اخبار العالم العربي

فقراء على نفايات العراق

قبل طلوع الشمس تبدأ حركة الباحثين في حاويات النفايات في شوارع بغداد، ولا تنتهي حتى ساعات متأخرة من الليل. التنقيب في المكبات انتشر أكثر في البلاد بعد الاحتلال الأميركي، وبات يجذب المزيد من الرجال والنساء والأطفال.

 

شيماء حسن (47 عاماً)، توقظ ولديها علي (20 عاماً)، وسعد (19 عاماً)، قبل طلوع الفجر ليمضيا إلى المكبات. ينتهي عملهما عند الساعة الثانية عشرة ظهراً، لتنطلق الأم بعدهما في المهمة نفسها، وتنتهي عند السادسة مساءً، ثم تبدأ مهمة الأب الذي ينطلق لإكمال العمل بعد عودة زوجته ليستمر حتى الساعة الحادية عشرة ليلاً.

تقول شيماء إنّ هذا العمل هو الوحيد الذي حفظ للعائلة كرامتها: “كنا مذلولين بسبب الديون التي تراكمت علينا؛ فزوجي دخل إلى السجن عدة مرات لعدم مقدرته على الوفاء بالديون، وليس له عمل ثابت بل كان يعمل أجيراً وما يتقاضاه لا يسدّ كلفة المعيشة”. تضيف “فجأة قرر زوجي العمل في البحث بالنفايات، بعدما تأكد أنّه عمل يمكن أن يوفر لنا ما نحتاج في معيشتنا”، مشيرة إلى أنّه وبمرور الوقت بات المردود اليومي من عمل زوجها بالنفايات يرتفع. تتابع: “تعلم زوجي أسرار المهنة، خلال فترة قصيرة، ورافق شباناً سبقوه في هذا العمل وعلموه على الأشياء التي يجب أن يهتم بالبحث عنها”. واعتبرت شيماء أنّ الفرصة مواتية لكسب مال أكثر، وبناء مستقبل للأسرة، من خلال مهنة الأب الجديدة، فاتفقت مع زوجها على أن ينقل خبرته في المكبات إليها وإلى ولديهما ليبدأوا العمل جميعاً. ذلك ما حصل، وكانت فكرة الأب أن تتقسم العائلة على أوقات اليوم في محاولة جمع أكبر قدر ممكن من المخلفات التي يمكن الانتفاع منها وتحويلها إلى نقود. تؤكد شيماء أنّ العمل الجماعي بدأ قبل أكثر من ثلاث سنوات، فتغيرت حال الأسرة تماماً، مضيفة: “اليوم، نحن نجمع المال لشراء قطعة أرض في أطراف بغداد لبناء منزلنا الخاص، فالأراضي هناك رخيصة الثمن”.

قاسم منسي، زوج شيماء، يقول ”إنّ “الحظ ربما لعب معي؛ إذ اكتشفت بعد عملي بأقل من شهر، مناطق محددة توجد فيها نفايات قيمتها جيدة”. منسي يشير إلى أنّ النفايات تثمّن بحسب المناطق: “غالباً فإنّ المناطق التي يسكنها فقراء ليست مجدية. المناطق التجارية هي الأكثر أهمية، بالإضافة إلى مناطق تكثر فيها الحركة”. يتابع: “نجمع النحاس من محركات الثلاجات والمكيفات والأجهزة الكهربائية، ونجمع الألومنيوم من الأثاث المنزلي بكميات كبيرة ونبيعه بالكيلوغرام للمعامل. كذلك، نعثر على أشياء جيدة تباع ولا أدري لما اعتبرها أصحابها نفايات، مثل ألعاب الأطفال والملابس وحتى معلبات الطعام”.

