شعر وشعراء
بانتظار غودو”. محمد بكرية
بانتظار غودو”.
هنا، انتظرتُ وما زلتُ،
مرَّ من أمامي القطارُ
لم يترجّلْ مسافرٌ
لأرميَ عليه تحية.
أريدُ شاهدًا، أيَّ شاهدٍ على موتي
لأقولَ: سلامًا عليكم سلامًا عليَّ،
أنا المهاجرُ العابرُ وألقيَ الوصيّة.
عوَى القطارُ مُسرِعًا على سِكّتِه
نحو بلادٍ بعيدة،
وحدي بقيْتُ
مُحَمّلًا بِما اقترفْتُ من خطايا
وما قدّمْتُ من عطايا
وفضاءاتِ روحي الشريدة.
هنا انتظرْتُ وما زلْتُ،
لمْ يأتِ “غودو”،
لمْ أسمعْ ارتدادَ صداهُ يدنو،
لمْ أرَ ظلّه البعيدَ في المرايا.
أغادر محطّة عندَ انزلاقِ الرّوح
هناك أخرى على ناصيةِ التّلال،
أنزحُ نحوَها مُثقلًا بصليبي
على كتِفي المقروح.
لمْ ينتظرْني أحدٌ،
ألهثُ نحو جُلْجُلتي،
أحملُ عنادي وجُرحي المفتوح،
أُشرفُ على المدينةِ القديمة
والحديثة، صليبيّون يزحفون،
كنعانيّون يَفلحون، آشوريّون ينحتون،
كِلدانيون، بابليون يفُكّون رموزَ الوجود،
شاميّون، فلسطينيون يصلّون ليعبروا الحدود،
غزيّون ينزحون ويصرخون،
أهنا قومُ عادٍ وثمود؟
شعوبٌ ذاتُ ألوانٍ داكنة،
أصواتٍ صارخة وأخرى ساكنة،
ضحايا الحروب
قتلى بلا ذنوب
كنائسَ، مساجدَ تنادي
الربّ والله الصمد،
لا أحد، هنا أو هناك لا أحد.
لعنةُ الفراعنة كريحٍ صرصرٍ عوَتْ على البلد.
ما زلْتُ أنتظر
ما زلنا ننتظر،
لمْ يأتِ “غودو”،
لمْ يتجَلّ سوى على اوراقِ “صموئيل بيكِتْ” اسمًا عابرًا
لمْ يمرّ بالمدينة،
لمْ ياتِ بصحائفَ جديدة ودينًا
والله لمْ يحرّك الأشياءَ فينا.
من أنا هُنا؟ أوأنتم هناك؟
إذْ لا فرقَ بين أشكالِ السجون،
لا معنى للمسافات،
والبدايات كالنهايات.
تُعجبنُي فلسفةُ “أبيقور”في الحياة والموت،
في الخيرِ والشّر،
في الطمأنينةِ والسلام،
أبيقور أيّها الفطين
قد انتحَرَتْ الفضائلُ منذ رحلةِ أدمَ إلى الأرض،
لمْ يبقَ سوى شهوةِ الدّمِ،
والرّقصِ على قبور الشهداء حينًا
واللهُ لمْ يحرّكْ الأشياءَ فينا.
صدقَ الحكيمُ “ديوجين”،
لّما أنارَ في وضحِ النّهارِ مِصباحَه الحزين
ليندلّ على الحقيقةِ الغائرة بين زُقاقِ الطُرقات.
لمْ يأتِ “غودو”،
ليفسّرَ سَوءَةَ “نيرون”،
حين أحرقَ روما
واعتلى تلّة عازِفًا على قيثارتِه لحْنًا
هل كان سفّاحَ المجانين ؟
أمْ مجنونَ العاشقين؟
ما أبعدَ المسافات! ما أقربَ الفضاءات!.
هُنا ما زلتُ أنتظر، وهناك في المدينة مثلي ينتظرون،
اهٍ منكَ يا زمنَ الجنون
اهٍ منكَ يا زمنًا مجنون.
إضاءات:
1-بانتظارغودو:مسرحية للكاتب الإيرلندي” صموئيل بيكيت” تدور أحداثُها حول رجليْن ينتظران شخصًا اسمه غودو كي يقدّم لهما المساعدة، لكنه لايصل أبدًا فيقرران الانتحار من شدّة اليأس، غودو هو الفرج أو الأمل أو المخلّص.
2- صموئيل بيكيت: كاتب إيرلندي شهير.
3-أبيقور:فيلسوف إغريقي، كتب في الطبيعيّات والأخلاق والوجود، صاحب المدرسة الفلسفيّة الأبيقوريّة.
4-ديوجين: فيلسوف إغريقي تُنسب له قصّة القنديل الذي كان يحمله في النهار ليبحث عن الحقيقة.
5- نيرون:إمبراطور روماني اشتهر بالاستبداد، حرق روما وجلس يعزف على قيثارة وهو يرقب المدينة المشتعلة.