وقال الدكتور عبد الحميد مدكور – في حوار مع وكالة أنباء الشرق الأوسط اليوم /الثلاثاء/ بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية الذي يوافق 18 ديسمبر من كل عام – “إن اللغة العربية هوية وتاريخ وثقافة ومجد وحاضر ومستقبل ، وهناك بعض البلاد التي تتعامل معها بوصفها لغة شريفة لدى المسلمين في العالم الإسلامي ..لا سيما أن تاريخنا مجيد في العلوم العربية والتجريبية “.
وأضاف: أن اللغة العربية تحمل تاريخا زاهيا مزدهرا ، فهي ليست فقيرة أو بدوية أو ماضوية بل تحمل في قلبها تراث الأمم جميعا وهي قادرة على حمل أعباء العلم الحديث إذا أخلص أصحابها لها مثلما يخلص أصحاب اللغات في البلدان الأخرى إلى لغاتهم .
وتقرر الاحتفال باللغة العربية في 18 ديسمبر من كل عام لأنه اليوم الذي أصدرت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها في ديسمبر عام 1973، بإدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل في المنظمة الدولية.
وارتبطت هذه الاحتفالية بإقامة عدة فعاليات من منتديات ومعارض ومسابقات، يشارك بها العديد من الشعراء والأدباء والباحثين في مجال اللغة العربية بأجمل الأقوال والأشعار النابعة من وحي الاحتفال.
وأكد الدكتور عبد الحميد مدكور ضرورة أن يتفق العلماء المختصون في اللغة العربية مع العاملين في المجال الإعلامي.. قائلا :”إن ذلك يؤدي إلى تقدم كبير في استعمال اللغة العربية على ألسنة الناس وأن تحيا في ضمائرهم من أجل حمايتها والتمكين لها من كل العوائق التي تواجهها “.
واعتبر أن هذه العوائق تنقسم إلى قسمين عوائق داخلية تتعلق بالمجتمعات العربية نفسها وأخرى خارجية تتعلق بالبذل الذي تبذله الدول الاستعمارية لمطاردة اللغة العربية في بلادها وعلى المستوى الثقافي في العالم.
وشدد الدكتور عبد الحميد على أن الحروف التي تكتب بها اللغة العربية موجودة في أكثر من عشر لغات أفريقية تكتب وتكتب من اليمين إلى اليسار ولكن السعي الغربي يطارد اللغة العربية في كل موقع توجد فيه ويسعى حثيثا عن طريق اتفاقات ثقافية والتمويل الأجنبي لكي تتحول الحروف من حروف عربية إلى حروف لاتينية وبهذا يحدث قطع ثقافي بين لغة هذه الشعوب وثقافتها.
وفيما يتعلق بعلاقة الجيل الجديد باللغة العربية ، أوضح الأمين العام لمجمع اللغة العربية أن اللهجة العامية طاغية بينما يستخدم الشباب الحديث ، لغة هجينا ويكتبون اللغة بالأرقام والأعداد وغير ذلك ولا يستعملون اللغة العربية إلا قليلا.
وتابع قائلا:” إذا نظرت بصفة عامة إلى البيئة الثقافية في أكثر البلدان العربية ، فستجد أن اللغة العربية مستبعدة ومتجاهلة في التعليم وحتى في تعليم اللغة نفسها لأن مدرسيها يدرسونها باللهجة العامية كما أن المساحة المخصصة لها في الإعلام تعد قدرا يسيرا للغاية من إجمالي المساحة الكلية ولا تكاد تصل إلى 1%”.
وأضاف :”اللغة” أصلا سماع فإذا أسمعت الطفل الصغير لهجة أبيه وأمه فإنه يكتسب اللغة بمجرد السماع أما إذا كان الأب والأم أبكمين فإن الطفل لا يتعلم شيئا ، فالسماع هو الأساس وإذا أردت أن تعطي اللغة العربية حقها فلابد من سماعها في المنزل والإعلام والمدرسة والمسجد والكنيسة والشأن العام والمؤسسات العامة.
وأردف الدكتور مدكور :” تجد الآن بعض المؤسسات الكبرى لا تستعمل اللغة العربية في وثائقها ، كالبنوك والمطارات، فتعاملاتها تكون باللغات الأجنبية وليس العربية، هل تفعل البلدان الأخرى شيئا من هذا؟ ،هل أي مواطن من أي دولة أجنبية يستعمل لغة أخرى غير لغته ؟.
وقال الدكتور عبد الحميد مدكور “عندما كنت موجودا في فرنسا ، شارك عالم فرنسي في مؤتمر باللغة الإنجليزية عقد في إحدى البلاد خارج فرنسا ، وعندما تحدث باللغة الإنجليزية في المؤتمر ، قال له رئيس الجمهورية آنذاك جاك شيراك: عد لأنك لا تحسن أن تمثل القومية واللغة والثقافة الفرنسية”.
وشدد على ضرورة مواجهة هذا القصور في استعمال اللغة العربية بمنطق علمي وبترتيب علمي بما يتاح لهذه اللغة أن يسمعها الناس وأن تتطور المناهج بحيث يمكن أن نجد نطاقا أوسع لسماع اللغة ، لافتا إلى أن هناك في علم اللغة نظرية تسمى ” الغمر اللغوي” وتعتمد على أن يسمع الناس اللغة كثيرا فإذا فعلوا ذلك التقطوا تراكيبها ومفرداتها واستطاعوا أن يستحضروها وعندها تتمكن اللغة شيئا فشيئا حتى يكون لها قدرها اللائق بها في داخل المجتمعات العربية.
وبشأن ما يقدمه مجمع اللغة العربية لمواجهة هذه التحديات في استعمال اللغة العربية ، قال الدكتور عبد الحميد مدكور إن المجامع العربية أولا ليست جهة تدريس وإنما جهة بحوث علمية وتقدم اقتراحاتها إلى الدول التي هي فيها كي يتم الأخذ بها ولكن الذي يستطيع أن يصدر القرار التنفيذي هو الحكومات.
وأكد أهمية التشريعات في هذا الصدد ، بما يعني أن يصدر التشريع لكي يتم التمكين للغة العربية وسيكون من مواد التشريع الذي يصدر في هذا الشأن أن تخاطب كل مؤسسة الرأي العام باللغة العربية ولابد أن يكون هناك منوط به مراجعة القرارات أو البيانات أو الأحكام أو القوانين التي تصدر عن هذه الجهة بحيث تصل هذه القرارات إلى الرأي العام باللغة العربية.
وأضاف الدكتور مدكور:” لا يعقل أن تسير في شوارع مدينة عربية فلا ترى لافتات أو وجودا للغة العربية في الطرقات وأسماء المحال التجارية وتجد في المقابل لافتات ذات أصل أجنبي مكتوبة بحروف عربية فلا يعرفها العربي ولا يعرفها الأجنبي وهذا نوع من العبث”.
وأوضح قائلا:” لدينا لجنة خاصة للغة العربية في الإعلام بمجمع اللغة العربية خاطبت كل الجهات في مصر من أجل أن تعطى اللغة العربية حقها .. خاطبنا الإدارة المحلية والمحافظات ووزارات التعليم والثقافة والأوقاف.. كل هذه الجهات مكلفة بأن يوعزوا إلى منسوبيهم كي يتحدثوا باللغة العربية ومن ثم ستجد من يتحدث بها ومن يسمعها وعندئذ يكون فهمها يسيرا وتكون محاكاتها يسيرة”.