومواد أخرى تدخل في الصناعات المعدنية عبر منع المستوردين الاساسيين لها من إدخالها والسماح لآخرين بتوريدها للقطاع وسط تساؤلات لم تجد حتى الآن تفسيراً واضحاً لها.
ونوه إلى أن هذا الأمر أفضى إلى تحكم وسيطرة عدد محدود من صغار التجار على أصناف البضائع المحدودة التي تمكنوا من إدخالها رغم الحظر الأمني، وبالتالي أصبحوا يفرضون السعر الذي يرتؤونه، فمثلاً أصبح طن الصاج يباع بسبعة آلاف شيكل بدلاً من أربعة آلاف، وباب الخشب يباع بثمانمائة شيكل بدلاً من ثلاثمائة.
وأشار إلى أن “بعض الأصناف كان غير مسموح دخولها ثم سمح لبعض الأشخاص بإدخالها والتاجر الذي لا يسمح له بالاستيراد يتم استدعاؤه لمقابلة المخابرات الإسرائيلية ومن الممكن أن يسمح له بعد المقابلة بإدخال هذه المواد أو استمرار منعها، وبالتالي يحاول الاحتلال ابتزاز بعض التجار بما في ذلك مستوردي المواد الغذائية”.
وترى جهات مهتمة ومتابعة للتطورات الأخيرة التي طرأت على حركة دخول البضائع إلى القطاع أن الاحتلال يسعى من وراء السياسة التي يتبعها مع عشرات الشركات والتجار إلى تدمير الاقتصاد الفلسطيني من خلال وقف نشاط أكبر الشركات التجارية في قطاع غزة بذريعة أن زبائن هذه الشركات ينتمون لحركة حماس أو أن البضائع والمواد التي تستوردها تلك الشركات تصل بطريقة أو بأخرى إلى حماس وأتباعها.
ولفتت الجهات ذاتها إلى أن أكبر وأهم تجار وموردي المولدات الكهربائية والأخشاب ومواد البناء تم إيقاف شركاتهم، وذلك في إطار منع ما يزيد عن 90 شركة وتاجراً من إجراء تنسيقات لإدخال ما يستوردونه من بضائع مختلفة خلال الأشهر الستة الأخيرة.
وأكدت الجهات ذاتها أن الشركات التي أوقف الجانب الإسرائيلي نشاطها تشكل أساس اقتصاد غزة، وفي حال قامت إحدى الشركات المتوقفة عن العمل باستيراد بضائع عبر شركة ثانية، فالأخيرة يتم منعها فور اكتشاف الأمر.
ولم تستثن إجراءات الاحتلال سائر القطاعات الأخرى مثل قطاع النقل وتكنولوجيا المعلومات والصناعات المعدنية وتجار التجهيزات والمعدات الكهربائية، حيث ما زال أحد أصحاب أكبر شركات نقل البضائع معتقلاً منذ عدة أشهر دون تهمة بسبب منافسته لشركات نقل إسرائيلية تواطأت جميعها ضده وبدعم مباشر من الأمن الإسرائيلي.
تهديدات إسرائيلية
وقال أحد التجار ممن أوقف الاحتلال شركته ومنعه من استيراد أي صنف إلى المساومات التي يحاول ضابط المخابرات ابتزاز التاجر من خلالها ومنها اتصال الضابط مع تجار ومطالبتهم بعدم التعامل مع هذا التاجر أو ذاك وتهديدهم حال تعاملهم بوقف شركاتهم عن العمل.
وأوضح التاجر نفسه أن البضائع الممنوع دخولها للقطاع بحجة الاستخدام المزدوج تشتمل على العديد من الأصناف ومن الممكن أن تصل إلى عشرات أصناف البضائع حيث لم تعد تقتصر على الأخشاب والحديد والفيبر جلاس وماكينات تعديل وتشكيل الحديد وماكينات الكمبرسر والكوابل النحاسية، بل أجهزة الكمبيوتر والسيرفرات وغيرها من البضائع التي لا يتم إدخالها تحت هذا المسمى إلا عبر تنسيق خاص.
ونوه إلى أن أحد ضباط المخابرات في معبر إيرز يعرف عن نفسه باسم ناصر، ويتواصل مع بعض التجار والمستوردين قبل أن يقوم بوقف نشاطهم حيث يبلغ أحدهم على سبيل المثال هاتفياً بأن البضائع التي استوردها ستصل معبر كرم أبو سالم غداً، وفي اليوم التالي يطلب مقابلة التاجر نفسه في تل أبيب وفي حال رفض يضع اسمه ضمن قائمة التجار والشركات الممنوعة من الاستيراد.
واعتبر التاجر الذي فضل عدم الإشارة إلى اسمه أنه من المفترض أن تتواصل دائرة الارتباط لدى الجانب الإسرائيلي مع هيئة الشؤون المدنية وأن يتم إبلاغ الأخيرة بهوية الشخص المطلوب مقابلته.
