نشاطات
ماشطة ابنة فرعون
//ﻣﺎﺷﻄﺔ ﺍﺑﻨﺔ ﻓﺮﻋﻮﻥ//
قصّة مُبكية،تنفطرُ لها الأفئدة،وتنخلعُ من هولها الصدور،لاكتها ألسنُ الخطباء،وحفظتها عيون الدُعاة.
بسم الله الرحمن الرحيم،يقول المولى عزّ وجلّ:
) ﻟَﺘُﺒْﻠَﻮُﻥَّ ﻓِﻲ ﺃَﻣْﻮَﺍﻟِﻜُﻢْ ﻭَﺃَﻧْﻔُﺴِﻜُﻢْ ﻭَﻟَﺘَﺴْﻤَﻌُﻦَّ ﻣِﻦَ ﺍﻟَّﺬِﻳﻦَ ﺃُﻭﺗُﻮﺍ ﺍﻟْﻜِﺘَﺎﺏَ ﻣِﻦْ ﻗَﺒْﻠِﻜُﻢْ ﻭَﻣِﻦَ ﺍﻟَّﺬِﻳﻦَ ﺃَﺷْﺮَﻛُﻮﺍ ﺃَﺫﻯً ﻛَﺜِﻴﺮﺍً ﻭَﺇِﻥْ ﺗَﺼْﺒِﺮُﻭﺍ ﻭَﺗَﺘَّﻘُﻮﺍ ﻓَﺈِﻥَّ ﺫَﻟِﻚَ ﻣِﻦْ ﻋَﺰْﻡِ ﺍﻟْﺄُﻣُﻮﺭِ ) ( ﺁﻝ ﻋﻤﺮﺍﻥ 186: )
من هنا تبدأ القصة،فمن ﻫﻲ هذه المرأة الجليلة؟
هي امرأةٌ ﺻﺎﻟﺤﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌﻴﺶ ﻭﺯﻭﺟﻬﺎ ﻓﻲ ﻇﻞ ﻣﻠﻚ ﻓﺮﻋﻮﻥ.ﺯﻭﺟﻬﺎ ﻣﻘﺮﺏ ﻣﻦ الفرﻋﻮﻥ،ﻭﻫﻲ ﺧﺎﺩﻣﺔ ﻭﻣﺮﺑﻴﺔ ﻟﺒﻨﺎﺕ طاغية العصور.
منَّ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ ﺑﺎﻹﻳﻤﺎﻥ،ﻓﻠﻢ ﻳﻠﺒﺚ غيرَ قليل حتى ﻋَﻠﻢ ﻓﺮﻋﻮﻥ ﺑﺈﻳﻤﺎن زوجهاﻓﻘﺘﻠﻪ.اقتضت حكمة الله،أن ﺗﻌﻤﻞ ﻓﻲ ﺑﻴﺖ ﻓﺮﻋﻮﻥ،ﺗﻤﺸﻂ ﺑﻨﺎته، كي ﺗﻨﻔﻖ ﻋﻠﻰ ﺃﻭﻻﺩﻫﺎ ﺍﻟﺨﻤﺴﺔ، ﺗﻄﻌﻤﻬﻢ ﻛﻤﺎ ﺗﻄﻌﻢ ﺍﻟﻄﻴﺮ ﻓﺮﺍﺧﻬﺎ.
ﻓﺒﻴﻨﻤﺎ ﻫﻲ ﺗﻤﺸﻂ ﺍﺑﻨﺔ ﻓﺮﻋﻮﻥ ﻳﻮﻣﺎً، ﺇﺫ ﻭﻗﻊ ﺍﻟﻤﺸﻂ ﻣﻦ ﻳﺪﻫﺎ.
ﻓﻘﺎﻟﺖ : ﺑﺴﻢ ﺍﻟﻠﻪ.ﻓﻘﺎﻟﺖ ﺍﺑﻨﺔ ﻓﺮﻋﻮﻥ : ﺍﻟﻠﻪ ! ﺃﺑﻲ؟
ﻓﺼﺎﺣﺖ ﺍﻟﻤﺎﺷﻄﺔ ﺑﺎﺑﻨﺔ ﻓﺮﻋﻮﻥ : ﻛﻼ،ﺑﻞ ﺍﻟﻠﻪ، ﺭﺑﻲ، ﻭﺭﺑُّﻚ، ﻭﺭﺏُّ ﺃﺑﻴﻚ.ﻓﺘﻌﺠﺒﺖ ﺍﻟﺒﻨﺖ ﺃﻥ ﻳُﻌﺒﺪ ﻏﻴﺮ ﺃﺑﻴﻬﺎ!