وليد مهاوي، عشريني جاء من محافظة المثنى (280 كلم جنوب غرب بغداد)، لمساعدة أسرته في المعيشة، فهو كبير أشقائه الثمانية، والده من الأشخاص ذوي الإعاقة ولا يعمل. يقول ل، إنّ “العمل في النفايات تزداد المنافسة فيه، لكن في الإمكان أن يتسع لعدد أكبر أيضاً”. يوضح أنّ حلوله في بغداد بالرغم مما يعانيه العديد من سكان العاصمة العراقية من بطالة، دليل على أنّ الحال في مدينته أسوأ: “بغداد تبقى هي المركز وتكثر فيها الأعمال، وسكانها وزوارها أكثر من بقية المدن، لكنّ العمل في النفايات لا يتقبله كثيرون. شهدت على أشخاص سجنوا بسبب الديون ومع ذلك لم يعملوا في القمامة. يعدّونه عملاً يحطّ من قدر الإنسان”.

مهاوي الذي درس في الجامعة، لم يأبه بنظرات الناس، إذ يجبره العمل في النفايات على أن تكون ملابسه متسخة ورائحتها بشعة. لكنّه يقول: “هو عملي، وفيه رزقي وهو حلال. يسألني أصدقائي عن عملي فأجيبهم بصراحة، أنا لا أستحي بهذه المهنة”.

لكنّ مهاوي خسر بسبب عمله في النفايات حبيبته التي اتفق معها على الزواج حين يتيسر له ذلك. يقول: “خيرتني بين هذا العمل وبينها فتنازلت عنها، فبسبب هذا العمل أنفق على والدي ووالدتي وإخوتي، لكنّي قد لا أستمر في هذا العمل، وربما أجد عملاً أفضل، لكنّي حتى الآن مستمر فيه”. مهاوي الذي يفضل العمل في أوقات النهار، يقول إنّه يكسب في اليوم الواحد ما لا يقل عن 70 ألف دينار (نحو 58 دولاراً أميركياً)، مشيراً إلى أنه كسب علاقات جيدة مع أصحاب محال تجارية صاروا يفرزون له ما يحتاجه من النفايات ويوفرون عليه تعب البحث.

جيوش عمال
“جيوش من العاملين في النفايات”، ذلك ما يقوله سائق سيارة كبيرة يعمل في نقل ما يجمعه أشخاص يعملون في النفايات إلى معامل خاصة تشتري ما جمع من مواد كلّ بحسب نوعه، لصهره وإعادة تدويره. يتابع قيس العبودي حديثه لـ”العربي الجديد”، أنّ عدد العمال هؤلاء يزداد باستمرار: “هذه المهنة مربحة لمن يعمل فيها لكنّها مذلة وتجلب الأمراض”. يضيف: “عائلات بكامل أفرادها تخرج إلى مكبات النفايات كلّ يوم فتنقب في تلال النفايات التي ترميها دوائر البلدية في مواقع خاصة للتجميع قبل نقلها إلى مواقع التدوير”. يؤكد أنّ “المئات يتجهون إلى هذه المواقع ويزاحمون الطيور والكلاب والقطط التي تبحث عن طعامها فيها”.

لا يخلو عمل الباحثين في النفايات من الخطورة؛ فبحسب العبودي، الذي يعمل برفقة هذه التجمعات منذ أكثر من عشر سنوات، فإنّ كثيرين يتعرضون لجروح عميقة وأمراض مختلفة. لكن، وفقاً لشاب تعرض لأكثر من حادث أثناء عمله في النفايات، فإنّه “لا مهنة تخلو من خطورة”. يقول محسن كاظم (22 عاماً)، لـ”العربي الجديد”: “الجميع يعمل بحذر، لكنّنا نعمل فوق تلال من النفايات داخل المكبات، وهذه التلال ترتفع حتى عشرة أمتار، تسلقها والعمل داخلها ليس مضمون العواقب، دائماً نتعرض لجروح بسبب قطع زجاج وعلب ومعادن تظهر فجأة بين النفايات”. يتابع: “عدة مرات تعرضت لجروح عميقة في الساقين والقدمين واليدين، بالإضافة إلى عشرات الجروح البسيطة الأخرى، لكنّ هذا أمر لا بد منه، فليس لديّ مهنة أفضل أكسب منها رزقي وأعين بمردودها عائلتي الفقيرة”.

المصدر : نبض

العربي الجديد”،

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق