مقالات
هنا تُروى حكايةُ التجفيف الصامت * وأدُ الصّحوة * رؤية * هذه السلسلة يكتبها د. محمد طلال بدران – مدير دار الإفتاء والبحوث الإسلامية * عنوان السلسلة الجديدة: “تجفيف المنابع: كيف يُحاصر الإسلام الناهض؟” * عنوان المقالة: “حين يُخنق النبع.. كيف تُوأد الصحوة في مهدها؟” (1-2-3-4-5-6-7-8-9-10-11-12)
هنا تُروى حكايةُ التجفيف الصامت * وأدُ الصّحوة * رؤية * هذه السلسلة يكتبها د. محمد طلال بدران - مدير دار الإفتاء والبحوث الإسلامية

* عنوان السلسلة الجديدة: “تجفيف المنابع: كيف يُحاصر الإسلام الناهض؟”
* عنوان المقالة: “حين يُخنق النبع.. كيف تُوأد الصحوة في مهدها؟” (01)
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين الصطفى وبعد:
مقدمة السلسلة الجديدة:
في زمن يُرفع فيه شعار “الحرية”، ويُدّعى فيه احترام التعددية، تُخاض حرب صامتة، لا دويّ لها ولا دخان، ضد كل ما يمتّ بصلة إلى الإسلام الحيّ الناهض، الذي يتجاوز حدود الطقوس الفردية ليُشكّل وعيًا ويُحرك أمة،
إنها حرب تجفيف المنابع… لا ضد الإسلام كدين محفوظ في الكتب، بل ضد الإسلام الذي يُربّي، ويُوعّي، ويُلهِم، ويُهدِّد مشاريع الهيمنة والفساد والاستبداد.
حربٌ لا تُعلَن في نشرات الأخبار، لكنها تُمارس بإحكام:
تارةً بإغلاق مؤسسة تربوية،
وتارةً بمحاكمة كلمة على منبر،
وتارةً بمنع تمويلٍ لمشروع خيري،
وتارةً بنفي عالمٍ أو تغييب مفكّر.
وما كان هذا ليتحقق لولا بناء نموذج ديني بديل: إسلامٌ مدجّن منزوع الدسم، منزوع العزة، منزوع الرسالة… إسلامٌ لا يُنكر منكرًا، ولا يُربّي جيلًا، بل يُلهي الناس ويُسكتهم باسم “الاعتدال”، ويُدخلهم في دوامة طقوس بلا مشروع، وخطاب بلا أثر.
في هذه السلسلة، نحاول أن نكشف الستار عن هذه الحرب الهادئة،
نقرأ أدواتها: في الإعلام، والتعليم، والاقتصاد، والدين الرسمي، ونتأمل آثارها: على الفرد، والأسرة، والهوية الجمعية، ثم نبحث، لا عن بكائيات مهزومة، بل عن سُبل لبناء منابع لا تجف، ولو في الظل.
لأن الإسلام الذي أرادوه بلا حياة، لا يزال ينبض في الصدور، وكلما حاولوا خنقه… نبع من جديد.
* حين يُخنق النبع.. كيف تُوأد الصحوة في مهدها؟
– إن النبع الذي يُراد له أن يجف، ليس ماءً ينساب في السواقي، بل هو وعيٌ يتسلّل إلى العقول، ونورٌ يتسلل إلى القلوب، هو ذاك الإسلام الذي يُعيد الإنسان إلى ذاته، ويوقظه من سباته، ويُذكّره بمهمته في عمارة الأرض، ومواجهة الباطل، وإعلاء كلمة الله، ولأن الصحوة تبدأ من هنا -من يقظة الفكرة وحياة الضمير- فإن أول ما يُستهدف هو المنبع، لا الثمرة.
— ليست معركة التجفيف اليوم ضد الإرهاب كما يُزعم، ولا ضد الغلوّ كما يُروّج، بل هي في جوهرها معركة ضد الإسلام حين يستعيد دوره الرسالي في الأمة، ضد الإسلام حين يُصبح مشروعًا، لا طقسًا فرديًا. فالدين الذي يُبارَك هو الذي يُبقي الناس في زواياهم، يتعبدون في صمت، ويُسلّمون واقعهم للطغاة دون أن ينبسوا ببنت شفة.
أما الدين الذي يُنتج إنسانًا حرًّا، نبيهًا، نقيًّا، يرفض الظلم، ويسعى للإصلاح، فهو الخطر الأكبر!
إن تجفيف المنابع يبدأ مبكرًا، من المدرسة التي تُفرغ من القيم، إلى المسجد الذي يُراقَب خطابه، إلى الإعلام الذي يشيطن كل مظهر للجدية الإسلامية، ويُستكمل بالتضييق على المؤسسات الخيرية، وإغلاق الجمعيات الدعوية، وتجريم العمل التربوي الجاد، وتحويل الخطاب الديني الرسمي إلى أداة ترويض بدلاً من أن يكون وسيلة بعث.
والأنكى من ذلك، أن تُفرَض نماذج دينية بديلة، يعلو فيها صوت “المعتدل المُطيع” الذي لا يعترض ولا يُقلق النظام، وتُقدَّم للناس نماذج مشوّهة للمصلحين حتى يُصاب الجيل بالحيرة ويكره كل مظهر للالتزام والوضوح والرسالية.
تُوأد الصحوة في مهدها حين يُمنع المربّي من تربية جيل، ويُراقب الخطيب في كل لفظ، ويُحارب المفكر في لقمة عيشه، ويُشوَّه الداعية في وعي الناس، وتُدار المساجد كما تُدار الإدارات الأمنية!
ومع كل هذا، فإنّ المكر لا يفلح في محو الفطرة، ولا في وأد النور.
فما دام في الأمة قلب نابض، وذاكرة حية، وقرآن محفوظ، فهناك منابع لا تجف،
تنتظر منّا فقط أن نحرسها… ونغرس غيرها إن جفّت… ولكم مني التحية والسلام.
* عنوانُ مقالة الغد بمشيئة الله: “من المدرسة إلى المنبر: كيف يُعاد تشكيل الخطاب؟”
* اللهم الطُف بعبادك المؤمنين المستضعفين يا رب العالمين، اللهمّ فرجًا قريبًا من عندك يا الله.
* مقالة رقم: (2044)
* 12 . صفَر .1447 هـ
* الأربعاء . 06.08.2025 م
باحترام: د. محمد طلال بدران (أبو صهيب)
*************
* هنا تُروى حكايةُ التجفيف الصامت
* ترويض
* رؤية
* هذه السلسلة يكتبها د. محمد طلال بدران – مدير دار الإفتاء والبحوث الإسلامية
* عنوان السلسلة: “تجفيف المنابع: كيف يُحاصر الإسلام الناهض؟”
* عنوان المقالة: “من المدرسة إلى المنبر: كيف يُعاد تشكيل الخطاب؟” (02)
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين الصطفى وبعد:
* في مشهد متقن الإخراج، تُعاد صياغة وعي الأجيال، لا عن طريق المنع الفجّ، بل من خلال إعادة تشكيل البيئة التربوية والدينية بصمتٍ مدروس، فالتجفيف لا يبدأ بإغلاق المساجد أو فصل المعلمين، بل بتغيير ما يُقال في المنبر، وما يُدرَّس في الصف، وما يُغرس في النفوس على أنه “الدين المقبول”.
* المدرسة: هندسة العقول منذ الطفولة
لقد شهدت المناهج الدراسية تغييرات عميقة، ليس في شكلها فقط، بل في مضمونها وهويتها، أُقصِيَت الموضوعات التي تُربّي على عزة المسلم، أو تعزّز وعيه التاريخي بالصراع مع الظلم والاستعمار، حُذفت المصطلحات التي كانت تُغرس في الوجدان: “الجهاد”، “الخلافة”، “الولاء والبراء”، “التمكين”، وحلّ محلها خطاب باردٌ مفرَّغٌ من الروح، يدور حول “التسامح” و”التنوع” بمعناهما المبتور.
بل إن التربية الإسلامية نفسها تحوّلت من مادة تشكيل وعي، إلى مادة معلومات جامدة، تُقدَّم كما تُقدَّم الكيمياء والرياضيات، لا تحمل رسالة، ولا تصنع وجدانًا.
* المعلم: من مربٍّ إلى مروّض
صار مطلوبًا من المعلم أن يُدرّس بحذر، أن يتجنّب المواضيع “الحساسة”، وألا يُعبّر عن قناعاته، حتى لو كانت من صميم الإسلام، بات يخشى أن يُتهم بـ”التحريض” أو بـ”التطرف” إذا ذكر شيئًا من آيات الجهاد، أو تحدث عن الهوية، أو استعان بسيرة الصحابة،
أُريد له أن يتحوّل إلى موظف إداري، لا مربّي أجيال، والأخطر أن كثيرًا من المعلمين، تحت وطأة الخوف أو الرغبة في الأمان، بدأوا يمارسون الرقابة الذاتية، بل ويبررون هذا المسار الجديد.
* خطبة الجمعة: منبر بلا لهب
في قلب المساجد، حيث يُفترض أن يكون صوت الحق مرتفعًا ومؤثرًا، صار الخطاب مقيدًا، متروّضًا، يتجنب الجوانب التي تثير الوعي أو تستفز القلوب، ما كان يومًا منبرًا للنصرة، وللتحفيز على التغيير، صار ساحة لـ”الاعتدال” المفرط الذي يلهي عن جوهر الرسالة ويطفئ روحها.
تُفرض قيود على المواضيع التي تلامس الواقع السياسي والاجتماعي، ويُشترط أن تكون الخطبة ضمن إطار لا يُحرج السلطات، ولا يزعج التيارات الحاكمة، ولا يدعو إلى التغيير الحقيقي، باتت الكلمات تُوزّع بحذر، وتُخفّف الجمل، حتى لا تكون هناك نيران تلتهب بها النفوس.
المحرّماتُ كثيرة، والرقابةُ مشددة، فلا يُسمح بالحديث عن مظالم شعبنا أو عن قضايا الأرض والكرامة، منبر الجمعة، الذي كان منبرا للثورة والتصدي، صار ممراً للرسائل المخففة والمواضيع العامة.
* النتائج: نزع الدين من الوجدان
حين تتحول المدرسة إلى مجرد مكان لتلقين المعلومات، ويصبح المعلم مجرّد موظف مرعوب، وتتحوّل خطبة الجمعة إلى رسالة مخففة لا تُحرك الشعور، نصل إلى مرحلة تمُت فيها الحياة الدينية والروحية، ويُفقِد الدين دوره في تشكيل الوعي والنفس.
ينشأ جيل ضعيف الهوية، متخبط بين فراغ روحي وواقع قاسٍ، لا يجد في خطابه الديني من يلهمه أو يحرك فيه الحماس، جيل يبحث عن معنى في مكان آخر، ربما في فضاءات التكنولوجيا أو ثقافات أخرى، لا في كتب المدرسة ولا في منابر المساجد.
* خاتمة: من يبني الوعي الحقيقي؟
العودة إلى الدين كوعي ووجدانية تحتاج إلى شجاعة في مواجهة السياسات التي تسعى إلى “ترويض” الخطاب، وإلى إعادة النظر في المناهج، وفي أدوار المعلمين والخطباء، لإعادة الدين إلى مكانه الطبيعي: مصدر عزّة وهوية، ومصدر تحرّر وقوة، لا أن يكون مجرد كلمات جامدة ورقائق تخدير.
إن التحدي الحقيقي لا يكمن في القمع الظاهر، بل في هذا التشكيل الخفي الذي يُغيّر الفكر ويُهدئ الروح، ويصنع مواطنين بلا هوية حقيقية، ولا استعداد لمواجهة التحديات.
فهل نعود إلى ديننا الحقيقي؟ أم نظل نعيش في ظلال “الترويض” والفراغ؟ القرار يبدأ من المدرسة، ويمر عبر المعلم، ويُتوجه الشيخ على المنبر… ولكم مني التحية والسلام.
* اللهم الطُف بعبادك المؤمنين المستضعفين يا رب العالمين، اللهمّ فرجًا قريبًا من عندك يا الله.
* مقالة رقم: (2045)
* 13 . صفَر .1447 هـ
* الخميس . 07.08.2025 م
باحترام: د. محمد طلال بدران (أبو صهيب)
***********
* هنا تُروى حكايةُ التجفيف الصامت
* قمعٌ ناعم
* رؤية
* هذه السلسلة يكتبها د. محمد طلال بدران – مدير دار الإفتاء والبحوث الإسلامية
* عنوان السلسلة: “تجفيف المنابع: كيف يُحاصر الإسلام الناهض؟”
* عنوان المقالة: “الشيخ المراقَب والمُعلّم المكمَّم: سجون بلا قضبان” (03)
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين الصطفى وبعد:
في زمن تُداس فيه القيم تحت أقدام “الأمن الثقافي”، ويُصادَر فيه العقل قبل أن يُصادَر الجسد، يقف الشيخ والمعلم في موقع بالغ الحساسية، لم تعد الرقابة سجنًا أو محاكمةً، بل صارت جدارًا صامتًا يحيط بالكلمة ويُحاصر النوايا، باتت حرية الكلمة مشروطة، والسكوت مهارة، والتعبير عن الحق مخاطرة قد لا يُحمَد عقباها.
* المراقبة الناعمة: قيدٌ من نوع آخر
لم تعد الأنظمة بحاجة إلى إعلان عدائها للدين أو رجاله، فهناك وسائل أهدأ وأشد فتكًا: الرقابة الناعمة، يُراقَب الشيخ في خطبته، وتُسجّل كلماته، وتُحلَّل تعبيراته، ويُستدعى بعد كل “زلة” لغوية أو دينية لا تتوافق مع سردية السلطة، أما المعلم، فحركاته في الصف، ونظراته، واختياراته للنصوص، وحتى سكوته، كلها تقع تحت مجهر التدقيق.
ليس مطلوبًا منهما الخطأ ليُعاقبا، بل يكفي أن يكونا “غير مندمجين” مع الخط العام، أو أن يُظهر أحدهما ميلًا لفكرة حية تُوقظ الضمائر، هذا وحده قد يكلفهما النقل، أو التهميش، أو الإقصاء من غير محاكمة…-طبعًا حديثي هنا يدور حول الوصف العام للواقع في عموم بلدان العرب والمسلمين على وجه الخصوص والدول الاخرى التي تدعي زورًا وبهتانا أنها واحات للديمقراطية الزائفة أصلًا-
* تكبيل المنابر، وتحجيم المدارس
المنابر، التي كانت في زمن مضى تعجّ بالحق وتنفث الوعي، تحوّلت إلى أدوات ضبط اجتماعي، خُطَب الجمعة تُراجع قبل إلقائها، والمواضيع يُفرض بعضها ويُمنع بعضها، وكلها تدور في فلك: “لا تُزعج النظام، ولا توقظ النائمين”.. -بل أصبحت الخطب تأتي جاهزة، وما على الإمام سوى قراءتها من الورقة-
أما في المدارس، فالمعلّم ـ الذي كان حاملًا لرسالة بناء الإنسان ـ أصبح موظفًا يحفظ نصوصًا لا يؤمن بها، ويُلقّن قيمًا لا يرى أثرها، ويُحذَّر من “تسييس الدين”، وكأن الدين نُزِع من حياة الناس وصار مجرد شعائر محدودة.
* التأديب الإداري بدل الحُجّة العلمية
أمام أي بروز لصوتٍ حقيقي ناهض، لا تُردّ عليه الحُجج بالحُجج، بل تُواجَه الكلمة بالتأديب، والنقاش بالتحقيق، تُختزل أزمة السلطة مع أصحاب الرأي في “مخالفة التعليمات”، ويُنسَج حولهم ملف وظيفي لا علاقة له بمضمون ما قالوه، بل بـ”توقيت القول” أو “مكانه” أو “انطباعه العام”.
قال تعالى: ﴿وَيُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ﴾ (التوبة: 32)، وهي آية تختصر هذا الصراع بين من يُريد تحجيم الدين وتقييد رجاله، وبين إرادة الله التي تأبى إلا أن يكتمل النور.
* التأثير النفسي: خوفٌ لا يُرى
حين يعيش الداعية أو المعلم تحت التهديد الدائم، ولو من غير اعتقال، فإن النفس تتآكل من الداخل، يصير الخوف شريكًا في كل فكرة، ويتحوّل الحذر إلى نمط حياة، والمجتمع حين يرى رموزه تتردد وتتحاشى الحقيقة، يتسرّب إليه الوهن.
فليس أسوأ من أن تُفرَض على الناس “سجون بلا قضبان”، وأن يُربّى الجيل على أن الجرأة خطر، والحق مغامرة، والصمت حكمة!
* وماذا بعد؟
إن أخطر ما في هذا المشهد ليس التضييق فحسب، بل تكريسه كواقع لا يُقاوَم، المطلوب من الشيخ أن يكون مروّضًا لا مُوقظًا، ومن المعلم أن يكون ناقلًا لا مُلهمًا، بينما رسالة الإسلام نزلت لتكون حاضرة في الواقع، لا مدجّنة في هامشه، لقد قال النبي ﷺ: “أفضلُ الجهاد كلمةُ عدلٍ عند سلطانٍ جائر” (رواه أبو داود والترمذي، وقال حسن صحيح)، فالكلمة ليست ترَفًا، بل جهاد. والمعلم الذي يُوقظ وعي الأجيال، والشيخ الذي يُعيد صياغة المفاهيم الصحيحة، هم أكثر الناس استهدافًا في زمن التضليل.
* ختامًا
إن المعركة على هوية الأمة لا تُدار في الحروب وحدها، بل في غُرَفِ التدريس والمساجد، في الكلمات التي تُقال، والتي يُمنَع أن تُقال، وفي كل مرة يُكتم فيها صوت صادق، يولد خوف جديد، لكنّ الصمت لا يدوم، والحقيقة لا تموت…ولكم مني التحية والسلام.
عنوان مقالة الغد بمشيئة الله: “المنظمات الخيرية تحت المقصلة: لماذا تُغتال الرحمة؟”
* اللهم الطُف بعبادك المؤمنين المستضعفين يا رب العالمين، اللهمّ فرجًا قريبًا من عندك يا الله.
* مقالة رقم: (2046)
* 14 . صفَر .1447 هـ
* الجمعة . 08.08.2025 م
باحترام: د. محمد طلال بدران (أبو صهيب)
***************
* هنا تُروى حكايةُ التجفيف الصامت
* إغتيالُ الرّحمة
* رؤية
* هذه السلسلة يكتبها د. محمد طلال بدران – مدير دار الإفتاء والبحوث الإسلامية
* عنوان السلسلة: “تجفيف المنابع: كيف يُحاصر الإسلام الناهض؟”
* عنوان المقالة: “المنظمات الخيرية تحت المقصلة: لماذا تُغتال الرحمة؟” (04)
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين الصطفى وبعد:
* كيف تُستهدف الجمعيات الإسلامية والمبادرات التطوعية لكونها تمدّ المجتمع بالحياة
منذ عقود، شكّلت المؤسسات الخيرية الإسلامية شريان حياة للمجتمعات، تمدّ المحتاجين بالقوت، وتكفل الأيتام، وتغيث المنكوبين، وتدعم التعليم والصحة في المناطق الأكثر حرمانًا، كانت هذه المؤسسات تُعطي صورة عملية لمعاني التكافل التي أمر بها الإسلام، وتجسد قول الله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ (المائدة: 2).
لكن هذه الصورة الناصعة تحوّلت في كثير من الدول إلى ملف أمني، – خصوصاًا دول منطقتنا المنكوبة- وصار العطاء الخالص موضع اتهام، تحت ذرائع شتى، أبرزها “مكافحة الإرهاب” أو “منع تمويل التطرف”.
* من ميادين العطاء إلى قاعات الاتهام
شهد العالم حملات واسعة لإغلاق مؤسسات خيرية إسلامية، أو تجميد أموالها، أو فرض قيود معقدة على أنشطتها، ما شلّ قدرتها على العمل، وامتدت هذه الحملات لتطال حتى المبادرات التطوعية البسيطة، من توزيع وجبات الإفطار في رمضان إلى حملات التبرع بالملابس.
هذه الإجراءات غالبًا لا تستند إلى أحكام قضائية حاسمة، بل إلى شبهات أو تقارير استخباراتية، ما يحوّل العمل الخيري إلى مغامرة محفوفة بالمخاطر.
* استهداف البنية الاجتماعية
المؤسسات الخيرية لم تكن مجرد وسيط لتوزيع المساعدات، بل كانت ركيزة في بناء الروابط الاجتماعية وصناعة الثقة داخل المجتمع، بإغلاقها تُفكك شبكات التكافل، ويُترك الفقير لمصيره، ويضيع الإطار الذي كان يجمع بين الغني والمحتاج على أساس من الرحمة، لا المصلحة.
وقد ذمّ القرآن الكريم من يصدّون عن أبواب الخير، فقال: ﴿الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا﴾ (الأعراف: 45).
* الذريعة: مكافحة التطرف
الذريعة المتكررة هي أنّ بعض المؤسسات تستغل العطاء لنشر أفكار متطرفة، لكن في كثير من الحالات، لم تثبت هذه الادعاءات، بل استُخدمت لإضعاف أي قوة اجتماعية مستقلة عن الدولة، ولمنع تكوين مجتمع قادر على الاعتماد على نفسه.
النبي ﷺ أكد أن رعاية الضعفاء من أعظم القربات، فقال: «الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله» (رواه البخاري ومسلم). فكيف يتحول “المجاهد بالرحمة” إلى متهم بالإضرار بالأمن؟
* إرهاب المتبرعين
في بعض البيئات، لم يقف الاستهداف عند المؤسسات، بل وصل إلى المتبرعين أنفسهم، عبر قوانين تجرّم المساهمة في بعض المشاريع الخيرية، أو عبر ملاحقات مالية وإدارية تُخيف الناس من وضع صدقاتهم في أي صندوق، هذه السياسة ترسخ ما يمكن تسميته بـ”إرهاب العطاء”، فتُطفئ جذوة البذل في المجتمع.
* أساليب خنق العمل الخيري
تتعدد الوسائل التي تُستخدم للضغط على المؤسسات الخيرية، لكن أبرزها ثلاثة:
• التجفيف المالي عبر إغلاق الحسابات البنكية، وفرض رقابة معقدة على التحويلات والتبرعات.
• الشيطنة الإعلامية من خلال حملات تشويه تربط العمل الخيري بالتطرف أو الفساد.
• التقييد القانوني بوضع شروط بيروقراطية مرهقة، أو منع الأنشطة الميدانية بحجج أمنية.
هذه الأساليب، وإن بدت “قانونية”، فهي في حقيقتها أدوات لحرمان المجتمع من شرايين الرحمة، بل هي سياسات منهجية لحكومات قمعية دكتاتورية متسلّطة.
* لماذا تُغتال الرحمة؟
لأن الرحمة الحقيقية تُحرّر الإنسان من الحاجة إلى الاستبداد، وتخلق مجتمعًا قويًا متماسكًا، وهذا يتعارض مع مصالح من يريدون شعوبًا ضعيفة، تعتمد على فتات السُّلطة، فإغلاق المؤسسات الخيرية ليس فقط حربًا على الفقراء، بل هو حرب على فكرة المجتمع الحيّ القادر على بناء نفسه.
* الخاتمة
إن حماية المؤسسات الخيرية ليست ترفًا، بل ضرورة لحماية روح الأمة، فما يُقدَّم من عطاء ليس مجرد معونة عاجلة، بل هو جسر يصل بين القلوب، وحائط يحمي المجتمع من الانهيار، وقد وعد الله بالإحسان لمن أحسن، فقال: ﴿وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ﴾ (البقرة: 110)… والحديث حول هذه المسألة يطول ويطول ولكنني أكتفي بهذا القدر، فهي مجرد إشارة ورسالة… ولكم مني التحية والسلام.
* عنوان مقالة الغد بمشيئة الله: “حرب المصطلحات: حين يصبح “التدين” مرادفًا للتطرف ”
* اللهم الطُف بعبادك المؤمنين المستضعفين يا رب العالمين، اللهمّ فرجًا قريبًا من عندك يا الله.
* مقالة رقم: (2047)
* 15 . صفَر .1447 هـ
* السبت . 09.08.2025 م
باحترام: د. محمد طلال بدران (أبو صهيب)
**************
* هنا تُروى حكايةُ التجفيف الصامت
* تشويه الدّين
* رؤية
* هذه السلسلة يكتبها د. محمد طلال بدران – مدير دار الإفتاء والبحوث الإسلامية
* عنوان السلسلة: “تجفيف المنابع: كيف يُحاصر الإسلام الناهض؟”
* عنوان المقالة: “حرب المصطلحات: حين يصبح “التدين” مرادفًا للتطرف” (05)
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين الصطفى وبعد:
* في السنوات الأخيرة، أصبحت بعض المصطلحات محمّلة بدلالات سلبية بفعل التلاعب الإعلامي والسياسي، ومن أخطر هذه الظواهر: تحويل كلمة “التدين” – التي كانت تدل على القرب من الله والالتزام بشرعه- إلى مرادف في أذهان كثيرين لكلمة “التطرف”، هذه ليست مجرد صدفة لغوية، بل هي جزء من “حرب المصطلحات” التي تستهدف المعاني قبل استهداف الأشخاص.
* كيف بدأ التشويه؟
التدين في الإسلام ليس مظهرًا خارجيًا ولا التزامًا جزئيًا، بل هو منهج حياة، يشمل السلوك والأخلاق والعمل والإصلاح، لكن حين أرادت بعض القُوى الحدّ من انتشار القيم الإسلامية في المجتمع، عملت على ربط المظاهر الدينية – من حجاب، أو لحية، أو التزام بالسُّنن- بخطاب الكراهية أو العنف، حتى باتت صورة المسلم الملتزم في الإعلام كثيرًا ما تقترن بصور المتشددين أو الإرهابيين.
القرآن الكريم قدّم التدين بصورة سامية، فقال تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ﴾ (النساء: 125)، لكن الحمَلات الإعلامية غيّرت المعنى في الأذهان، فصار التدين عند البعض “إشارة خطر” بدل أن يكون “علامة خير”.
* أدوات حرب المصطلحات
1- الإعلام المرئي والمكتوب: تصوير المتدين كشخص منعزل أو متشدد، في مقابل تصوير غير الملتزم كمنفتح ومتسامح.
2- المناهج الدراسية: حذف أو تحييد النصوص التي تبرز جمال التدين، والاكتفاء بذكره في سياق التحذير من الغلو.