ﺛﻢ ﺃﺧﺒﺮﺕ ﺃﺑﺎﻫﺎ ﺑﺬﻟﻚ.ﻓﻌﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﻮﺟﺪ ﻓﻲ ﻗﺼﺮﻩ ﻣﻦ ﻳﻌﺒﺪ ﻏﻴﺮﻩ؟
ﻓﺪﻋﺎ ﺑﻬﺎ. ﻭﻗﺎﻝ ﻟﻬﺎ: ﻣﻦ ﺭﺑﻚ؟.ﻗﺎﻟﺖ: ﺭﺑﻲ ﻭﺭﺑﻚ ﺍﻟﻠﻪ!
ﻓﺄﻣﺮﻫﺎ ﺑﺎﻟﺮﺟﻮﻉ ﻋﻦ ﺩﻳﻨﻬﺎ؛ﻭﺣﺒﺴﻬﺎ؛ﻭﺿﺮﺑﻬﺎ؛ ﻓﻠﻢ ﺗﺮﺟﻊ ﻋﻦ ﺩﻳﻨﻬﺎ.ﻓﺄﻣﺮ ﻓﺮﻋﻮﻥ ﺑﻘِدﺭ ﻣﻦ ﻧﺤﺎﺱ-وفي رواية بقرة من نحاس- ﻓﻤﻠﺌﺖ ﺑﺎﻟﺰﻳﺖ-ﺛﻢ ﺃحميَ ﺣﺘﻰ ﻏﻼ!
ﻭﺃﻭﻗﻔﻬﺎ ﺃﻣﺎﻡ ﺍﻟﻘﺪﺭ.ﻓﻠﻤﺎ ﺭﺃﺕ ﺍﻟﻌﺬﺍﺏ،ﺃﻳﻘﻨﺖ ﺃﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻧﻔﺲ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﺗﺨﺮﺝ ﻭﺗﻠﻘﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ.أدرك الفرﻋﻮﻥ ﺃﻥ ﺃﺣﺐ ﺍﻟﻨﺎﺱ إلى فؤادها،أﻭﻻﺩﻫﺎ ﺍﻟﺨﻤﺴﺔ ﺍﻷﻳﺘﺎﻡ-وهو قاتلُ أبيهم- ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺗﻜﺪﺡ من أجلهم،ﻭﺗﻄﻌﻤﻬﻢ،وتعوّضهم غياب والدهم.ﻓﺄﺭﺍﺩ ﺃﻥ ﻳﺰﻳﺪ ﻓﻲ ﻋﺬﺍﺑﻬﺎ ﻓﺄﺣﻀرهم على عَجَل،ﺗﺪﻭﺭ ﺃﻋﻴﻨﻬﻢ ،ﻭﻻ ﻳﺪﺭﻭﻥ ﺇﻟﻰ ﺃﻳﻦ ﻳﺴﺎﻗﻮﻥ؟
ﻓﻠﻤﺎ ﺭﺃﻭﺍ ﺃﻣﻬﻢ ﺗﻌﻠﻘﻮﺍ ﺑﻬﺎ،ﻳﺒﻜﻮﻥ،ﻓﺎﻧﻜﺒّﺖ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺗﻘﺒّﻠﻬﻢ ﻭﺗﺸﻤﻬﻢ ﻭﺗﺒﻜﻲ، ﻭﺃﺧﺬﺕ ﺃﺻﻐﺮﻫﻢ ﻭﺿﻤّﺘﻪ ﺇﻟﻰ ﺻﺪﺭﻫﺎ، ﻭﺃﻟﻘﻤﺘﻪ ﺛﺪﻳﻬﺎ.!
