اقلام حرة
التفكير النقدي – جواد يونس
رغم أن شيوع هذا المصطلح حديث نسبيا، وأن “التفكير النقدي” أصبح من المهارات التي تركز عليها نظريات التعليم الحديثة، التي ترفض التلقين، إلا أن الفكرة قديمة جدا.
يعتبر التفكير النقدي أساس التقدم العلمي، فلو قبل كل عالم ما جاء به من قبله كمسلمات لكان ذلك كارثة علمية بكل ما تحمله الكلمة من معان. كم من نظرية كانت مقبولة في زمن ما نسفت في يم الاختبار نسفا، وما الاعتقاد بأن الشمس تدور حول الأرض عنا ببعيد.
ربما كان أفضل وأبسط تفسير لهذا المصطلح النصيحة الأولى التي قدمتها “القبرة الحكيمة” للصياد مقابل إطلاق سراحها “لا تصدق ما لا يقبله العقل” (قرأت قصتها في فقرتي المفضلة “اقرأ واستمتع” في المنهج الفلسطيني/الأردني القديم).
أما شعار الجمعية الملكية البريطانية الذي يتباهون به “لا تأخذ بكلام أحد دون دليل” المقتبس من قول الشاعر الروماني Horace باللاتينية:
“Nullius in Verba”
فما هو سوى مضمون القاعدة الأصولية الشهيرة “البينة على من ادعى” التي. تعد هذه القاعدة، وإن كانت قانونية في الأصل، قاعدة للحوار ومن أبجديات التفكير النقدي. وأصل كل ذلك في قوله (تعالى): “فتبيَّنوا” وإن كان السياق مختلفا في الظاهر.
ربما كنا – نحن رواد مواقع التواصل الاجتماعي – أكثر الناس حاجة للتفكير النقدي حيث كثر نشر الصور والفيديوهات و”الوثائق” المفبركة والشائعات والأخبار التي لا يصدقها العقل.
ويجدر بي أن أنوه إلى أنه قد تصادفك أخطاء حتى في المراحع والكتب والأبحاث العلمية المحكمة. لقد صادفت العشرات منها في مسيرتي البحثية المتواضعة منذ أن كنت طالبا حتى إن أستاذي المشرف على رسالة الدكتوراة قد نوه بذلك في رسالة التوصية التي كتبها لي بُعَيد حصولي على الدكتوراة في 2001، فما بالك بكتب التراث وكتب التاريخ التي سُطِّر بعضها بعد قرون من الأحداث، وقد لا يخلو بعض مؤلفيها من دوافع غير مهنية.
=====
أعطي مثالا هو صورة انتشرت مؤخرا بشكل كبير على الفيس.
ليست الصورة مفبركة، بل حقيقية 100%. ولكن الخبر لا يصدقه العقل: 400 مليون جنيه استرليني (حتة وحدة)! فضلا عن عدم وجود منصب “رئيس وزراء” في أمريكا كما هو معروف.
بعد بحث سريع تبين أن من في الصورة هو جورج جيليت رئيس
Fort Berthold Indian Tribal Business Council
وهو يبكي لتهجير أسر السكان الأصليين “الهنود الحمر” من أجل بناء سد جاريسون وتكوين بحيرة صناعية ستغرق الأرض التي كانوا يعيشون فيها، أما الجالس فيوليوس ألبرت كروج وزير الداخلية وقتها يمضي عقد بيع 155,000 هكتار لبناء المشروع.
أما المؤسف حقا فهو إصرار بعضهم على عدم حذف صورة مفبركة أو خبر كاذب حتى بعد إثبات الفبركة/الكذب!
جواد يونس