3- الخطاب السياسي: استخدام مصطلحات مثل “التطرف الديني” بلا تمييز، حتى يُصبح كل التزام بالشريعة مشبوهاً.
* أثر هذا التلاعب
هذه الحرب اللفظية تزرع الخوف من الدين نفسه، وتجعل الشاب أو الفتاة يتردد في إظهار التزامه، حتى لا يُصنَّف ضمن فئة “المتطرفين”، وبهذا، يتم تحجيم الحضور الإسلامي في المجال العام، ليس بالقوة الصريحة، بل عبر الضغط النفسي والاجتماعي.
النبي ﷺ حذر من الغلو، لكنه في الوقت نفسه دعا إلى التمسك بالدين بقوة، فقال: “إن هذا الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه” (رواه البخاري)، فالتمييز بين التدين الحق والتطرف واجب، وإلا ضاعت المعاني.
* البُعد التاريخي
التلاعب بالمصطلحات ليس جديدًا، فقد عرفه التاريخ الإسلامي حين حاولت بعض القوى في عصور الضعف إلصاق صفات سلبية بأهل الإصلاح أو العلماء الناصحين، حتى يبتعد الناس عنهم، فمرّة يوصفون بـ”الخوارج”، ومرة بـ”أهل الفتنة”، رغم أنهم كانوا يطالبون بالعدل ورفع الظلم، واليوم يتكرر المشهد بملابس جديدة، حيث يُدمغ المتدين بلقب “المتطرف” حتى قبل أن يتكلم أو يُعرف موقفه.
* أثر المصطلح على الجيل الجديد
أخطر ما في هذه الحرب أنها تُعيد تشكيل وعي الأجيال، فتجعل الشاب ينفر من الالتزام بدينه ظنًا أن ذلك سيعزله عن المجتمع أو يعرّضه للملاحقة، وهذا يفتح الباب لفراغ قيَمي، تملؤه ثقافات دخيلة وأنماط حياة بعيدة عن هوية الأمة، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً﴾ (البقرة: 208)، أي التزموا بدينكم كله، لا بأجزاء منه ترضي الآخرين.
كيف نواجه حرب المصطلحات؟
1- إعادة تعريف التدين: عبر خطاب دعوي وإعلامي يبرز أنه التزام بالحق والرحمة معًا.
2- إنتاج قدوات إيجابية: تقديم نماذج لمتدينين ناجحين في حياتهم العلمية والمهنية والاجتماعية.
3- التوعية اللغوية: كشف أساليب الإعلام في التلاعب بالمصطلحات، وتحذير الناس من قبول التعريفات المعلبة.
* الخاتمة
التدين ليس تهمة، بل شرف، وخلط التدين بالتطرف ظلم مزدوج: ظلم للإسلام، وظلم للمتدينين الصادقين، قال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا﴾ (الأنعام: 161)، وحين ندافع عن المعنى الصحيح للتدين، فنحن في الحقيقة ندافع عن الحق، ونكشف زيف الخطاب الذي يريد اختزال الدين في صورة كئيبة أو خطيرة… ولكم مني التحية والسلام.
* عنوان مقالة الغد بمشيئة الله: “صناعة “الإسلام المقبول”: النموذج المُدجَّن والمطلوب”
* اللهم الطُف بعبادك المؤمنين المستضعفين يا رب العالمين، اللهمّ فرجًا قريبًا من عندك يا الله.
* مقالة رقم: (2048)
* 16 . صفَر .1447 هـ
* الأحد . 10.08.2025 م
باحترام: د. محمد طلال بدران (أبو صهيب).
************
* هنا تُروى حكايةُ التجفيف الصامت
* إسلامٌ مروّض
* رؤية
* هذه السلسلة يكتبها د. محمد طلال بدران – مدير دار الإفتاء والبحوث الإسلامية
* عنوان السلسلة: “تجفيف المنابع: كيف يُحاصر الإسلام الناهض؟”
* عنوان المقالة: “صناعة “الإسلام المقبول المُدجَّن والمطلوب” (06)
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين الصطفى وبعد:
* في كثير من دول العالم، هناك عملية صامتة لكنها ممنهجة، تهدف إلى إنتاج نسخة من الإسلام يمكن للسلطة أو القوى الدولية أن تتعايش معها بسهولة، بل وتروّج لها باعتبارها “الإسلام المعتدل”، هذه النسخة ليست هي الإسلام الذي جاء به النبي ﷺ ليحرر الإنسان من الخوف والظلم، بل هي إسلام منزوع الأنياب، منزوع الرسالة الإصلاحية، محصور في طقوس فردية لا تمسّ الواقع أو السياسات أو الفساد.
* معالم “الإسلام المدجَّن”
الإسلام المطلوب في نظر هذه الجهات، هو دينٌ لا يعترض على الظلم، ولا يطالب بالعدل، ولا يربّي الناس على الكرامة، دينٌ يكتفي بأن يعلّمك كيف تصلي وتصوم، لكنه لا يذكّرك بواجبك في نصرة المظلوم أو محاربة الفساد، وهذا يتعارض مع القرآن الكريم الذي يربط الإيمان بالعمل من أجل الحق، كما في قوله تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾ (الحديد: 25).
* أساليب فرض النموذج
أ- التحكم في المنابر: يُختار الخطباء بناءً على التزامهم بخطوط لا تتجاوز الحديث عن الأخلاق الفردية، مع تجنب أي قضية تتعلق بالحقوق أو السياسات.
ب- تغيير المناهج: تُحذف أو تُخفّف النصوص التي تربي على العزة والجهاد ضد الظلم، ليبقى الطالب أمام إسلام مجرّد من روح المقاومة.
ج- الترويج الإعلامي: يتم تقديم شخصيات دينية في الإعلام كممثلين “للاعتدال”، بينما هم في الواقع مجرد صدى لرسائل السلطة، -مثل فلان وعلّان، والجميع يعرف فلان وعلّان!
* خطورة هذا المسار
هذا النموذج لا يُخرج جيلاً واعياً، بل يخرّج أتباعًا سلبيين، يظنون أن الدين لا علاقة له بكرامتهم أو حقوقهم، وقد حذّر النبي ﷺ من القادة الذين يضلّون الأمة، فقال: «إنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين» (رواه أبو داود والترمذي.
* الإسلام الحقيقي
الإسلام الذي جاء به النبي ﷺ لا يعرف المهادنة مع الظلم، ولا الصمت عن الحق، بل هو دين يُعلّم أن كلمة الحق عند سلطان جائر من أعظم الجهاد، كما في الحديث: «أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر» (رواه النسائي)، وهو دين يربط العبادة بالسلوك الاجتماعي والسياسي، فلا تُقبل الصلاة من غاشٍ أو ظالمٍ وهو مستمر في ظلمه، ولا من مسؤولٍ فاسدٍ مفسد
* الخلاصة
إن صناعة “الإسلام المقبول” ليست مسألة فكرية فحسب، بل هي مشروع لإفراغ الدين من جوهره التحرري والإصلاحي، وتحويله إلى أداة تزكية للواقع الفاسد، والواجب على العلماء والدعاة أن يحافظوا على صورة الإسلام الحقيقية، التي توازن بين العبادة والإصلاح، وبين العبادة والكرامة، حتى لا نكون كما قال تعالى: ﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ﴾
(البقرة: 85)… ولكم مني التحية والسلام.
* عنوان مقالة الغد بمشيئة الله: “فتاوى تحت الطلب: حين تتحول الشريعة إلى بوق سياسي”
* اللهم الطُف بعبادك المؤمنين المستضعفين يا رب العالمين، اللهمّ فرجًا قريبًا من عندك يا الله.
* مقالة رقم: (2049)
* 17 . صفَر .1447 هـ
* الأثنين . 11.08.2025 م
باحترام: د. محمد طلال بدران (أبو صهيب).
*********
* هنا تُروى حكايةُ التجفيف الصامت
* تسْييس
* رؤية
* هذه السلسلة يكتبها د. محمد طلال بدران – مدير دار الإفتاء والبحوث الإسلامية
* عنوان السلسلة: “تجفيف المنابع: كيف يُحاصر الإسلام الناهض؟”
* عنوان المقالة: “فتاوى تحت الطلب: حين تتحول الشريعة إلى بوق سياسي” (07)
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين الصطفى وبعد:
* في زمنٍ تتداخل فيه الأصوات، وتتشابك فيه المصالح، لم تعد الفتوى دائمًا صوتًا نقيًا يصدح بالحق، بل غدَت أداة في يد السياسة، تتشكل كلماتها وفق إيقاع القصر، لا وفق مقاصد الوحي، هنا، يصبح السؤال مُلحًّا: هل الفتوى اليوم حارسٌ على الشريعة، أم بوقٌ يزيّن قرارات الحاكم؟
* فتاوى تحت الطلب: حين تتحوّل الشريعة إلى بوق سياسي
في مراحل عزّ الأمة، كانت الفتوى صرخة ضمير، وميزان عدل، وصوتًا يعلو فوق السلطة لا تحت أقدامها. كان العلماء يصدعون بالحق مهما كلّفهم الأمر، كما فعل العز بن عبد السلام حين باع أمراء المماليك في سوق النخاسة لعدم شرعية حكمهم، أو كما فعل الإمام أحمد بن حنبل حين رفض القول بخلق القرآن رغم السجن والجلد، وكما فعل سعيد بن جبير حين واجه الحجاج بكلمة الحق حتى استُشهِد، تلك المواقف لم تكن بطولات فردية فحسب، بل كانت حائط صد يحول دون انحراف الأمة، ويمنع تحويل الدين إلى أداة للهيمنة السياسية.