وأشار إلى أن ما يحدث أن شخصاً ما يحصل على تصريح سفر، وقد يلتقي بضابط المخابرات دون علم أي جهة فلسطينية بما في ذلك جهاز المخابرات الفلسطينية وهيئة الشؤون المدنية ولجنة تنسيق دخول البضائع التي يقتصر دورها فقط على حضور الاجتماعات التي يعقدها المسؤولون الإسرائيليون عن المعابر وقيامها خلال هذه الاجتماعات بالاستفسار عن أسباب وقف أعمال هذه الشركة أو تلك لتحصل في نهاية الأمر على إجابات مبهمة من الجانب الإسرائيلي الذي يبرر منعه لهذه الشركات بأسباب أمنية.
وكشف التاجر نفسه النقاب عن أن العديد من التجار الممنوعين من الحصول على تصاريح ومن أوقف الاحتلال نشاط شركاتهم توجهوا للقضاء الإسرائيلي وقاموا بتوكيل محامين إسرائيليين ولكن دون جدوى.
وتساءل التاجر نفسه بقوله: “ما يحدث أشبه بالأحجية، فعندما يتقدم على سبيل المثال عشرة تجار لاستيراد سلعة مثل الخشب أو الصاج أو الكوابل، وترفض طلباتهم وبالمقابل تأتي الموافقة الإسرائيلية لشخص واحد منهم فقط قد لا يكون له علاقة مسبقة بهذا النشاط التجاري، ويستلم البضاعة التي طلب استيرادها”.
ولفت إلى أن الجهات المسؤولة في رام الله لا تكلف نفسها عبء السؤال عن أسباب منع هؤلاء التجار والسماح لتاجر ما باستيراد الأصناف المذكورة أو غيرها، ولا يعنيها سوى تحصيل ضريبة المقاصة عن البضائع الواردة دون النطر إلى هوية المستورد.
وأوضح أن هناك مستجدون من صغار التجار دخلوا فجأة على نشاط كبار التجار، ونحن نعرف من هم التجار الرئيسيون لمختلف البضائع منذ أن كانت تلك البضائع قبل عام 2007 تصل القطاع عبر معبر المنطار، أما الآن فلصالح من يباع باب الخشب بسبعمائة شيكل في حين كان يباع قبل منع دخول الخشب قبل خمسة أشهر بثلاثمائة شيكل؟”.
نموذج منع
يمتلك أيمن بكرون شركة القدس لتكنولوجيا المعلومات التي تعمل منذ عام 2002 في مجال استيراد وتسويق كل ما يتعلق بقطاع تكنولوجيا المعلومات من كمبيوترات وأجهزة لاب توب وكوابل وسيرفرات، إلا أن الشركة أوقفت عن العمل ومنعت من الاستيراد منذ شهر نوفمبر الماضي.
وقال بكرون: “بدأت المشكلة في شهر يوليو الماضي حيث واجهنا مشاكل في عملية إدخال البضائع وليس هناك شخص من غزة أو الضفة يخاطب الجانب الإسرائيلي للاستفسار عما يتعرض له التجار في غزة”.
وأضاف “قدمت في حينه طلباً للحصول على تصريح لإدخال بضائع إلى غزة قيمتها 2.4 مليون دولار ولم يتم إدخالها إلا من خلال شركات أخرى وبتكاليف إضافية إلى حين أن تمكنا من إدخال جزء من هذه البضائع وتكبدنا خسارة رسوم أرضيات وغيرها من مصاريف الوسطاء ولا أعلم حتى الآن لماذا قاموا بمنعي من الاستيراد والسفر”.
وذكر “اتصل بي شخص من المخابرات الإسرائيلية يدعى حسن وذلك في شهر تشرين ثاني الماضي، وقال لي: “لماذا لا تأتي إلى إسرائيل؟ وإن كنت بحاجة إلى تصريح B.M.C سنصدره لك”، فرفضت طلبه وانتهت المكالمة بيننا ثم تحدثت مع بيت إيل (الارتباط الإسرائيلي) في الضفة مع شخص يدعى أيمن صوالحي وهو درزي ويعمل مستشاراً لوزارة الاقتصاد الإسرائيلية وشرحت له مشكلتي فقال لي: “لديك مقابلة مع المخابرات الإسرائيلية ولن يصدر لك تصريح دون إجراء هذه المقابلة”.
ولفت إلى أن هناك أشخاصاً يحصلون على تصاريح ويُمنع آخرون من أكبر الشركات المستوردة لتجهيزات ومستلزمات قطاع تكنولوجيا المعلومات كشركته وشركة أخرى تستحوذان مجتمعتين على ما نسبته 70% من سوق تكنولوجيا المعلومات في قطاع غزة، بينما الشركات التي أخذت مكان شركته لا تتمتع برأس مال كبير ولا علاقات تجارية كالتي تتمتع بها شركته، مبيناً أنه حتى لو كان هناك من الشركات والتجار من يستطيع بالخفاء تزويد شركته بما تحتاجه فهو لا يستطيع التقدم لمناقصات.
