اقلام حرة

لِمَنْ هذه البلادُ؟ / باسل الرفايعة

تُراها لِمَنْ يحضنونَ ترابها، ويسيرونَ في هواها، ملفوفينَ بالعَلَمِ الأردنيِّ في جنازةٍ عسكريّةٍ. أم أنها لِمَن أفسدوا فيها، وأكثروا حواضنَ اليأسِ والفقرِ والإرهابِ، وقالوا: أولادنا في هارڤرد، وأولادكم في الخنادق.

لِمَنْ هي الكركُ وإربدُ والبلقاءُ. لِمَنْ كانَ لهم القصرُ باذخاً، والليلُ راقصاً في عروضِ الأزياء، وَكَانَ دامياً وحزيناً ومكسوراً في القطرانةِ وعيّ والمفرق.

لِمَنْ كانَ لهم وَلَدٌ في الجيشِ، يقفزُ بمظلّةٍ، ويأكلُ من حَشاشِ الأَرْضِ في دورةِ الصاعقة، ليعودَ إلى أمِّهِ نحيلاً وأسمرَ، وقد يرجعُ إلى حضنها أبيضَ.. أبيضَ مُضيئاً في كَفَن.

لِمَنْ باعَ أرضاً حولَ الْبَيْتِ، ليذهبَ الأولادُ والبناتُ إلى الجامعة، ويناموا طويلاً في قوائمِ الخدمةِ المدنيَّة، ويفوزَ أبناءُ اللصوصِ بالبعثاتِ الدبلوماسية. يغضبُ الوزيرُ لأنَّ الوَلدَ باتَ مُلحقاً في القاهرة، وَلَيْسَ في واشنطن.

يكتبُ رئيسُ الوزراءِ المتقاعد من قصره في الغابةِ المتراميةِ على الجَبَل: الرحمةُ لشهدائنا في الكَرك. حمى الله الأردن. يُغرِّدُ الفتى المحظوظُ في السفارة: قلبي معكَ يا وطني.

الجَبَلُ لَكَ، والغابةُ، والسفارةُ، ولَكَ خبزنا، ودمُ الشرطيِّ في الكَرك. كلُّ هذه البلاد لك. الليلةَ فقط، تفقّد أرصدتكَ في البنوكِ، تفقَّدْ وقودَ طائرتكَ، ودع البلادَ، دع صلاةَ الجنازة. أرجوكَ لا تحسدْ أولادنا على توابيت ملفوفة بالعَلَم. لا تحسدهم على لحنِ الرجوعِ الأخير.

الشهداءُ في الكرك. لا يودُّ الرجلُ أنْ يكونَ شهيداً. كانَ ينتظرُ الإجازةَ، ليسألَ زوجته عن بقايا الراتبِ، وأقساطِ الجامعة. ويسألُ أمَّه عن الفتاةِ الخجولةِ التي تعودُ كلّ خميسٍ من جامعةِ مؤتة. وهَلْ فاتحتْ أمَّها بالموضوع. وَكَانَ يُفكِّرُ بالمهرِ والذهبِ والأثاثِ، وتفاصيلِ الزفاف.

أنتِ لِمَنْ أيَّتها البلادُ. قُولي لنا مرَّةً واحدة. لسنا أولادكِ وبناتكِ، حينَ تزرعينَ الموتَ لنا فقط، وترفعينَ كأسكِ في صحّةِ اللصوصِ والشطّارِ والهمج …

مقالات ذات صلة

إغلاق