لكن مع موجات “تجفيف المنابع”، تغيّرت المعادلة، صار المطلوب من بعض المؤسسات الدينية أن تبرّر قرارات السلطة لا أن تحاكمها للشرع، وأن تُلبس كل إجراء سياسي عباءة شرعية، ولو كان يناقض مقاصد الشريعة. وهكذا، انقلبت الفتوى من أمانة إلى صفقة، ومن نصيحة إلى إعلان دعائي، وتحوّل بعض العلماء من ورثة للأنبياء إلى موظفين للعلاقات العامة، يتحدثون باسم الشريعة وهم في الحقيقة يتحدثون باسم الحاكم.
* الفتوى المستأجرة
عندما تُفقَد استقلالية المفتي، تتحول الفتوى إلى سلعة قابلة للتشكيل، تُصاغ لغتها بما يرضي الممول أو الحاكم. تُستدعى النصوص التي تخدم الموقف، ويُسكت عن النصوص التي قد تحرجه، ويصبح قول الحق مخاطرة غير مأمونة العواقب، وقد أشار القرآن الكريم إلى خطورة هذا الانحراف بقوله تعالى: ﴿فَوَيْلٌ لَّهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ﴾ (البقرة: 79)، في إشارة إلى من يحرّفون الكلم عن مواضعه. كما حذّر الله تعالى من القول على الله بغير علم بقوله: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ (الإسراء: 36).
* آثار التسييس على وعي الأمة
الفتوى المُسيّسة لا تضر بمصداقية المفتي وحده، بل تضرب ثقة الأمة بدينها ومؤسساتها، وتخلق فجوة بين العلماء والجماهير، حين يرى الناس أن الدين يُستخدم لتبرير الظلم أو قمع الحريات أو تمرير الصفقات، يتسلل الشك إلى القلوب، وينفتح الباب أمام نزعات الإلحاد أو التطرف كردّ فعل على الخيانة المعنوية، وهكذا، تتحقق إحدى أخطر أهداف حصار الإسلام النهضوي: فصل الجماهير عن مرجعياتها الدينية الأصيلة، وإيجاد فراغ قيَمي يسهل ملؤه بأفكار دخيلة أو متطرفة.
* أمثلة معاصرة
في بعض البيئات، قد تُصدر جهة دينية فتوى تجرّم أي احتجاج سلمي بدعوى “شق عصا الطاعة”، مستندة إلى أحاديث الطاعة، ولكنها تُغفل النصوص التي تأمر بإنكار المنكر، مثل قوله ﷺ: «من رأى منكم منكرًا فليغيّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان» (رواه مسلم). وفي حالات أخرى، تُبارك اتفاقيات تمسّ استقلال الأمة بحجة “المصلحة”، متجاهلة أن المصلحة الحقيقية هي في حفظ الدين والكرامة والسيادة، كما قال الله تعالى: ﴿وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا﴾ (النساء: 141)، وقد تُستخدم الفتوى لتخويف الناس من العمل الدعوي أو التضامني، بحجة أن أي نشاط خارج المظلة الرسمية هو خروج عن الجماعة، مع أن السنة النبوية تؤكد على نصرة المظلوم، كما قال ﷺ: «انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا» (رواه البخاري، ومسلم)، وبيّن أن نصرة الظالم تكون بكفّهِ عن ظلمه.
* الطريق إلى الاسترداد
إنقاذ الفتوى يبدأ بتحريرها من أسْرِ السلطة والمال، وإعادة الاعتبار لمرجعية الوحي على كل سلطة بشرية، قال ﷺ: «أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر» (رواه أبو داود، والترمذي، وصححه الألباني)، وهذا الحديث ليس شعارًا ثوريًا، بل قاعدة إصلاحية تمنع انحراف الحكم والدين معًا، والعالِم الذي يصمت أو يبرر الباطل إنما يشارك في هدم حصون الأمة من الداخل، ويهيئ الأرضية لتمدد الفساد بلا رادع، والمطلوب اليوم هو إنشاء بيئات علمية حرة، ومجالس إفتاء مستقلة، تضع نصب عينيها رضا الله لا رضا السلطان.
* الخاتمة
فتاوى تحت الطلب ليست انحرافًا عابرًا، بل هي أداة استراتيجية في مشروع تفريغ الإسلام من قدرته على التغيير، وتحويله إلى مجرد زُخرُف ثقافي يزيّن خطاب السلطة، والواجب أن يستعيد العلماء دورهم كحرّاس على الشريعة، لا كموظفين لدى الحاكم، وأن تُربّى الأجيال على أن الدين لله، لا يملك أحد حق مصادرته أو توجيهه لخدمة أجندة بشرية، فحين يعود صوت الفتوى حرًا، يعود للدين هيبته، وللأمة مناعتها، وللحق قدرته على أن يُسمع من جديد… ولكم مني التحية والسلام.
* عنوان مقالة الغد بمشيئة الله: “خنقُ الاقتصاد الدعوي: لماذا يُحاصرُ تمويل العمل الإسلامي؟”
* اللهم الطُف بعبادك المؤمنين المستضعفين يا رب العالمين، اللهمّ فرجًا قريبًا من عندك يا الله.
* مقالة رقم: (2050)
* 18 . صفَر .1447 هـ
* الثلاثاء . 12.08.2025 م
باحترام: د. محمد طلال بدران (أبو صهيب).
********
* هنا تُروى حكايةُ التجفيف الصامت
* حربُ الصّدقات
* رؤية
* هذه السلسلة يكتبها د. محمد طلال بدران – مدير دار الإفتاء والبحوث الإسلامية
* عنوان السلسلة: “تجفيف المنابع: كيف يُحاصر الإسلام الناهض؟”
* عنوان المقالة: “خنقُ الاقتصاد الدعوي: لماذا يُحاصرُ تمويل العمل الإسلامي؟” (08)
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين الصطفى وبعد:
* عندما يُقطعُ الأكسجين عن الفكرة، يبدأ بالخنق من محفظة أصحابها، ليس التجفيف المالي عرضًا جانبيًّا، بل استراتيجية مقصودة لإفقاد المجتمع المسلم أدواته التربوية والخدمية والإغاثية، تتحرك المنظومة المُحاصِرة عبر ثلاثة مسارات متوازية: تضييقٌ قانونيّ يوسِّع تعريف “الاشتباه”، ومصرفية جبانةٌ تُغلِق الحسابات بمجرد ظلّ تهمة، وإعلامٌ مُسيّس وموّجَّه يصنع الذّعر الأخلاقي ليجرّم “العطاء” بوصفه خطرًا عامًا، هكذا يُراد للمسجد أن يبقى بلا مدرسة، وللشباب أن يبقوا بلا نادٍ، وللمحتاج أن يمدّ يده لغير أهله.
* أولًا: تجريمُ “البرّ” بلغة الامتثال
يبدأ الخنق بتغيير اللغة: فالصدقة “تحويلٌ مريب”، والزكاة “تدفّقٌ غير مبرَّر”، والوقف “وعاءٌ غير شفاف”. بينما يجعلُ القرآن النفقةَ في قلب التدين: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ…﴾ (التوبة: 60)، ويمدح البذل السريَّ والعلنيَّ معًا: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً…﴾ (البقرة: 274)، ويجعل التعاون قاعدة العمران: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ (المائدة: 2)، وحين تتحول أنظمة “إعرف عميلك” إلى مظلةٍ للاشتباه الدائم بالمتدينين، تُنتهك قاعدة الشريعة في حمل الناس على العدالة والأصل في الذمم البراءة.
* ثانيًا: المصرفية كسلاحٍ بارد
تُغلق حسابات، تُجمَّد تحويلات، وتُقطع جسور التبرع عبر “تعليمات داخلية” لا يطّلع عليها المودعون ولا يُمكَّنون من التقاضي العادل، هذا السلاح البارد لا يُحدث ضجيجًا، لكنه يعطّل رواتب المعلمين في المراكز، ويوقف برامج تحفيظ القرآن، ويؤخر الدواء عن المحتاج، بينما يأمر الشرع بحماية مورد الزكاة وتنظيمه: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ…﴾ (التوبة: 103)، ويُثني على المبادرات الخيّرة: ﴿لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ…﴾ (النساء: 114)، نعم الشفافية واجبة، لكن تحويل “الامتثال” إلى فزاعةٍ لإعدام مؤسسات البرّ هو عدوانٌ على مقصد الشريعة في حفظ الدين والنفس والمال.