ﻓﻠﻤﺎ ﺭﺃﻯ ﻓﺮﻋﻮﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻨﻈﺮ، ﺃﻣﺮ ﺑﺄﻛﺒﺮﻫﻢ، ﻓﺠﺮّﻩ ﺍﻟﺠﻨﻮﺩ ليﺩﻓﻌﻮﻩ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺰﻳﺖ ﺍﻟﻤﻐﻠﻲ.ﻭﺍﻟﻐﻼﻡ ﻳﺼﻴﺢ ﺑﺄﻣﻪ ﻭﻳﺴﺘﻐﻴﺚ، ﻭﻳﺴﺘﺮﺣﻢ ﺍﻟﺠﻨﻮﺩ؛ﻭﻳﺘﻮﺳﻞ ﺇﻟﻰ ﻓﺮﻋﻮﻥ؛ﻭﻳﺤﺎﻭﻝ ﺍﻟﻔﻜﺎﻙ ﻭﺍﻟﻬﺮﺏ؛ﻳﻨﺎﺩﻱ ﺇﺧﻮﺗﻪ ﺍﻟﺼﻐﺎﺭ ؛ﻭﻳﻀﺮﺏ ﺍﻟﺠﻨﻮﺩ ﺑﻴﺪﻳﻪ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮﺗﻴﻦ،ﻭﻫﻢ ﻳﺼﻔﻌﻮﻧﻪ ﻭﻳﺪﻓﻌﻮﻧﻪ،ﻭﺃﻣﻪ ﺗﻨﻈﺮ ﺇﻟﻴﻪ، ﻭﺗﻮﺩّﻋﻪ!!
ﻓﻤﺎ ﻫﻲ ﺇﻻ ﻟﺤﻈﺎﺕ ﺣﺘﻰ ﺃﻟﻘﻲ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﺰﻳﺖ.ﻭﺍﻷﻡ ﺗﺒﻜﻲ ﻭﺗﻨﻈﺮ .ﻭﺇﺧﻮﺗﻪ ﻳﻐﻄﻮﻥ ﺃﻋﻴﻨﻬﻢ ﺑﺄﻳﺪﻳﻬﻢ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮﺓ. ﺣﺘﻰ ﺇﺫﺍ ﺫﺍﺏ ﻟﺤﻤﻪ ﻣﻦ ﻋﻠﻰ ﺟﺴﻤﻪ ﺍﻟﻨﺤﻴﻞ ظ،ﻭﻃﻔﺤﺖ ﻋﻈﺎﻣﻪ البيضاء ﻓﻮﻕ ﺍﻟﺰﻳﺖ.ﻧﻈﺮ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻓﺮﻋﻮﻥ منتصرًا، ﻭﺃﻣﺮﻫﺎ ﺑﺎﻟﻜﻔﺮ ﺑﺎﻟﻠﻪ.ﻓﺄﺑﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﺫﻟﻚ.! ﻓﻐﻀﺐ ﻓﺮﻋﻮﻥ،ﻭﺃﻣﺮ ﺑﻮﻟﺪﻫﺎ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ،ﻓﺴُﺤﺐ ﻣﻦ جلباب ﺃﻣﻪ ﻭﻫﻮ ﻳﺒﻜﻲ ﻭﻳﺴﺘﻐﻴﺚ،ﻓﻤﺎ ﻫﻲ ﺇﻻ ﻟﺤﻈﺎﺕ ﺣﺘﻰ ﺃﻟﻘﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﺰﻳﺖ.!ﻭﻫﻲ ﺗﻨﻈﺮ ﺇﻟﻴﻪ،ﺣﺘﻰ ﻃﻔﺤﺖ ﻋﻈﺎﻣﻪ بالبياض ﻭﺍﺧﺘﻠﻄﺖ ﺑﻌﻈﺎﻡ ﺃﺧﻴﻪ.ﻭﺍﻷﻡ ﺛﺎﺑﺘﺔ ﻋﻠﻰ ﺩﻳﻨﻬﺎ،ﻣﻮﻗﻨﺔ ﺑﻠﻘﺎﺀ ﺭﺑﻬﺎ.
