الرئيسية
✦ قراءة أدبية في قصيدة «عاشق النورس» ✦ لشاعر الأمة محمد ثابت بقلم الأديب الكويتي ( خالد المويهان ) ” مدير مركز الشعر الاعلامي “
شاعر الأمة محمد ثابت

✦ قراءة أدبية في قصيدة «عاشق النورس» ✦
لشاعر الأمة محمد ثابت
بقلم الأديب الكويتي
( خالد المويهان )
” مدير مركز الشعر الاعلامي ”
——
في قصيدته «عاشق النورس» يرسم الشاعر محمد ثابت لوحة شعرية متقنة تُجسّد الاغتراب الإنساني في أعمق صوره، وتكشف عن مأساة الروح التي تبحث عن دفءٍ في عالمٍ باردٍ تهيمن عليه الخذلان والرحيل.
منذ مطلع النص، يضعنا الشاعر في مواجهةٍ مباشرة مع العزلة والبرد والخذلان:
وَحْدَكْ !!
وَفِي بَرْدِ الشِّتَاءْ
هُم يَتْرُكُونَكَ فِي العَرَاءْ !!
هذه الافتتاحية تشكّل مشهدًا دراميًّا كثيفًا، تُحاصر فيه الذات الشاعرة بين قسوة الطبيعة وبرود المشاعر، فيتجلى الشتاء هنا كرمزٍ للوحشة، بينما العراء إشارة إلى انكشاف الإنسان أمام قسوة الواقع.
يمزج الشاعر بين التجريد والرمز حين يخاطب النورس – طائر الحرية والسفر – فيجعله مرآة للذات، كأن “عاشق النورس” هو الشاعر نفسه؛ ملاحٌ أبديّ تائه بين الأمواج، يبحث عن مرفأ يضمه بعد طول تيه.
يَا أَيُّهَا الجَبَّارُ !!
يَا مَنْ تَعْشَقُ المَلاَّحَ وَالنَّوْرَسْ !!
تَبْكِي عَلَى الصَّيْفِ البَعِيدْ !!
في هذه المقاطع، يعلو صوت الأسطورة الشعرية، حيث يتحوّل النورس إلى كائنٍ رمزيٍّ يجسد الحرية الموجعة، فهو عاشق للبحر والملاح، لكنه لا ينتمي إلى مكان. بكاؤه على “الصيف البعيد” هو بكاء على الدفء المفقود، على زمنٍ من الصفاء والضوء، في مقابل برد الشتاء ووحشة الغياب.
ويستمر الشاعر في تصوير الخذلان الإنساني:
تَبْكِي عَلَى مَنْ غَادَرُوكْ !!
قُلْ لِي لِمَاذَا وَدَّعُوكْ ؟!
هنا يتكرر السؤال، لا طلبًا لإجابة، بل بوصفه صرخة وجودية تخرج من أعماق من ذاق مرارة الفقد، فيتحوّل النص إلى مرثية للوفاء الغائب، وإدانة للعالم الذي لم يعرف كيف يحتضن الحساسين من أبنائه.
ويختتم الشاعر نصّه بعودةٍ إلى الصمت، حيث يسري العاشق في المدى كأنه نغمة حزينة تذوب في الأفق:
وَتَرُوحُ فِي صَمْتٍ عَمِيقْ
يَا سَارِيًا بَيْنَ المَضِيقْ
إنها نهاية تتماهى فيها الذات مع البحر والريح والمضيق، فيتحقق الاندماج الكامل بين الإنسان والطبيعة، بين الحزن والأبد.
⸻
✦ الخلاصة ✦
قصيدة «عاشق النورس» هي نشيد للروح المنفية، تعبّر عن وحدة الإنسان في زمنٍ فقد دفء الإنسانية.
مزج الشاعر بين جمال الصورة ورهافة الإيقاع، فجاءت لغته مشبعة بالموسيقى الداخلية، وإيحاءات البحر والشتاء والنورس، التي تتحول جميعها إلى رموز للبحث، والفقد، والأمل المؤجل.
إنها قصيدة لا تُقرأ بعين العقل فقط، بل تُسمع بوجدان القلب، فهي مرآةٌ تعكس عمق التجربة الإنسانية في لحظة انكسارها ونهوضها في آنٍ واحد.
——
بقلم خالد المويهان
——
عَـاشِـقُ الـنَّـوْرَس !! قصيدة لشاعر الأمة محمد ثابت ٠
——-
وَحْـدَكْ !!
وَفِي بـَرْدِ الشِّـتَـاءْ
هُم يـَتْـرُكُـونـَكَ فِي العَــرَاءْ !!
تـَتَصَـارَعُ الأَحْـيَـاءُ فِي أَعْمَـاقِ
أَعْمَـاقِـكْ !!
تـَبْـكِي وَأَنـْتَ الـرَّمْــزُ وَالمَـعْنَـى
…؛وَأَنـْتَ الاحْـتِـوَاءْ !!
يـَأْتـُونَ دَوْمَـاً كُـلَّ عَـامْ
يـَأْتـُونَ يـَبْـغُـونَ الـوِئـَامْ …؛
يـَأْتـُونَ يـَبْغُــونَ السَّـمَـاحْ …؛
وَمِـنَ الغَـرَابـَةِ تـَسْتَجِـيبْ !!
وَالمَـوْجُ يـَبْـكِي وَالـنَّحِيبْ !!
يـَا أَيـُّهَـا الـجَـبَّـارُ !!
يـَا مَـن تـَعْـشَـقُ المَــلاَّحَ وَالـنَّـوْرَسْ !!
تـَبْكِـي عَلِي الصَّـيْفِ الـبَعِيــدْ !!
تـَبْكِـي عَلَى شَـمْسٍ تــَذُوبُ مَـعَ
الـتُّـخُــومْ !!
تـَبْكِـي عَلَى قـَمَــرٍ بـِلَـيْـلٍ حَـالِـكٍ
يـَأْتـِيـكَ مِـنْـهُ شُـعَـاعُ ضَــوْءٍ
نــُورُهُ شَــقَّ الـغُـيُـومْ !!
تـَبْكِـي عَـلَى مَـن غَـادَرُوا !!
قـُلْ لِـي لِـمَـاذَا وَدَّعُــوكْ ؟!
يـَا شَـارِدَاً فـَـوْقَ الـرِّمَـالْ !!
تـَعْـلُـو فـَتَـمْتَـلِكُ الجِـبَـالْ !!
وَتـَرُوحُ فِـي صَـمْتٍ عَـمِيـقْ !!
يـَا سَـارِيـَاً بـَينَ المَـضِــيـقْ !!
تـَبْـكِي عَـلَى مَـن غَـادَرُوكْ !!
قـُلْ لِـي لِـمَـاذَا وَدَّعُــوكْ ؟!
وَحْـدَكْ !!
وَفِي بـَرْدِ الشِّـتَـاءْ !!
تـَجْـرِي وَيـَسْـبِـقُكَ الهَــوَاءْ !!
وَتـَرُوحُ فِـي صَـمْتٍ عَـمِيـقْ !!
يـَا سَـارِيـَاً بـَينَ المَـضِــيـقْ !!
تـَبْـكِي عَـلَى مَـن غَـادَرُوكْ !!
قـُلْ لِـي لِـمَـاذَا
وَدَّعُــوكْ ؟!
—
قصيدة لشاعر الأمة
محمد ثابت
مؤسس شعبة شعر الفصحى باتحاد كتاب مصر
مؤسس نوادي الأدب بإقليم شمال الصعيد الثقافي