* ثالثًا: صناعة ذريعةٍ أخلاقية
يتم تسويق التجفيف المالي بوصفه “تحصينًا للمجتمع”، بينما تُغدق الموارد على لهوٍ فارغٍ يستهلك وعي الشباب. إن القرآن يكشف هذا المنطق المقلوب: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ (الأنفال: 36). فإذا صارت أبواب الخير مُغْلَقة، زاد الفراغ واتسعت الفتنة.
* ما العمل؟
أ- مأسسةُ الشفافية: لوائح داخلية محكَمة، سجلات منشورة، تدقيق دوري مستقل، ونشر تقارير أثرٍ تُظهر أين يذهب كل دولار أو دينار أو يورو او أو، هذا يقطع الذرائع ويعطي المتبرع طمأنينة.
ب- تنويعُ مصادر التمويل: من الاشتراكات الصغيرة الدورية، إلى الوقفيات المنتِجة -إن وُجِدت-، إلى مشاريع اقتصادية حلال تُسند البرامج الدعوية.
ج- اللامركزية الذكية: تقليل نقاط الفشل عبر شبكاتٍ مجتمعية مرِنة، وحوسبة التبرعات ببدائل دفع قانونية متعدّدة.
د- تحالفُ المصداقية: روابطُ بين العلماء والاقتصاديين والقانونيين لوضع أدلّة امتثال شرعية—مهنية، تُحسِن الإدارة ولا تُسلِّم عنق الدعوة لابتزاز المصارف.
ه- روايةٌ مضادة: لغةٌ تُعيد للأوقاف والبرّ كرامتها، وتُذَكِّر بأن “العمل الاجتماعي الإسلامي” ليس ترفًا، بل صيانةٌ لسلامة المجتمع.
* كلمةٌ تُسمِع الظالمين
نحن لا نطلب صدقةً على الهامش؛ نحن نمارس فريضةً ربانية، يقول النبي ﷺ: «أفضلُ الصدقةِ ما كان عن ظهرِ غِنى» (صحيح البخاري)، ويقول ﷺ: «من سنَّ في الإسلام سُنَّةً حسنةً فله أجرُها وأجرُ من عمل بها» (صحيح مسلم). ومن سنَّ التضييق على موارد الخير، فليبشِر بإثم ما عطّل من قرآنٍ يُحفَّظ، وفقيرٍ يُطعم، وشابٍّ يُصان.
ستبقى الدعوة تتنفس؛ فإن أُغلِقَ بابٌ فبِابُ السماء مفتوح، وإن أُطفئت مصابيحُ التمويل، فقلوبُ المؤمنين وقّادة، والقاعدةُ أن الحقّ لا يُحبس باللوائح، وأن البرَّ إذا مُنِعَ في مصرفٍ، جرى في ألفِ يدٍ أمينة.
* خاتمة: التجفيف المالي ليس قدرًا، بل معركةُ وعيٍ وتنظيم، فإذا اجتمع صدقُ النيّة مع إحكامِ الإدارة، سقطتْ ذرائعُ المتربّصين، وعاد المالُ إلى وظيفته: يرفع الجهل، ويُطعم الجائع، ويعزُّ الدين،﴿وَاللَّهُ غَنِيٌّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاءُ﴾ (محمد: 38)… ولكم مني التحية والسلام.
* عنوان مقالة الغد بمشيئة الله: “الدراما والإعلام: حين تُسخّر الشاشات لاغتيال الهوية”
* اللهم الطُف بعبادك المؤمنين المستضعفين يا رب العالمين، اللهمّ فرجًا قريبًا من عندك يا الله.
* مقالة رقم: (2051)
* 19 . صفَر .1447 هـ
* الأربعاء . 13.08.2025 م
باحترام: د. محمد طلال بدران (أبو صهيب).
**********
* هنا تُروى حكايةُ التجفيف الصامت
* إغتيال الهوية
* رؤية
* هذه السلسلة يكتبها د. محمد طلال بدران – مدير دار الإفتاء والبحوث الإسلامية
* عنوان السلسلة: “تجفيف المنابع: كيف يُحاصر الإسلام الناهض؟”
* عنوان المقالة: ” الدراما والإعلام: حين تُسخّر الشاشات لاغتيال الهوية” (09)
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين الصطفى وبعد:
* توطِئة
لم تعد الشاشات اليوم نافذةً بريئةً على العالم، بل تحوّلت في كثير من الأحيان إلى سلاح ثقافي ناعم يُعاد تشكيل وعي الشعوب من خلالها، فحين تصبح الدراما أداةً لغرس قيمٍ دخيلة أو تشويه منظومة الأخلاق، تتحوّل من رسالة فنّية إلى مشروعٍ لاغتيال الهوية. قال تعالى:﴿وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ﴾ (النساء: 102)؛ واليوم، أحد أخطر أسلحة الهيمنة ليس الرصاص بل الصورة المُبهرة التي تُمرّر رسائلها بلا ضجيج، مع استخدام موسيقى وتصوير يجذب المشاهد ويُلهيه عن القيم الحقيقية.
* كيف تُستخدم الدراما كسلاح ناعم؟
الدراما ليست مجرد حكايات، بل مصنع للأفكار والسلوك، في عالمنا العربي شاهدنا مسلسلات ضخمة الميزانية تمجّد الانحلال أو تبرّر التطبيع أو تصور الملتزم بدينه كشخص معقّد ومنغلق، في المقابل، نجد إنتاجات غربية مثل بعض مسلسلات هوليوود الشهيرة التي تُظهر العربي إرهابياً والشرقي متخلّفاً، بينما يتمّ تلميع صورة القوّة الأمريكية بوصفها المنقذ الدائم للعالم، كما لاحظ المفكر مالك بن نبي أنّ “الاستعمار لا يستقرّ إلا بعد أن يُصيب وعي الشعوب في مقتل” والإعلام اليوم هو الرصاصة التي تصيب هذا الوعي، ولا يقتصر الأمر على المسلسلات، بل يمتد إلى برامج الواقع والأفلام القصيرة على الإنترنت وشبكات التواصل التي توصل رسائل مماثلة.
* نماذج واقعية
1- عربياً: بعض الأعمال الرمضانية الحديثة ركّزت على قصص الخيانة الأسرية وتهميش القيم الدينية، وكأن الفضيلة استثناءٌ لا قاعدة، مثل تصوير الشباب المنحرف على أنه الأذكى والأكثر جاذبية.
2- غربياً: أفلام مثل American Sniper أو Homeland غذّت صورة المسلم كتهديد عالمي، بينما يتم تبرير العنف الغربي كـ”حماية للحرية”، مما يغرس لدى الجمهور مشاعر تحيّز وسوء فهم للآخر.
3- تركياً وهندياً: مسلسلات الحبّ المليئة بالعلاقات الشاذّة والتي تُبثّ في وقت الذروة للعائلات، فيتشبّع الجيل بما يخالف منظومته القيمية دون وعي، وتصبح هذه الصور نموذجاً للخيال الواقعي المزوّر.
* أثر هذا التوجيه على الهوية
عندما يرى الطفل العربي أن قدوته على الشاشة يعيش بلا قيم واضحة، وأن النجاح مقرون بالتمرد والانفلات، تبدأ القطيعة النفسية مع ثقافته ودينه، يقول تعالى:
﴿وَلَنْ تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾(البقرة: 120)، وهذه الحقيقة تتجلى اليوم في ثقافة الصورة قبل أن تتجلى في ميادين السياسة، فتتراكم المواقف المشوّهة في ذهن المشاهد حتى تصبح معتقدات ضمنية غير قابلة للتغيير بسهولة.
* كيف يُواجه هذا التيار؟
• إنتاج دراما بديلة: تقديم مسلسلات وأفلام تُبرز قيم العدل والرحمة والكرامة الإنسانية بأسلوب عصري ممتع.
• تأهيل الجمهور للنقد: غرس وعي لدى الشباب لفهم الرسائل الخفية بدل ابتلاعها بلا تفكير، عبر ورش وندوات إعلامية.
• تعاون المفكرين مع الإعلاميين: مزج العمق الفكري بالإبداع البصري لضمان وصول الرسائل التربوية بطريقة مؤثرة.
• إبراز النماذج المشرقة: عرض شخصيات ناجحة وملتزمة تشكّل قدوة حقيقية في الحياة اليومية.
• استخدام المنصات الرقمية: لأنّ المعركة اليوم ليست فقط على شاشة التلفاز، بل على الهاتف في جيب كل فرد، مع محتوى رقمي قصير يجذب الانتباه ويوصل الرسالة.
وكما قال المفكر الجزائري عبد الحميد بن باديس: “إنّ أمةً تُحسن صناعة الموت لا يستعبدها أحد، فكيف بمن يُحسن صناعة الحياة؟”، ونحن اليوم مطالبون بإحسان صناعة الوعي قبل كل شيء، وإعادة صياغة محتوى الشاشة بما يخدم الهوية ويحصّن المجتمع من التزييف.
