شعر وشعراء
أجهل الجهلاء / شعر جواد يونس
أجهل الجهلاء
يا شامِتًا في غُوطَةِ الْفَيْحاءِ *** وَمُحَرِّضًا نَغِلًا عَلى الْأُصَلاءِ
لَيْسَ السُّقوطُ إِلى الْحَضيضِ عَجيبَةً *** فَهَوُ الْعُلى في أَعْيُنِ السُّفَهاءِ
لا يُدْرِكُ الْحَمْقى حَماقَتَهُمْ، وَكَمْ *** جَهِلوا عَلى الْأَفْذاذِ وَالْعُلَماءِ!
أَسَمِعْتَ مَجْنونًا يُقِرُّ بِأَنَّهُ *** قَدْ جُنَّ؟! بَلْ هُوَ أَعْقَلُ الْعُقَلاءِ!
أَرَأَيْتَ أَصْلَفَ مِنْ سَفيهٍ يَدَّعي *** فِقْهًا وَيَلْبَسُ جُبَّةَ الْفُقَهاءِ؟!
أَرَأَيْتَ أَسْفَهَ مِنْ أَراذِلَ ناصَروا *** فِرْعَوْنَ في التَّقْتيلِ لِلشُّرَفاءِ؟!
أَرَأَيْتَ أَسْفَلَ مِنْ أَسافِلَ أَدْمَنوا *** خَمْرَ الْخَنا سَخِروا مِنَ الشُّهَداءِ؟!
أَرَأَيْتَ أَرْذَلَ مِنْ رَعاعٍ صَفَّقوا *** لِمَجازِرِ الْأَنْجاسِ في الْفَيْحاءِ؟!
ما هَمَّهُمْ قَتْلُ النِّساءِ وَصِبْيَةٍ *** ذُبِحوا بِسِكّينِ الْخَنا كَالشّاءِ
فَتَحَمَّلوا مَعَهُ أَثامَ دِمائِهِمْ *** وَغَدَوْا لَهُ فيها مِنَ الشُّرَكاءِ
ما هَمَّهُمْ قَصْفُ الْمَآذِنِ خِسَّةً *** كَمْ مِنْ مَآذِنَ سُوِّيَتْ بِسَماءِ!
ما هَمَّهُمْ هَدْمُ الْمَنازِلِ فَوْقَ مَنْ *** تاقوا إِلى (الْحُرِّيَةِ الْحَمْراءِ)
يَخْشى الذَّليلُ ظُهورَ حُرٍّ ماجِدٍ *** فَالشَّمْسُ تَكْشِفُ عَوْرَةَ الظَّلْماءِ
وَيَقولُ مَنْ ذَلَّ الْخُضوعُ حَصافَةٌ *** إِنَّ الْمَذَلَّةَ حِكْمَةُ الْجُبَناءِ
نَظَّرْتَ لِلدَّهْماءِ وَاسْتَغْفَلْتَهُمْ *** لا فَخْرَ في التَّنْظيرِ لِلدَّهْماءِ
كَمْ كُنْتَ تَلْعَنُ كُلَّ جَيْشٍ واهِنٍ *** ما حَرَّرَ الْأَقْصى مِنَ الدُّخَلاءِ!
وَالْيَوْمَ تَفْخَرُ بِالَّذينَ لَعَنْتَهُمْ *** مَنْ ذا يَغُرُّ تَلَوُّنُ الْحِرْباءِ؟!
فَدَعِ الْمَبادِئَ، لا تُخادِعْني بِها *** سَقَطَ الْقِناعُ وَبانَ أَصْلُ الدّاءِ
حِزْبِيَّةٌ أَعْلَتْ مَصالِحَ سِفْلَةٍ *** يَتَطَوَّعونَ لِخِدْمَةِ الْأَعْداءِ
حِزْبِيَّةٌ أَعْمَتْ بَصائِرَكُمْ، وَلا *** يُعمي كَمِثْلِ الطّاعَةِ الْعَمْياءِ
كَمْ مِنْ قَطيعٍ خَلْفَ مِرْباعٍ مَشى *** لِلذَّبْحِ في بَلَهٍ، وفي خُيَلاءِ!