وقال بكرون: “أنا لا أمثل أي حزب ولا أعلم هوية من يشتري من شركتي لاب توب، وبالتالي الأسئلة التي تطرحها المخابرات الإسرائيلية على التجار غير مبررة ولكنها تحاول من خلال تلك الأسئلة وذريعة الاستخدام المزدوج أن تبرر منعها لدخول البضائع لهذا التاجر أو ذاك”.
وأضاف أن “شماعة المواد مزدوجة الاستخدام فضفاضة وغير واضحة، لذا من الممكن وبكل سهولة أن تعتبر إسرائيل اللاب توب والسيرفر يستخدم في الأنفاق وهل استخدام عنصر من حماس لأي سلعة يعني استخدام مزدوج؟ أم أن هذه السياسة تستهدف فقط محاربة اقتصاد غزة؟”.
دون أدلة
أما هاني شمالي أحد أبرز موردي مواد البناء، فتم منعه من استيراد أي صنف من مواد البناء منذ نحو عشرة أشهر بحجة أنه يبيع الإسمنت لحماس بطريقة غير مباشرة، بمعنى أن عدداً من متضرري الحرب الأخيرة على غزة ممن حصلوا على كوبونات إسمنت قاموا ببيع جزء من الإسمنت الذي حصلوا عليه لإعادة بناء وإصلاح بيوتهم المتضررة جزئياً لعناصر تابعة لحماس، وبالتالي استخدمت هذه الكميات بحسب المزاعم الإسرائيلية في بناء الأنفاق دون أي دليل على صحة ذلك.
وتساءل شمالي بقوله: “حتى لو كان ما تدعيه (إسرائيل) صحيحاً فما علاقتي بما يقوم به المتضررون بعد أن يحصلوا على كميات محدودة من الإسمنت؟ هل المطلوب مني أن أراقب تحركاتهم واستخدامهم للإسمنت ولمن يبيعونه؟”
وأشار شمالي إلى أنه قام بتوكيل محامين إسرائيليين للدفاع عن شركته لتمكينها من العودة لممارسة نشاطها موضحاً أن شركته “شركة أبناء عواد شمالي”، تعمل منذ عام 2006 في تجارة الإسمنت وتوريده إلى المنظمات الدولية المنفذة لمشاريع مختلفة في قطاع غزة ولكن هيئة المحكمة الإسرائيلية قامت بإبعاد المحامي من قاعة المحكمة بحجة وجود ملف سري وحكمت بمنع دخول أي صنف من الأصناف التي تستوردها شركته من مواد البناء مثل الحصمة والحديد والسلك والمسامير والإسمنت.
وقال: “بعد أن أوقفوا شركتي ووضعوها على قائمة الشركات الممنوعة من العمل طالبوا الشركات الإسرائيلية والتجار في غزة بعدم التعامل معي، حتى تجار مواد البناء في غزة منعوهم من أن يبيعوا لي، وعندما كنت أتوجه إلى معبر إيرز قبل أن يسحبوا مني تصريح السفر كانوا يتركونني أنتظر داخل المعبر حتى الساعة السابعة مساءً ثم يعيدونني إلى غزة”
وأضاف “في النهاية اتصل رجل المخابرات وأبلغني (أليس عندك كرامة فأنت تأتي كل يوم للمعبر ونحن نعيدك لغزة وعليك مشاكل) فقلت له: “حقق معي أو اعتقلني”، ثم توجهت آخر مرة إلى إيرز وأعادوني مجدداً إلى غزة بعد دقيقتين من وصولي للمعبر، وحتى الآن شركتي متوقفة عن العمل وممنوعة من ممارسة أي نشاط “.
خلخلة أركان المجتمع
اعتبر الكاتب توفيق أبو شومر المهتم بالشأن الإسرائيلي أن سياسة الاحتلال لاستبدال كبار التجار بصغارهم تستهدف التشكيك وخلق البلبلة وما أسماه بالانقسام التجاري ف”إسرائيل اعتادت أن تلصق بالتجار الجدد تهم العمالة وبالتالي هذا هدف أساسي لخلخلة أركان المجتمع الفلسطيني”.
وقال أبو شومر: “هذه سياسة إسرائيلية معتادة إن لم يمارسوها في العلن فسيمارسونها في الخفاء، ولكن بكل الأحوال إسرائيل تجيد استثمار كل شيء، فهي توظف التجارة لتحقيق مصالح استخبارية وسياسية وخلق منافسة غير شريفة”.
وأضاف “لذا فالمساومة التي تجريها المخابرات لم تعد تستهدف تجنيد عملاء جدد كالسابق حيث أصبح هناك عمالة أخرى، ومنها عمالة التبعية التجارية كما أنه من الممكن أن يتم وضع أجهزة معينة في شحنة البضائع التي سهلت دخولها لهذا التاجر أو ذاك تراقب من خلالها أين وصلت هذه الشحنة ولمن تصل أو أن يمنحهم التاجر بحسن نية معلومات عن التجار الذين أخذوا هذه البضائع دون أن يكون متعاوناً فليس هناك شيء تقدمه إسرائيل مجاناً”.