مقالات
آذار والحركة النسوية
” آذار أنت وأنت آذار” كان هذا شعار إحدى المؤسسات النسوية في إحدى احتفالياتها الماضية، إنها الطريقة ذاتها التي تحمل المعنى المزدوج المتناقض، على غير وعيٍ وعلى غير تمحيص في لغةٍ تبدو متضامنة، لكنها تكشف عن هشاشة فكرية غير مرئية وغير مدروسة إلاّ في صفوف التنشئة والثقافة وميكانيزمات التكيف المجتمعي بما يحمله أحياناً كثيرة من دلالة مرة، ولا أستثني نفسي من هذا. كلنا في آذار نرتدي أثواب الأمل العابر، ونمّرر بهجتنا الموسمية على قنوات إعلامية تتبع غيّنا الجميل، وفرحنا اليتيم على مدار كل عام. وفي آذار؛ في آذار فقط تنتعش
الوعودات البراقة والآمال الكبرى لنا نحن النساء، يدّب النشاط فينا فجأة، وتصبح عجائزنا شابات جميلات موفورات الصحة والعافية، يتنقّلنّ بكل خفة من نشاط إلى مسيرة إلى ندوة وغيرها، فيما ترسم شاباتنا على وجوههنّ جدّية مطلوبة، تشي باندماجهنّ في العرس الوطني الكبير، ويكتمل المشهد برجالٍ مناصرين، يتصدّرون شاشات التلفاز ومقدمة المسيرات والاعتصامات، يحملون يافطات التضامن والاستنكار، في حين تقبع
زوجاتهنّ أمام الشاشات المنزلية في انتظار طلّة الزوج التقدّمي. ستكرر المشهد ويأخذ مستويات أعلى، ويصبح الرئيس مطلوباً في آذار لترتيب زيارة نسائية فاخرة، مجللةٍ ببيان يحمل المطالبات نفسها منذ نشأة السلطة الوطنية، ورسالة مقتضبة أكثر تحديداً لمطالب بعينها. وسيتكرر –
أيضاً- الخلاف حول تشكيلة الوفد النسائي( فهو لا يتضمن رجال) وحول من يقرأ البيان وحول من يصيغه ومن يحمله ومن يضعه في يد الرئيس، وستنعقد اجتماعات طويلة سابقة ولاحقة للقاء الرئيس و الخلاف – أيضاً- سيظل حكماً حول شكليات لا أول لها ولا آخر وصراعات بين أجيال الماضي وأجيال الحاضر، وسينتهى المطاف كالعادة بهيمنة الكبيرات وخضوع الصغيرات ، وبعض الحساسيات النسائية، التي ستبقى عالقة في الروح والنفس حتى آذار العام القادم. هذا السيناريو؟ بات معروفاً لي ، وكنت جزءاً منه لسنوات كثيرة، وبات مؤكداً لي اليوم- أكثر مما كان
سابقاً- أنّ المسألة أعمق من هذه الشكلانية المفرطة للتعاطي مع الحقوق، وأنّ تعاطياً جديداً يجب أن يأخذ مكانته بين كثير من الطروحات التي تم استنفاذ أساليبها، وحققت انجازات محدودة، كنا نحن النساء أحد أهم أسباب كونها بقيت محدودة ومجزوءة أحياناً لاعتمادنا على التحشيد الفيزيائي – وللأسف في هذا الإطار تحديداً انجررنا لما أريد لنا حزبياً وسياسياً – ولم نعتمد على التأصيل الفكري/ الرؤيوي إلاّ نادراً، وبسبب – أيضاً- من
عدم إجراء مراجعات فكرية ونقدية حقيقية لمسيرة الحركة النسوية الفلسطينية، فظلت المسألة تسير بقوة الدفع الذاتي، الذي تراخى كثيراً، وانتقل من طور الحضور الجميل للذات الجماعية إلى حضور وطغيان الذات الفردية . لن يتوقف آذار عن زيارتنا كل عام، ولن تتوقف مطالباتنا النسوية عن تكرار لغتها وخطابها نفسه، ولن يتوقف الرئيس عن استقبال وفودنا السنوية / الآذارية في لقاءات ودية – أغار منها- محفوفة بالصور
التذكارية وحديثٍ ناعم عن نضالات المرأة الفلسطينية في كل زمان ومكان، وحقها في البناء والمشاركة، وستخلو – بالطبع- تلك اللقاءات من نقاش حقيقي ومعمّق حول أوضاعنا عامة، للعتبارات الاذارية ذاتها. وآذار أنت وأنت آذار . فقط، ليس أكثر.