ﺛﻢ ﺃﻣﺮ ﻓﺮﻋﻮﻥ ﺑﺎﻟﻮﻟﺪ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ﻓﺴﺤﺐ ﻭﻗﺮّﺏ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﺍﻟﻤﻐﻠﻲ ﺛﻢ ﺣُﻤﻞ ﻭﻏُﻴﺐ ﻓﻲ ﺍﻟﺰﻳﺖ،ﻭﻓﻌﻞ ﺑﻪ ﻣﺎ ﻓﻌﻞ ﺑﺄﺧﻮﻳﻪ.
ﻭﺍﻷﻡ ﺛﺎﺑﺘﺔ ﻋﻠﻰ ﺩﻳﻨﻬﺎ.ﻓﺄﻣﺮ ﻓﺮﻋﻮﻥ ﺃﻥ ﻳُﻄﺮﺡ ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ ﻓﻲ ﺍﻟﺰﻳﺖ.
ﻓﺄﻗﺒﻞ ﺍﻟﺠﻨﻮﺩ ﺇﻟﻴﻪ،ﻭﻛﺎﻥ ﺻﻐﻴﺮﺍً ﻗﺪ ﺗﻌﻠﻖ ﺑﺜﻮﺏ ﺃﻣﻪ،ﻓﻠﻤﺎ ﺟﺬﺑﻪ ﺍﻟﺠﻨﻮﺩ ،أفلتَ من يدهم ﻭﺍﻧﻄﺮﺡ ﻋﻠﻰ ﻗﺪﻣﻲ ﺃﻣﻪ يبكي،وﺩﻣﻮﻋﻪ ﺗﺠﺮﻱ ﻋﻠﻰ ﺭﺟﻠﻴﻬﺎ، ﻭﻫﻲ ﺗﺤﺎﻭﻝ ﺃﻥ ﺗﺤﻤﻠﻪ ﻣﻊ ﺃﺧﻴﻪالرضيع،ﺗﺤﺎﻭﻝ ﺃﻥ ﺗﻮﺩّﻋﻪ!ﻭﺗﻘﺒّﻠﻪ! ﻭﺗﺸﻤّﻪ! ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﻳﻔﺎﺭﻗﻬﺎ.ﻓﺤﺎﻟﻮﺍ ﺑﻴﻨﻬﺎ وبينهُ،ﻭﺣﻤﻠﻮﻩ ﻣﻦ ﻳﺪﻳﻪ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮﺗﻴﻦ، ﻭﻫﻮ ﻳﺒﻜﻲ ﻭﻳﺴﺘﻐﻴﺚ،ﻭﻳﺘﻮﺳﻞ ﺑﻜﻠﻤﺎﺕ ﻏﻴﺮ ﻣﻔﻬﻮﻣﺔ! ﻭﻫﻢ ﻻ ﻳﺮﺣﻤﻮﻧﻪ.ﻭﻣﺎ ﻫﻲ ﺇﻻ ﻟﺤﻈﺎﺕ ﺣﺘﻰ ﻏﺮﻕ ﻓﻲ ﺍﻟﺰﻳﺖ ﺍﻟﻤﻐﻠﻲ . ﻭﻏﺎﺏ ﺍﻟﺠﺴﺪ،ﻭﺍﻧﻘﻄﻊ ﺍﻟﺼﻮﺕ،ﻭﺷﻤﺖ ﺍﻷﻡ ﺭﺍﺋﺤﺔ ﺍﻟﻠﺤﻢ.!! ﻭﻋﻠﺖ ﻋﻈﺎﻣﻪ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮﺓ ﺑﻴﻀﺎﺀ ﻓﻮﻕ ﺍﻟﺰﻳﺖ ﻳﻔﻮﺭ ﺑﻬﺎ.ﺗﻨﻈﺮ ﺍﻷﻡ ﺇﻟﻰ ﻋﻈﺎﻣﻪ،ﻭﻗﺪ ﺭﺣﻞ ﻋﻨﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺩﺍﺭ ﺃﺧﺮﻯ.!
ﻭﻫﻲ ﺗﺒﻜﻲ،ﻭﺗﺘﻘﻄﻊ ﻟﻔﺮﺍﻗﻪ،لطﻟﻤﺎ ﺿﻤﺘﻪ ﺇﻟﻰ ﺻﺪﺭﻫﺎ! ﻭﺃﺭﺿﻌﺘﻪ ﻣﻦ ﺛﺪﻳﻬﺎ!وكم ﺳﻬﺮﺕ ﻟﺴﻬﺮﻩ!ﻭﺑﻜﺖ ﻟﺒﻜﺎﺋﻪ!
