الرئيسية
“وكان لقاؤنا” قراءة أدبية في قصيدة شاعر الأمة / محمد ثابت بقلم الإعلامي الكويتي / خالد المويهان (مدير مركز الشعر الإعلامي)
شاعر الأمة محمد ثابت

“وكان لقاؤنا”
قراءة أدبية في قصيدة شاعر الأمة / محمد ثابت
بقلم الإعلامي الكويتي / خالد المويهان
(مدير مركز الشعر الإعلامي)
⸻
تمثل قصيدة “وكان لقاؤنا” للشاعر محمد ثابت تجربة شعرية مكتملة الأركان، فهي ليست مجرد بوح وجداني، بل بناء فني يعكس عمق الحس الإنساني وثراء الخيال الشعري. إننا أمام نص يقدّم الحب في صورته الأنقى: حلمًا يتجاوز المستحيل، ووصالًا يُعيد للروح إشراقها بعد زمن طويل من الغياب والحرمان.
بين المستحيل والجمال
يستهل الشاعر قصيدته بمفارقة بليغة:
وكان لقاؤنا حلمًا محالاً / لقاءٌ يملأ الدنيا جمالا
في هذا الاستهلال يضع القارئ مباشرة أمام ثنائية “المحال” و”الجمال”. اللقاء هنا ليس واقعة عابرة، بل حدث يتجاوز حدود الزمان والمكان، ليتحوّل إلى قيمة كونية تغيّر ملامح العالم. إن هذا التوظيف للغة يعكس قدرة الشاعر على تحويل التجربة الشخصية إلى معنى إنساني شامل.
الدراما الشعورية
القصيدة تتحرك بخطاب عاطفي درامي متنامٍ؛ يبدأ بالصبر على الهجر، ويصوّر مرارة الغياب، ثم يندفع إلى لحظة اللقاء باعتبارها خلاصًا وانتصارًا:
ففزت بوصْلها من بعد هجرٍ / وكان الهجرُ ذلًّا واغتيالا
هذا البعد الدرامي يجعل القارئ يعيش التجربة بعمق، فهو ينتقل مع الشاعر من الانكسار إلى الانتصار، ومن دموع الحرمان إلى فرح الوصال. النص هنا لا يحكي مشاعر جامدة، بل يبني رحلة شعورية متكاملة.
الصور الشعرية
أحد أهم عناصر جمال القصيدة هو ثراؤها بالصور البلاغية التي تتحول إلى رموز دالة:
• فقام القلب يرقص في ضلوعي → صورة للحب وقد تجسّد فرحًا نابضًا بالحياة.
• بسيف الحب أتقنت القتالا → تجعل من الحب سلاحًا ومقاومة، لا ضعفًا أو خضوعًا.
• ونار الشوق تشتعل اشتعالا → صورة حسية تؤكد أن العاطفة شعلة متقدة لا تهدأ.
هذه الصور ليست زخرفًا بلاغيًا، بل أدوات فنية تنقل التجربة للقارئ بحيوية وصدق.
الإيقاع والموسيقى
اعتمد الشاعر على وحدة القافية والإيقاع المتزن، مما أضفى على النص نغمة موسيقية مبهرة. هذا الإيقاع الموحّد يعكس تماسك التجربة، ويجعل النص قابلاً للإنشاد والترديد، وهو ما يزيد من أثره العاطفي لدى المتلقي.
البعد الروحي
من أعمق لحظات القصيدة ما جاء في قوله:
كأنَّ العشق في الدنيا هواءٌ / وعشقُ الروح من ربي تعالى
في هذا البيت يرتفع الحب من تجربة إنسانية شخصية إلى عطية ربانية. هنا يتحول العشق من عاطفة أرضية إلى طاقة روحية، تُطهّر النفس وترتقي بها إلى مراتب الصفاء.
وعي الشاعر بذاته
يختتم الشاعر نصه بإعلان واثق عن فرادته:
أنا القلم الذي لا فُضَّ فوهُ / وغيري عاجزٌ يبغي المحالا
إنه ختام يعبّر عن وعي الشاعر بمكانته وإيمانه برسالته، وهو ليس مجرد اعتداد بالذات، بل إصرار على أن الشعر الصادق يظل شاهدًا خالدًا على تجربة حقيقية لا يمكن تقليدها.