أَنَاْ لا أُفَرِّقُ بَيْنَ دَمِّ الْحُرِّ في *** مَسْرى رَسولِ اللهِ وَالْحَدْباءِ
وَعَلَيَّ أَرْضُ الْمُسْلِمينَ عَزيزَةٌ *** صَنْعاءُ عِنْدي مِثْلَما الشَّهْباءِ
أَبْكي عَلى الْيَمَنِ الْحَزينِ وَليبِيا *** وَعَلى الْعِراقِ وَمِصْرَ والزَّهْراءِ
وَعَلى فِلَسْطينَ الَّتي تَبْكي على *** شُهدائِها في حَضْرَةِ الْإِسْراءِ
إِنّي أَرى الدُّنْيا بِقَلْبٍ مُبْصِرٍ *** لا بِالْهَوى وَبَصيرَةٍ عَوْراءِ
حاشا يُراعي أَنْ يُنافِقَ ظالِمًا *** قَدْ لَطَّخَتْ كَفَّيْهِ أَيُّ دِماءِ
أَرَأَيْتَني قَدْ بِعْتُ عِطْرَ يَراعَةٍ *** مَدَحَتْ رَسولَ اللهِ لِلْأُمَراءِ؟!
لا تَحْسَبَنّي قَدْ هَجَوْتُكَ، لَيْسَ هذا غَيْرَ تَلْويحٍ بِسَوْطِ هِجائي
أَنَاْ إِنْ عَزَمْتُ عَلى الْهِجاءِ سَتَشْتَهي *** مَوْتًا يُريحُكَ مِنْ لَظى الشُّعَراءِ
أَنَاْ لَسْتُ أَهْجو جاهِلًا بَلْ عُصْبَةً *** قَدْ شَوَّهَتْ شَعْبي بِكُلِّ غَباءِ
أَخْشى عَلى شَعْبي الْأُلى خَرَقوا سَفيَنَتَهُ بِوَسْطِ الْمَوْجِ وَالْأَنْواءِ
حاشا الْفِلَسْطينِيَّ أَنْ يَرْضى الْخَنا *** أَوْ أَنْ يُمَجِّدَ أَرْذَلَ الرُّذَلاءِ
اِسْمَعْ صَهيلَ الْعَقْلِ، لا نَهْقَ الْهَوى *** بِئْسَ الَّذي يَنْصاعُ لِلْأَهْواءِ
فَإِذا عَرَفْتَ الْحَقَّ فَالْزَمْ أَهْلَهُ *** يَهْديكَ نَجْمُ اللَّيْلَةِ الظَّلماءِ
أَوْ تُهْتَ فَاعْتَزِلِ الْجَميعَ، وَلا تَكُنْ *** كُرَةً تُسَدِّدُ أَرْجُلُ الْفُرَقاءِ!
يا مَنْ أَخَذْتَ مِنَ الْعُلومِ قُشورَها *** في اللُّبِّ تَكْمُنُ حِكْمَةُ الْحُكَماءِ
مَنْ ظَنَّ أَنَّ الْعِلْمَ مَحْضُ شَهادَةٍ *** فَهُوَ الْجَهولُ وَأَجْهَلُ الْجُهَلاءِ
يا شامُ، مَعْذِرَةً فَلَيْسَ مَعي سِوى *** قَلَمي الْوَفِيِّ، وَأَدْمُعي، وَدُعائي
وَلَرُبَّ دَعْوَةِ مُخْلَصٍ في سَجْدَةٍ *** هَزَّتْ عُروشَ الظُّلْمِ في الْأَرْجاءِ
الظهران، 24.2.2018 جواد يونس