ﻛﻢ ﻟﻴﻠﺔ ﺑﺎﺕ ﻓﻲ ﺣﺠﺮﻫﺎ!ﻭﻟﻌﺐ ﺑﺸﻌﺮﻫﺎ!ﻛﻢ ﻗﺮّﺑﺖ ﻣﻨﻪ ﺃﻟﻌﺎﺑﻪ!ﻭﺃﻟﺒﺴﺘﻪ ﺛﻴﺎﺑﻪ!!
الله الله الله.يا له من موقف عظيم ومن خَطبٍ جلل!
جاﻫﺪﺕ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺃﻥ ﺗﺘﺠﻠﺪ ﻭﺗﺘﻤﺎﺳﻚ،ﻓﺎﻟﺘﻔﺘﻮﺍ ﺇﻟﻴﻬﺎ، ﻭﺗﺪﺍﻓﻌﻮﺍ ﻋﻠﻴﻬﺎ طفلها ﺍﻟﺮﺿﻴﻊ،ﻭﺍﻧﺘﺰﻋﻮه ﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﻳﺪﻳﻬﺎ،ﻭﻛﺎﻥ ﻗﺪ ﺍﻟﺘﻘﻢ ﺛﺪﻳﻬﺎ!
ﻓﻠﻤﺎ ﺍﻧﺘﺰﻉ ﻣﻨﻬﺎ،ملأَ صراخه المكان،ﻭﺑﻜﺖ ﺍﻟﻤﺴﻜﻴﻨﺔ.ﻓﻠﻤﺎ ﺭﺃﻯ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺫﻟﻬﺎ ﻭﺍﻧﻜﺴﺎﺭﻫﺎ ﻭﻓﺠﻴﻌﺘﻬﺎ ﺑﻮﻟﺪﻫﺎ، ﺃﻧﻄﻖ ﺍﻟﺼﺒﻲ ﻓﻲ ﻣﻬﺪﻩ فقاﻝ ﻟﻬﺎ :
ﻳﺎ ﺃﻣﺎﻩ ﺍﺻﺒﺮﻱ ﻓﺈﻧﻚ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﻖ.ﺛﻢ ﺍﻧﻘﻄﻊ ﺻﻮﺗﻪ ﻋﻨﻬﺎ، ﻭﻏﻴِّﺐ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﻣﻊ ﺇﺧﻮﺗﻪ،ﺃﻟﻘﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﺰﻳﺖ،ﻭﻓﻲ ﻓﻤِﻪ ﺑﻘﺎﻳﺎ ﻣﻦ ﺣﻠﻴﺒﻬﺎ!-يا ويلهم من الجبّار المنتقم-ﻭﻓﻲ ﻳﺪﻩ ﺷﻌﺮﺓ ﻣﻦ ﺷﻌﺮﻫﺎ،وﻋﻠﻰ ﺃﺛﻮﺍﺑﻪ ﺑﻘﻴﺔ ﻣﻦ ﺩﻣﻌﻬﺎ.!