* خاتمة
اغتيال الهوية لا يتمّ بضربة واحدة، بل بجرعات صغيرة من التزييف المتواصل حتى يفقد الناس مناعتهم، والدراما حين تُسخّر ضدّ قيمنا، تصبح حصان طروادة يدخل إلى بيوتنا بلا استئذان، لكنّ المواجهة ممكنة إذا أدركنا خطورة ما يحدث، وأعدنا للفن رسالته الأصيلة كأداة بناء لا هدم. كما قال تعالى: ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ﴾ (التوبة: 32)… ولكم مني التحية والسلام.
* عنوان مقالة الغد بمشيئة الله: “الجيل المعزول عن تراثه: هل نُربّي قطيعًا بلا ذاكرة؟”
* اللهم الطُف بعبادك المؤمنين المستضعفين يا رب العالمين، اللهمّ فرجًا قريبًا من عندك يا الله.
* مقالة رقم: (2052)
* 20 . صفَر .1447 هـ
* الخميس . 14.08.2025 م
باحترام: د. محمد طلال بدران (أبو صهيب).
*************
* هنا تُروى حكايةُ التجفيف الصامت
* ذاكرة مسلوبة
* رؤية
* هذه السلسلة يكتبها د. محمد طلال بدران – مدير دار الإفتاء والبحوث الإسلامية
* عنوان السلسلة: “تجفيف المنابع: كيف يُحاصر الإسلام الناهض؟”
* عنوان المقالة: “الجيل المعزول عن تراثه: هل نُربّي قطيعًا بلا ذاكرة؟” (10)
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين الصطفى وبعد:
* ذاكرة الأمة ليست رفاهية
الأمة الحيّة لا يمكن أن تُختزل في حاضرها فقط، لأنها ليست جسدًا بلا جذور، ذاكرة الأمة هي التي تمنح أبناءها الشعور بالانتماء، والإحساس بأنهم جزء من مسيرة ممتدة، لا مجرد أفراد تائهين في زمن سريع. وعندما يُسلخ الجيل الجديد عن تراثه، يصبح أشبه بصفحة بيضاء تُكتب عليها أي رواية، ولو كانت زائفة، قال تعالى: ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ (المائدة: 11) ومن أعظم النعم أن نحفظ تاريخ العلماء والمصلحين الذين شكّلوا ضمير هذه الأمة.
* التغييب الممنهج لا الصدفة
إن ما يحدث اليوم ليس مجرد إهمال عابر أو تقصير غير مقصود، بل هو مشروع متكامل يسعى إلى طمس رموز الإصلاح وتجفيف منابع الوعي، تُختزل مناهج التاريخ في سطور قليلة، يُسقط منها ذكر قادة النهضة الإسلامية وعلماء الأمة الكبار الذين حملوا مشاعل الحرية، ويُستبدل بهم نماذج هامشية لا تثير في نفوس الشباب سوى اللامبالاة، وفي الوقت ذاته، يُغمر الفضاء الرقمي بضجيج التسلية والاستهلاك، بينما تُحجب المصادر الأصيلة أو تُقدّم مشوّهة على أنها “أفكار قديمة” أو “لا تصلح لعصرنا”، هكذا يُدفع الشباب دفعًا نحو القطيعة المعرفية مع كل فكر حيّ يذكّرهم بدورهم الحضاري.
* تفريغ الذاكرة لصناعة الطاعة
حين ينقطع الجيل عن سيرة العلماء الأحرار الذين تصدّوا للطغيان، وعن المشاريع الفكرية التي قارعت الاستعمار والهيمنة الثقافية، فإنه يفقد القدرة على التمييز بين الصواب والخطأ، وعندها يصبح أكثر استعدادًا لتصديق أي خطاب رسمي يزعم أنّه وحده يمثل “الاعتدال” أو “العقلانية”، ليس الهدف فقط تغييب الماضي، بل صناعة جيل بلا مقياس، يقبل كل ما يُملى عليه لأنه لم يتعلّم أن يقارن بين الحاضر ونماذج مضيئة من التاريخ، إنها تربية على الطاعة باسم “التجديد” المزوّر الذي يقطع الصلة بالأصول.
* كيف تُنفّذ عملية العزل؟
يتم ذلك بعدة أدوات متوازية:
أ- التعليم الموجّه: حذف أسماء الأعلام والمصلحين من المناهج الدراسية أو ذكرهم بطريقة سطحية بلا روح.
2- الإعلام المسيطر عليه: تحويل الشاشات إلى أدوات ترفيه فارغة، بدلاً من أن تكون جسورًا للتعريف بتاريخ الأمة.
3- الفضاء الرقمي المحاصر: تقييد المحتوى الذي يربط الشباب بالعلماء الكبار، مقابل فتح الأبواب واسعة أمام التفاهة والسطحية.
4- تحييد القدوات المعاصرة: محاصرة العلماء الأحياء الذين يحملون فكر النهضة، والتضييق على ظهورهم في الفضاء العام.
* مسؤولية المربين والدعاة
لا يكفي أن نشكو من ضعف الشباب في الاطلاع على تراث الأمة؛ المطلوب مبادرات عملية تعيد وصل الجيل بمصادره الأصيلة. ويمكن تحقيق ذلك من خلال:
أ- حلقات قراءة مبسّطة عبر وسائل الأعلام المتاحة وشرحها بلغة العصر.
ب- منصات رقمية تعرّف بسير العلماء والمصلحين عبر مقاطع قصيرة جذابة.
ج- إدماج سير الشخصيات المضيئة في البرامج التربوية داخل المؤسسات التربوية.
د- إنتاج وثائقيات ومحتويات مرئية تحكي قصة النهضة الإسلامية بعيدًا عن الخطاب الجاف.
قال تعالى: ﴿قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾، (آل عمران: 137)
فالقرآن نفسه يأمرنا بدراسة التاريخ والاعتبار بسِيَر الأمم.
* ختام: بين الماضي والمستقبل جسر لا يُهدم
الأمة التي تُعزل عن تراثها يُراد لها أن تبدأ كل مرة من الصفر، وأن تبقى ضعيفة في مواجهة أي مشروع استلاب أو تغريب، وإذا كان هناك من يسعى لصناعة جيل “بلا ذاكرة”، فإن واجب العلماء والمربين والمثقفين هو أن يصنعوا جيلًا يعرف من أين جاء وإلى أين يريد أن يصل، الماضي ليس عبئًا نحمله، بل جسرًا نعبر به إلى المستقبل، ومن يهدم الجسر يترك الأجيال تائهة في صحراء لا نهاية لها… ولكم مني التحية والسلام.
* عنوان مقالة الغد بمشيئة الله: “حروب ناعمة بلا دماء: سلاح الصمت والاشتباه”
* اللهم الطُف بعبادك المؤمنين المستضعفين يا رب العالمين، اللهمّ فرجًا قريبًا من عندك يا الله.
* مقالة رقم: (2053)
* 21 . صفَر .1447 هـ
* الجمعة . 15.08.2025 م
باحترام: د. محمد طلال بدران (أبو صهيب).
*******
* هنا تُروى حكايةُ التجفيف الصامت
* قمعٌ ناعم
* رؤية
* هذه السلسلة يكتبها د. محمد طلال بدران – مدير دار الإفتاء والبحوث الإسلامية
* عنوان السلسلة: “تجفيف المنابع: كيف يُحاصر الإسلام الناهض؟”
* عنوان المقالة: “حروب ناعمة بلا دماء: سلاح الصمت والاشتباه” (11)
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين الصطفى وبعد:
في عالم السياسة والفكر، ليست كل الحروب مدججة بالسلاح والنار، هناك حروب صامتة تُدار خلف الأبواب المغلقة، بلا صفارات إنذار ولا دخان بارود، كالغزو الفكري والعولمة والعلمانية.. لكنها أشد فتكًا لأنها تضرب الروح قبل الجسد، وتستنزف العزائم قبل أن تُسيل الدماء، هي معارك لا ترى فيها الجنود ولا البنادق، بل ترى قرارات باهتة، وابتسامات دبلوماسية تخفي وراءها نصلًا حادًا.
* الإقصاء الهادئ: إغلاق الأبواب دون ضجيج
حين يريدون تهميش الإسلاميين، لا يرفعون شعار “المنع” الصريح، بل يمارسون الإقصاء ببطء وهدوء، تُغلق أمامهم المنابر التعليمية والإعلامية، وتُستبدل الكفاءات الملتزمة بأخرى “مُدجَّنة” تعرف كيف تُجامل ولا تُجادل، يُقصى الداعية أو المعلم دون بيان الأسباب، فيجد نفسه خارج المشهد وهو لا يعرف لماذا؟: أهي عقوبة على فكرة؟ أم مجرد “إعادة تنظيم” كما يُقال في التصريحات الناعمة؟ والخطورة أن هذا الإقصاء لا يُظهر خصومه، بل يجعل الضحية تبدو وكأنها خرجت بمحض إرادتها.