⸻
خلاصة
قصيدة “وكان لقاؤنا” للشاعر محمد ثابت ليست مجرد قصيدة غزلية تقليدية، بل نص متكامل يجمع بين صدق العاطفة وروعة التصوير وسمو المعنى. هي رحلة شعرية تمزج بين الألم والفرح، بين الهجر والوصال، بين الأرضي والروحي.
لقد نجح الشاعر في أن يجعل من قصيدته شهادة وجدانية تعكس قوة الكلمة حين تنبثق من قلب صادق، وتؤكد أن الشعر ما زال قادرًا على أن يكون حياة تُكتب، وتجربة تُعاش، ورسالة تبقى في الذاكرة٠
——
بقلم الإعلامي الكويتي / خالد المويهان
(مدير مركز الشعر الإعلامي)
—–
وكَانَ لِقَاؤنَا ٠ قصيدة لشاعر الأمة محمد ثابت
—–
وكَانَ لِقَاؤنَا حُلْمًا مُحَالا
لِقَاءٌ يَمْلَأُ الدُّنْيَا جَمَالَا
هِي الرُّوْحُ الَّتِي مِنْهَا وفِيْهَا
يَعِيْشُ الْقَلْبُ زَهْوًا واخْتِيَالَا
كَأنَّ الْعِشِقَ فِي الدُّنْيَا هَوَاءٌ
وعِشْقُ الرُّوْحِ مِنْ رَبِّي تَعَالَى
مَدَدْتُ لَهَا يَدًا بِالْحُبِّ تَسْمُو
لِتُصْبِحَ فِي الْهَوَى رَمْزًا مِثَالَا
فَقَالَتْ والْعُيُونُ تَبُوحُ شَوْقًا
أنا أهْوَاكَ يَا عُمْرِي تَعَالَى
صَبَرْتُ العُمْرَ والأيَّامُ تَمْضِي
كَرِهْتُ مَدَامِعِي بَلْ والْخَيَالَ
وقَامَ الْقَلْبُ يَرْقُصُ فِي ضُلُوعِي رَكِبْتُ الْحُبَّ فاجْتَزْتُ الْمَجَالَا
وودَّعْتُ الْجِرَاحَ ومَا بَرَانِي
وأكْتُبُ لِلْهَوَى شِعْرًا مَقَالا
أقُولُ لِمُقْلَتِي والدَّمْعُ ولَّى
بِسَيْفِ الْحُبِّ أتْقَنْتُ الْقِتَالا
فَفُزْتُ بِوَصْلِهَا مِنْ بَعْد هَجْرٍ
وكَانَ الْهَجْرُ ذُلًّا واغْتِيَالا
لَقِيتُكِ بَعْد إصْرَارٍ طَوِيلٍ
وعَادَيْتُ الْهِضَابَ بَلِ الْجِبَالا
وجَدْتُ حَبِيبَتِي والصِّدْقُ حِسِّي ونَارُ الشَّوْقِ تَشْتَعِلُ اشْتِعَالا
فَنَامِي الْيَوْمَ فِي مَرْمَى عُيُونِي لِأكْتُبَ قِصَّتِي وِدًّا وِصَالا
فَأنْتِ الشِّعْرُ بَلْ أنْتِ الْقَوَافِي
وأنْتِ السِّحْرُ تِيْهًا بَلْ دَلَالا
فَشَاعِرُكِ الْحَبِيبُ يَهِيمُ عِشْقًا ويَغْزِلُ لِلْهَوَى شِعْرًا حَلَالا
أنَا الْقَلَمُ الذِي لَا فُضَّ فُوهُ
وغَيْرِي عَاجِزٌ يَبْغِي الْمُحَالا
أقُولُ الشِّعْرَ والشُّعَرَاءُ بَعْدِي
تَعِيْشُ الْوَهْمَ تَفْتَعِلُ افْتِعَالا
قصيدة لشاعر الأمة
محمد ثابت
مؤسس شعبة شعر الفصحى باتحاد كتاب مصر