ﻭﺫﻫﺐ ﺍﻷﻭﻻﺩ ﺍﻟﺨﻤﺴﺔ.وﻫﺎﻫﻲ ﻋﻈﺎﻣﻬﻢ ﻳﻠﻮﺡ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﻘﺪﺭ،
ﻭﻟﺤﻤﻬﻢ ﻳﻔﻮﺭ ﺑﻪ ﺍﻟﺰﻳﺖ.ﺗﻨﻈﺮ ﺍﻟﻤﺴﻜﻴﻨﺔ،ﺇﻟﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﻈﺎﻡ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮﺓ، ﻋﻈﺎﻡ ﻣﻦ ؟ ﺇﻧﻬﻢ ﺃﻭﻻﺩﻫﺎ، ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻃﺎﻟﻤﺎ ملأوﺍ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺍﻟﺒﻴﺖ ﺿﺤﻜﺎً ﻭﺳﺮﻭﺭﺍً،ﺇﻧﻬﻢ ﻓﻠﺬﺍﺕ ﻛﺒﺪﻫﺎ،ﻭﻋﺼﺎﺭﺓ ﻗﻠﺒﻬﺎ،ﻃﺎﻟﻤﺎ ﺭﻛﻀﻮﺍ ﺇﻟﻴﻬﺎ،ﻭﺍﺭﺗﻤﻮﺍ ﺑﻴﻦ ﻳﺪﻳﻬﺎ،ﻭﺿﻤﺘﻬﻢ ﺇﻟﻰ ﺻﺪﺭﻫﺎ، ﻭﺃﻟﺒﺴﺘﻬﻢ من حنانها، ﻭﻣﺴﺤﺖ ﺩﻣﻮﻋﻬﻢ ﺑﺄﺻﺎﺑﻌﻬﺎ. ﺛﻢ ﻫﺎﻫﻢ ﻳﻨﺘﺰﻋﻮﻥ ﻣﻦ ﺑﻴﻦ أظافرها،ﻭﻳﻘﺘﻠﻮﻥ ﺃﻣﺎﻡ ﻧﺎﻇﺮﻳﻬﺎ،
ﻭيترﻛﻮﻫﺎ ﻭﺣﻴﺪﺓ،وقد ﺗﻮّﻟﻮﺍ ﻋﻨﻬﺎ.لقد فارقوها،كأنّ فؤادهاخَرجَ من صدرها بفَقدِهم.!لكن عمّا ﻗﺮﻳﺐ ﺳﺘﻜﻮﻥ ﻣﻌﻬﻢ.ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﺗﺤﻮﻝ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﻭﺑﻴﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺬﺍﺏ! ﺑﻜﻠﻤﺔ ﻛُﻔﺮ ﺗُﺴﻤﻌﻬﺎ ﻟﻔﺮﻋﻮﻥ. ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻋﻠﻤﺖ ﺃﻥ ﻣﺎ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﺧﻴﺮ ﻭﺃﺑﻘﻰ.ﺛﻢ،ﻟﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﺒﻖ ﺇﻻ ﻫﻲ ،ﺃﻗﺒﻠﻮﺍ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻛﺎﻟﻜﻼﺏ ﺍﻟﻀﺎﺭﻳﺔ،وﺩﻓﻌﻮﻫﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﺪﺭ ،ﻓﻠﻤﺎ ﺣﻤﻠﻮﻫﺎ ﻟﻴﻘﺬﻓﻮﻫﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺰﻳﺖ،ﻧﻈﺮﺕ ﺇﻟﻰ ﻋﻈﺎﻡ ﺃﻭﻻﺩﻫﺎ،ﻓﺘﺬﻛﺮﺕ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻬﻢ معها ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ.ﻓﺎﻟﺘﻔﺘﺖ ﺇﻟﻰ ﻓﺮﻋﻮﻥ ﻭﻗﺎﻟﺖ : ﻟﻲ ﺇﻟﻴﻚ ﺣﺎﺟﺔ أيها الطاغية المتكبّر. ﻓﺼﺎﺡ ﺑﻬﺎ ﻭﻗﺎﻝ: ﻣﺎ ﺣﺎﺟﺘﻚ؟ ﻓﻘﺎﻟﺖ: ﺃﻥ ﺗﺠﻤﻊ ﻋﻈﺎﻣﻲ ﻭﻋﻈﺎﻡ ﺃﻭﻻﺩﻱ ﻓﺘﺪﻓﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﻗﺒﺮ ﻭﺍﺣﺪ.!قال:لكِ حقٌ في ذلك.ﺛﻢ ﺃﻏﻤﻀﺖ ﻋﻴﻨﻴﻬﺎ،وذكرت الله،ﻭﺃﻟﻘﻴﺖ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺪﺭ ،ﻭﺍﺣﺘﺮﻕ ﺟﺴﺪﻫﺎ،ﻭﻃﻔﺖ ﻋﻈﺎﻣﻬﺎ،وانتشرت رائحة زكيّة في الأرجاء.