* التسويف والمماطلة: قتل المشاريع بالانتظار
مشاريع إصلاحية كثيرة تبدأ قوية، ثم تتبخر في طوابير الانتظار الطويلة، وعود تُعطى بلا نية تنفيذ، وملفات تُركَن على الرفوف حتى يملّ أصحابها أو تنتهي مدة صلاحيتها السياسية، هكذا يُعطَّل النشاط الدعوي والاجتماعي بحجة “الإجراءات” أو “المراجعة القانونية”، فيما الحقيقة أن الأمر لا يتعدى خطة إغراق في الروتين، والأنكى أنّ هذه السياسة تجعل المبادرات الصادقة تفقد حماسها، حتى قبل أن ترى النور.
* الترهيب غير المباشر: خوف بلا محاكم
ليس دائمًا يُستدعى الداعية إلى التحقيق أو يُزج به في السجن، يكفي أن تُرسل له إشارات صامتة: زائر غريب يتفقد بيته بلا سبب، مكالمة غامضة تخبره بأن “العيون مفتوحة”، أو نقل إداري مفاجئ يطالبه بالهدوء، هي رسائل تقول: “نحن هنا، ونراقبك”،-انا هنا أعمم الكلام والحالة، لأنني أتحدث للجميع- فيتعلم الناس الرقابة الذاتية قبل أن تُفرض عليهم الرقابة الرسمية، إنهم يصنعون الخوف كهواءٍ لا يُرى، لكنه يُشعرك بالاختناق كلما حاولت أن تتنفس بحرية.
* الصمت كسلاح: عزل بلا مواجهة
أخطر هذه الأساليب أن تكون الحرب بلا إعلان، لا تُتهم، ولا يُقال عنك شيء، بل تُترك في فراغ متعمد، صوتك لا يصل إلى الناس، مقالاتك لا تُنشر، محاضراتك لا تُذاع، خُطبك تُهمل، يُصنع حولك جدار من الصمت حتى تذبل أفكارك وتتحول إلى صدى خافت في العقول، إنها محاولة لقتل الفكرة عبر دفنها في العتمة، بدل المجازفة بمحاكمتها علنًا.
* كيف نواجه الحروب الناعمة؟
هذه الأساليب الناعمة أخطر من المواجهة الصريحة لأنها لا تمنحك فرصة الدفاع عن نفسك، الوعي أول السلاح، ثم بناء شبكات دعم اجتماعية وفكرية تجعل الدعوة والإصلاح أكبر من أن تُحبس في الأفراد، علينا أن نعلّم الأجيال ألا يراهنوا على الأبواب الرسمية وحدها، بل يصنعوا منابر بديلة تنقل صوتهم مهما كانت الحواجز، ومن قبل ومن بعد، اليقين بأن سنة الله ماضية: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا﴾، (فصّلت: 30)
فالحرب الناعمة قد تُسكت الأصوات حينًا، لكنها لا تستطيع قتل الفكرة إذا حملها جيل واعٍ لا ينتظر إذنًا ليقول الحق، وما دام في الأمة قلبٌ نابض بالإيمان، فإن هذه الأساليب لن تكون سوى غبار عابر على طريق طويل رسم الله نهايته بالنصر والتمكين… ولكم مني التحية والسلام.
* عنوان مقالة الغد بمشيئة الله: “بين الحصار والنهوض: كيف نصنع منابع لا تجف؟”
* اللهم الطُف بعبادك المؤمنين المستضعفين يا رب العالمين، اللهمّ فرجًا قريبًا من عندك يا الله.
* مقالة رقم: (2054)
* 22 . صفَر .1447 هـ
* السبت . 16.08.2025 م
باحترام: د. محمد طلال بدران (أبو صهيب).
**********
* هنا تُروى حكايةُ التجفيف الصامت
* نهضة، ولكن مؤلمة
* رؤية
* هذه السلسلة يكتبها د. محمد طلال بدران – مدير دار الإفتاء والبحوث الإسلامية
* عنوان السلسلة: “تجفيف المنابع: كيف يُحاصر الإسلام الناهض؟”
* عنوان المقالة: “من الظلام إلى النور، المآسي كوقود للنهضة” (12)
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين الصطفى وبعد:
ليست المآسي التي تمر بالشعوب قدرًا معلقًا في الهواء، بل هي اختبارات لصلابتها وإرادتها وقدرتها على تحويل الألم إلى قوة. فالتاريخ مليء بأمم سقطت مرات عديدة، لكنها نهضت عندما قررت أن تجعل من كل جرح درسًا، ومن كل مأساة فرصة جديدة لإعادة البناء.
الوعي بداية الطريق
الأزمات ليست دائمًا عسكرية أو سياسية فقط؛ كثير منها فكري ونفسي. أخطر ما يمكن أن يحدث لمجتمع أن يعتاد الظلم حتى لا يعود يشعر بمرارة القهر. وهنا يأتي دور الوعي: أن نحلل جذور أزماتنا بدل الاكتفاء بتفسير نتائجها. الوعي يعلّمنا أن التخلف ليس قدرًا سماويًا، بل نتاج تراكمات يمكن تفكيكها، وأن الهزيمة ليست نهاية الطريق بل بداية البحث عن طرق أفضل.
وعندما نفقد الوعي، يتحول الغضب إلى فوضى، والرفض إلى شتائم بلا مشروع، والمعاناة إلى استسلام صامت. أما الوعي فيوجّه الألم نحو الإصلاح، ويحوّل الغضب إلى قوة بناء.
العمل: امتحان الإرادة
لكن الوعي وحده لا يكفي؛ إذ تظل الحقائق بلا قيمة إن لم تتحول إلى عمل. الشكوى وحدها لا تصنع تغييرًا، بل تخلق شعورًا بالعجز الجماعي. لذلك ربط القرآن بين الإيمان والعمل: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ (التوبة: 105).
كل فكرة عظيمة تحتاج إلى خطوات عملية: تنظيم، تخطيط، إعداد، بناء جيل جديد. الشعوب التي تكتفي بالكلام تُهزم مرتين: مرة بالفعل، ومرة بالعجز عن الرد. أما الشعوب التي تترجم وعيها إلى برامج عمل فتستعيد مكانتها ولو بعد حين.
تحويل الألم إلى قوة
كل مأساة تحمل رسالة. الفقر يدعونا إلى البحث عن العدالة الاقتصادية لا إلى التذمر فقط. الاستبداد يذكّرنا بأهمية الحرية لا إلى التمني الفارغ. الانحطاط الأخلاقي يوقظ فينا الحاجة إلى إصلاح الضمير لا الاكتفاء بالوعظ العابر.
انظر إلى تجارب الأمم: اليابان بعد الحرب العالمية الثانية، وألمانيا بعد الانقسام، وتركيا بعد الأزمات الاقتصادية الحادة. كلها شعوب حولت صدماتها إلى مشاريع نهضة شاملة بدل الغرق في جلد الذات أو إلقاء اللوم على الآخرين.
بناء الإنسان قبل البنيان
التغيير الحقيقي يبدأ من الإنسان: عقله، قلبه، وضميره. لا تكفي القرارات السياسية أو المشروعات المادية إذا كان الوعي الشعبي هشًّا. النهضة الحقيقية تحتاج إلى جيل يعرف أن النصر لا يُشترى ولا يُستورد، بل يُبنى بالصبر والعلم والتنظيم والعمل الجماعي.
حين ينهض الأفراد بوعي حقيقي، يصبح المجتمع كله ورشة إصلاح. القدوة العملية أقوى من ألف شعار، والمشاريع الواقعية أصدق من الكلام المنمق.
من الفرد إلى المجتمع
التغيير يبدأ من الفرد ولا يتوقف عنده. حين يصحّ العقل وتصفو النية، ينعكس ذلك على المحيط، وتتشكل بيئة جديدة تتبنى القيم الصحيحة. وعندما تجتمع العقول الواعية والقلوب الصادقة، يصبح الطريق إلى النور ممهدًا مهما كانت العقبات.
ختامًا
المآسي ليست نهاية الطريق، بل بداية لتحويل الظلام إلى نور. بالإيمان والوعي والعمل المنظم، تصبح التجارب الصعبة وقودًا يدفع الأمة إلى نهضة حقيقية، ويصنع جيلًا قادرًا على مواجهة التحديات وتحقيق التغيير المستدام. إن الأمم العظيمة لا تُقاس بما تتعرض له من محن، بل بكيفية استجابتها لها، وبقدرتها على تحويل كل جرح إلى باب أمل، وكل سقوط إلى خطوة نحو القمة… ولكم مني التحية والسلام
* إنتظروا الجديد غدًا إن شاء الله
* اللهم الطُف بعبادك المؤمنين المستضعفين يا رب العالمين، اللهمّ فرجًا قريبًا من عندك يا الله.
* مقالة رقم: (2056)
* 24 . صفَر .1447 هـ
* الأثنين. 18.08.2025 م
باحترام: د. محمد طلال بدران (أبو صهيب).

