مقالات
الشعـر الخالـــد بقلم : الشاعر حسن منصور
يقال عن الأدب وبشكل خاص عن الشعر، بأن ما كان منه منبثقاً من الحياة ومعبراً عنها بأحوالها وهمومها فهو الذي يبقى ويخلد على ألسنة الناس عبر الزمن، وأما ما كان خارج نطاق الحياة فإن الحياة تلفظه ويستغنى عنه الناس غير آسفين عليه.
وذكروا من الأشياء أو الموضوعات المهمة التي يطرقها الشعر الخالد الحب والحرب والحياة والموت والمصير والروح والجسد والعلاقة بين الطبيعة وما وراء الطبيعة، وغير ذلك…
ولكن أكثر المسائل أهمية للإنسان هي المسائل الأزلية الأبدية ومنها الحياة والموت، وعلاقة الجسم بالروح، وعلاقتهما معاً بعالم الطبيعة وما بعد الطبيعة (أو الفيزيقا والميتافيزيقا)؛ لأن تركيبة الإنسان تجمع بينهما إذ خلق الله جسمه من الطبيعة (من التراب أو من صلصال كالفخار) بينما روحه من عالم ما بعد الطبيعة الذي لا يدرك كنهه إلا خالقه جل وعلا (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً) [الإسراء: 85]… فالإنسان بهذا الوصف يجسّد أو يترجم تكامل الطبيعة وما بعد الطبيعة واتحادهما في كيانه البشري… كما إنه الكائن الوحيد الذي يملك القدرة على التفكير والتعقل وبالتالي فهو يملك الوعي بما في الكون، ويملك الإرادة الفاعلة رغم كونها محدودة وليست مطلقة. ولكن هذا الوعي الشامل لا يستطيع إدراك كنه الأشياء و(ماهيتها) العميقة، رغم قوة غريزة حب الاستطلاع والبحث عنده، وهنا تكمن مأساة هذا العقل وبالتالي مأساة صاحبه الإنسان العاقل الذي يظل متسائلاً ويبحث عن إجابات مقنعة لعقله وشافية لطموحه إلى المعرفة وإلى اليقين ما دام حياً ويملك القدرة على تعقل الأشياء والتفكير فيها.
وقد تنوعت الوسائل التي استخدمها الإنسان في تساؤلاته الأزلية الأبدية وفي بحثه عن أجوبة لهذه المسائل؛ فاستخدم الفلسفة والعلم والفن، كما كان بعض البشر يلجأون إلى وسائل غيبية (أو لاعقلانية) كالسحر والشعوذة، ولكن هذه الممارسات لا تعد شيئاً يستحق الوقوف عنده. وأما الشعر فهو الأهم في فنون الكلمة ومن أهم الوسائل الفنية القديمة التي استخدمها الإنسان للتعبير عن حيرته وعن تساؤلاته وعن موقفه تجاه هذه المسائل الخالدة، ولا شك أن الشعر الفلسفي معروف في أدبنا العربي منذ أيام الجاهلية وإلى يومنا هذا، ونجد نماذج قديمة من التفلسف والحكمة في شعر عنترة وامرئ القيس وزهير وطرفة وغيرهم… وما زلنا نرددها إلى يومنا هذا وكأنها معاصرة لنا، ولا أرى حاجة لإيراد نماذج منها، لأنها متاحة لكل الناس. فالشعر الخالد هو الذي يهتم بالقضايا الكبرى الأزلية الأبدية ويعبر عن هموم الإنسان ومواقفه تجاهها.
وتبقى هذه المسائل معلقة في أذهان الناس لارتباطها بمصيرهم وإلى أين تمضي بهم الحياة، وماذا سوف يلاقون بعد الموت، وهذا هو القلق الوجودي والفكري الذي يبحث عن الطمأنينة.
ولا نرى أن العقل يستطيع تقديم إجاباته المقنعة أو اليقينية في هذه الموضوعات التي تقع خارج نطاق العالم المادي وبالتالي خارج قدرات العقل الهائلة في نطاق العالم المادي، والتي تقف عند حدوده ولا تتجاوزها..
وهنا يأتي دور الدين فهو الذي يمكنه أن يكمل ما بدأه العقل وأن يجيب على التساؤلات ويبعث الطمأنينة في نفوس المؤمنين.. ولكن ليس كل الناس في هذه الدنيا مؤمنين إيماناً مستنيراً بالدين… ولا شك أن هذه الموضوعات كانت ولا تزال وستبقى مدار الفلسفة والتفلسف، كما ستظل في الحقيقة مدار التفكير عند كل البشر (حسب ثقافاتهم وقناعاتهم) من وجهات نظر عديدة: كوجهة النظر العلمية والميتافيزيقية والدينية والأخلاقية والأنثروبولوجية والتاريخية وغيرها وغيرها…
الشاعر حسن منصور