مكتبة الأدب العربي و العالمي
مملكة_الغيلان النصف الاول
في أرض الجنوب، سكن مرةً رجلٌ يُدعى سرمد، أبحر في البحار كتاجر. وفي أحد الأيام دُفعت سفينته فجأة على شاطئ بعيد بسبب عاصفة كبيرة، ووجد نفسه بأرض تلال تقطعها وديان خضراء بأوراق شجر غنية، ومع ذلك فقد كان يرى شيئًا على طول التلال يشبه مساكن بشرية، لذلك أخذ معه بعض الطعام وذهب إلى الشاطئ.
ما إن دخل التلال حتى استطاع رؤية مداخل الكهوف، أحدهما قريب من الآخر مثل صف من خلايا النحل، لذا توقف ونظر في إحدى الفتحات
وفيها جلست اثنان من الغيلان أسنانهما كالرماح ولهما عينان مثل المصابيح النارية، كانوا يلتهمون غزالاً، ارتعب التاجر من هذا المنظر واستدار ليهرب، لكنّ الغيلان قد لاحظوه بالفعل وأمسكوا به وجروه إلى كهفهم، ثمّ تحدثوا مع بعضهم البعض بأصوات حيوانات، وكانوا على وشك نزع ملابسه من جسده وابتلاعه.
لكنّ التاجر أخذ كيس الخبز على عجل وجفّف اللحم وقدمه لهما، قسموه وأكلوه وبدا طعمه لذيذًا بالنسبة لهما، ثمّ نظروا مرة أخرى في الحقيبة، لكنّه أشار بيده ليبين لهم أنّه لم يعد لديه، ثم قال: دعوني أذهب!
على متن سفينتي لدي أواني طبخ وخل وتوابل، وبهذه الأواني يمكنني تحضير طعامكم، لكن لم يفهم الغيلان ما كان يقوله، وما زالوا يشعرو بالشراسه.
لذلك حاول جعلهم يفهمون ما يقصده في تقديم عرض أمامهم، وفي النهاية بدا أنّهم حصلوا على فكرة عن معناه، فذهبا إلى السفينة معه، وأحضر معدات الطبخ الخاصة به إلى الكهف وجمع حطبًا، وأشعل نارًا وطبخ بقايا الغزال، وعندما انتهى الدور أعطاهم بعضًا منه ليأكلوا، وأكله المخلوقان بأكبر قدر من الرضا، ثمّ غادروا الكهف وأغلقوا الفتحة بصخرة عظيمة.
في فترة زمنية قصيرة عادوا مع غزال آخر كان قد اصطادوه، قام التاجر بقتله، وجلب الماء العذب، وغسل اللحم وطهى بعدة أواني مليئة به، وفجأة جاء قطيع كامل من الغيلان الذين التهموا كل ما طهوه، وأصبحوا متحمسين للغاية فيما يتعلق بأكلهم، ظلوا جميعًا يشيرون إلى الإناء الذي بدا صغيراً جدًا بالنسبة لهم، وبعد مرور ثلاثة أو أربعة أيام، جرّ أحد الغيلان قدر طهي ضخم على ظهره ،وازدحمت الغيلان حول التاجر، وأحضروا له الذئاب والغزلان والظباء، وكان عليه أن يطبخ لهم، وعندما ينضج اللحم، كانوا ينادونه ليأكل معهم.
وهكذا مرت أسابيع قليلة وأصبحوا يثقون به تدريجيًا لدرجة أنّهم سمحوا له بالتحرك بحرية، واستمع التاجر للأصوات التي ينطقونها وتعلم فهمها، ولم يمض وقت طويل حتى تمكن من التحدث بلغة الغيلان بنفسه، وقد أسعده هذا كثيرًا، فأتوا له بغول فتاة صغيرة وجعلوها زوجته التي أعطته الأشياء الثمينة والفاكهة لكسب ثقته، وبمرور الوقت أصبحوا مرتبطين ببعضهم البعض.
وفي أحد الأيام، نهض الغولان مبكرين جدًا، وكل واحد منهم علّق سلسلة من اللؤلؤ المشع حول رقبته، أمروا التاجر بطهي كمية كبيرة من اللحوم، سأل التاجر زوجته عن معنى كل هذا، أجابت: سيكون هذا يوم احتفال عظيم، لقد دعونا الملك العظيم إلى مأدبة، ثمّ قالت للغيلان الآخرين: ليس لدى التاجر خيط من اللؤلؤ! فأعطاه كل غول خمسة لآلئ وزادت زوجته عشرة لؤلؤة فكان له في المجموع خمسون لؤلؤة.
قامت زوجته بتعليق عقد من اللؤلؤ حول رقبته، وكانت اللآلئ تساوي على الأقل عدة مئات من الفضة، ثمّ طبخ التاجر اللحم، وغادر الكهف مع القطيع كله لاستقبال الملك العظيم، جاءوا إلى كهف واسع في وسطه كتلة ضخمة من الحجارة، كانت ناعمة كطاولة، وكانت حولها مقاعد حجرية أخرى، كان مكان الشرف مغطى بجلد النمر، وكانت عشرات الغيلان جالسة حول الكهف في صفوف.
وفجأة، هبت عاصفة هائلة حلَّقت حولهم وكانت من التراب في أعمدة، وظهر وحش له شكل الغول، فاحتشد الغيلان خارج الكهف في حالة عالية من الإثارة لاستقباله، ركض الملك العظيم إلى الكهف، وجلس ورجلاه ممدودتان ونظر حوله بعينين دائرتين مثل النسر، ثمّ تبعه القطيع كله إلى الكهف، ووقف بكلتا يديه ينظر إليهم ويطوى ذراعيه على صدره.
أومأ الملك العظيم، ونظر حوله وسأل: هل كل سكان تلال المحيط
حاضرون؟ فأعلن القطيع بأكمله أنهم كذلك، ثمّ رأى التاجر فقال: من أين هذا؟
يتبع …..
عن قصص. وحكايا العالم الاخر