ﻓﻠﻠﻪ ﺩﺭﻫﺎ،ﻣﺎ ﺃﻋﻈﻢ ﺛﺒﺎﺗﻬﺎ،ﻭﺃﻛﺜﺮ ﺛﻮﺍﺑﻬﺎ.
ﻭﻟﻘﺪ ﺭﺃﻯ ﺍﻟﻨﺒﻲ-عليه من الله افضل الصلاة وأتمّ التسليم-
ﻟﻴﻠﺔ ﺍﻹﺳﺮﺍﺀ ﺷﻴﺌﺎً ﻣﻦ ﻧﻌﻴﻤﻬﺎ، ﻓﺤﺪّﺙ ﺑﻪ ﺃﺻﺤﺎﺑﻪ ﻭﻗﺎﻝ ﻟﻬﻢ ﻓﻴﻤﺎ ﺭﻭﺍﻩ ﺍﻟﺒﻴﻬﻘﻲ : ( ﻟﻤﺎ ﺃﺳﺮﻱ ﺑﻲ ﻣﺮﺕ ﺑﻲ ﺭﺍﺋﺤﺔ ﻃﻴﺒﺔ .. ﻓﻘﻠﺖ : ﻣﺎ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺮﺍﺋﺤﺔ ؟ ﻓﻘﻴﻞ ﻟﻲ : ﻫﺬﻩ ﻣﺎﺷﻄﺔ ﺑﻨﺖ ﻓﺮﻋﻮﻥ ﻭﺃﻭﻻﺩُﻫﺎ .. ).
ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻛﺒﺮ ﺗﻌﺒﺖ ﻗﻠﻴﻼً ،ﻟﻜﻨﻬﺎ ﺍﺳﺘﺮﺍﺣﺖ ﻛﺜﻴﺮﺍً ،ﻣﻀﺖ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﺔ ﺇﻟﻰ ﺧﺎﻟﻘﻬﺎ،ﻭﺟﺎﻭﺭﺕ ﺭﺑﻬﺎ،
ﻭﻳﺮﺟﻰ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻓﻲ ﺟﻨﺎﺕ ﻭﻧﻬﺮ ،في ﻣﻘﻌﺪ ﺻﺪﻕ ﻋﻨﺪ ﻣﻠﻴﻚ ﻣﻘﺘﺪﺭ، ﺃﺣﺴﻦ ﺣﺎﻻً ومآلاً،ﻭﺃﻛﺜﺮ ﻧﻌﻴﻤﺎً ﻭﺟﻤﺎﻻً.
ﻭﻋﻨﺪ الإمام ﺍﻟﺒﺨﺎﺭﻱ ﺃﻥ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ -صلى الله عليه وسلم،ﻗﺎﻝ : «ﻟﻮ ﺃﻥ ﺍﻣﺮﺃﺓ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﺍﻃﻠﻌﺖ ﺇﻟﻰ ﺃﻫﻞ ﺍﻷﺭﺽ ﻷﺿﺎﺀﺕ ﻣﺎ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﻭﻟﻤﻸﺗﻪ ﺭﻳﺤﺎً،ﻭﻟﻨﺼﻴﻔﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺭﺃﺳﻬﺎ ﺧﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ.»
ﻭﺭﻭﻯ ﻣﺴﻠﻢ ﺃﻧﻪ -صلى الله عليه وسلم،ﻗﺎﻝ :« ﻣﻦ ﺩﺧﻞ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﻳﻨﻌﻢ ﻻ ﻳﺒﺆﺱ-وفي رواية لا يبأس- ، ﻻ ﺗﺒﻠﻰ ﺛﻴﺎﺑﻪ ، ﻭﻻ ﻳﻔﻨﻰ ﺷﺒﺎﺑﻪ . ﻭﻟﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﻣﺎ ﻻ ﻋﻴﻦ ﺭﺃﺕ ، ﻭﻻ ﺃﺫﻥ ﺳﻤﻌﺖ ، ﻭﻻ ﺧﻄﺮ ﻋﻠﻰ ﻗﻠﺐ ﺑﺸﺮ».
ألا والذي نفسي بيده،فهذه الماشطة ضربت لنا من معاني الصبر أسماهُ،ومن قوة الإيمان أعلاهُ.
#ناجي لبدة#