الرئيسيةمقالاتمنظمة همسة سماء

لغة الجسد: الكلمات الصامتة التي تغيّر علاقاتنا دون أن نعرف

فاطمة ابوواصل إغبارية

قبل أن نتكلم، تتكلم أجسادنا.
وقبل أن يصل صوتنا إلى أذن الآخر، تكون نظراتنا قد وصلت إلى قلبه.
إنها اللغة التي لا ندرسها في المدارس، لكنها تتحكم في كثير من لحظات حياتنا: لغة الجسد.

الناس لا يصدقون ما نقوله بقدر ما يصدقون ما يظهر منا.
وكثيرًا ما نفشل في العلاقات أو في العمل أو في تكوين صداقات جديدة… ليس بسبب الكلمات، بل بسبب رسائل صامتة خرجت منا دون أن ندري.

لماذا تؤثر لغة الجسد أكثر من الكلمات؟

لأن العقل البشري مبرمج منذ آلاف السنين على قراءة الإشارات قبل الأصوات.
فالطفل يفهم حضن الأم قبل أن يفهم كلماتها، والإنسان البدائي كان يعرف الصديق من العدو بنظرة قبل أن يعرفه بصوت.

ولهذا، تبقى لغة الجسد بسرعة وإيقاع أقوى من الكلمات.

كلمة “أنا بخير” يمكن أن تقولها بوجهٍ متعب فتتحول من طمأنة إلى صرخة.
وكلمة “أهلاً” يمكن أن تُقال بابتسامة صادقة فتصبح دعوة حقيقية للقرب.

النظرة الأولى… ليست كذبة

يقول الخبراء إن الانطباع الأول يتكوّن خلال 7 ثوانٍ فقط.
في تلك الثواني القليلة، لا يسمع الناس أفكارك، بل يرون:
• طريقة وقوفك
• نبرة عينيك
• حركتك البسيطة
• انفتاح جسدك أو انغلاقه

ولذلك، يحدث كثيرًا أن تشعر بالارتياح تجاه غريب لم يتكلم، أو تنفر من آخر رغم أنه لم يقل كلمة واحدة.
الجسد يقرر قبل العقل.

لغة الجسد التي تقرّبنا… ولغة الجسد التي تُبعدنا

هناك إشارات بسيطة تغيّر المسافة بيننا وبين الآخرين:

إشارات تقرّب:
• الابتسامة الصادقة (وليست تلك التي ترتفع فيها الشفاه فقط دون العينين)
• الميل الخفيف بالرأس دليل اهتمام
• فتح الكتفين دليل ترحيب
• تواصل بصري هادئ غير مُلح

إشارات تُبعد:
• عبوس غير مقصود
• ذراعان متقاطعان كأنك تبني جدارًا
• نظرات مشتتة تدل على عدم اكتراث
• الاقتراب المفرط من المساحة الشخصية

العلاقات تُبنى على هذه التفاصيل البسيطة أكثر من الكلمات الطويلة.

حين يقول الجسد ما لا يريد اللسان قوله

في كثير من المواقف الحساسة، يتحدث الجسد نيابة عنّا:
في الحب، يبدأ القلب بالاقتراب قبل أن تبدأ الكلمات.
وفي الخوف، تتوتر الأكتاف قبل أن يعترف اللسان.
وفي الغضب، تشتد الذقن قبل أن يعلو الصوت.

لقد قيل إن لغة الجسد هي “الحقيقة التي لا تعرف كيف تكذب”.
قد نكذب بالكلمات… لكن الجسد يكشف ما نحاول إخفاءه.

كيف تتحول لغة الجسد إلى قوة في العلاقات؟

ليست الفكرة أن نمثل أو نتعلم حركات مصطنعة.
الفكرة أن نتعرّف إلى أجسادنا، إلى تلك اللحظات التي نغلق فيها أيدينا دون سبب، أو التي نخفض فيها أعيننا حين نخجل، أو التي نقترب فيها ممن نحب دون أن نشعر.

الوعي بلغة الجسد يمنحنا:
• قدرة على إصلاح سوء الفهم
• حساسية أكبر تجاه مشاعر الآخرين
• تواصلًا أعمق في الحب والصداقة
• حضورًا أهدأ وأكثر ثقة

هل يمكن للغة الجسد أن تكون أصدق من اللغة المنطوقة؟

نعم، لأنها ليست نتيجة تفكير، بل نتيجة إحساس.
حين يضع إنسانٌ يده على كتفك في لحظة تعب، لا تحتاج إلى خطاب.
وحين يتراجع جسدٌ عنك قليلًا رغم الكلمات الجميلة، تفهم أن شيئًا ما ليس بخير.

الأجساد تعرف قبل أن تعرف العقول.

الخلاصة: نحن نتحدث طوال الوقت… حتى عندما نصمت

لغة الجسد ليست مهارة إضافية، بل جزء من طبيعتنا.
ومعرفة هذه اللغة تجعلنا نرى العالم بشكل مختلف، فنفهم الآخرين أكثر مما يقولون، ونفهم أنفسنا أكثر مما نظن.

إنها اللغة الصامتة التي تُصلح علاقات، وتُفسد أخرى، وتفتح أبوابًا، وتغلق أبوابًا… دون أن تنطق بكلمة واحدة

ودمتم بخير اصدقائي

إغلاق