مقالات
رؤية هذه السلسلة يكتبها د. محمد طلال بدران – مدير دار الإفتاء والبحوث الإسلامية * الشباب بين التوجهات الحديثة والالتزامات الدينية (5)
أثر العولمة الثقافية على الهوية الدينية للشباب
لقد قمنا فيما سبق بتعريف مصطلح العولمة، وهي عملية من التداخل بين دول العالم على مختلف الأصعدة عبر التطورات التكنولوجية، تهدف إلى تحويل العالم إلى كيان مترابط. لكنها من جانب آخر تسعى لفرض قيم تتعارض مع معتقدات المسلمين، مما أضاف تحديات جديدة لهوية الشباب الدينية. فالعولمة ليست اقتصادية فقط، بل ثقافية تؤثر في قيم المجتمع.
والسؤال المطروح: كيف يمكن للشباب الحفاظ على هويتهم وسط هذا الانفتاح؟
أولًا: تأثير العولمة على الشباب
1- الانفتاح على الثقافات المتنوعة
فتحت العولمة الباب أمام التعرف على ثقافات مختلفة، مما أثر على سلوكيات الشباب وأدى أحيانًا إلى تبني ممارسات تتنافى مع القيم الإسلامية. قال تعالى: ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ (هود: 113).
2- الترويج للنماذج الغربية
وسائل الإعلام تروّج لقيم غريبة على الهوية الإسلامية، مما يشكل ضغطًا على الشباب للتخلي عن عاداتهم ومعتقداتهم.
3- ضعف الارتباط بالثقافة الإسلامية
سيطرة القيم العالمية أفقدت الكثير من الشباب ارتباطهم بالثقافة الإسلامية، مما يعرضهم لخطر فقدان هويتهم.
4- التأثير على منظومة الأخلاق والقيم
انتشار المحتوى المنافي للقيم الإسلامية يمثل تحديًا إضافيًا، مما يؤثر سلبًا على أخلاق الشباب ودينهم.
ثانيًا: سبل الحفاظ على الهوية الدينية
تعلم أصول الدين بعمق يعزز قدرة الشباب على مقاومة التأثيرات السلبية. قال تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ (آل عمران: 110).
2- تعزيز الانتماء للمجتمع الإسلامي
المشاركة في الأنشطة الاجتماعية والدينية التي تقوي شعور الشباب بالانتماء لهويتهم.
3- النقد البناء للثقافات الأخرى
الانفتاح لا يعني الاندماج غير الواعي، بل يتطلب تمييز ما يتفق مع القيم الإسلامية.
4- التربية على الفخر بالهوية الإسلامية
على الأسرة والمؤسسات ترسيخ الاعتزاز بالدين والثقافة الإسلامية لدى الشباب.
ثالثًا: الجمع بين الانفتاح والالتزام
1- التفاعل الإيجابي مع العالم
الإسلام يشجع على الانفتاح بما يحقق مصالح الأمة دون التفريط في القيم. قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾ (الحجرات: 13).
2- الاستفادة من العولمة لخدمة الإسلام
يمكن للمسلمين استغلال العولمة لنشر القيم الإسلامية عبر العمل الدعوي والمشاركة في القضايا الإنسانية.
3- التوازن بين الهوية المحلية والعالمية
على الشباب التوفيق بين انتمائهم لدينهم ووطنهم، ودورهم كمواطنين عالميين.
باختصار:
العولمة قوة تحمل في طياتها فرصًا وتحديات، وخصوصًا الثقافية، فهي سلاح ذو حدين وللحفاظ على الهوية، يجب على الشباب التحلي بالوعي والاعتزاز بدينهم، مع التفاعل الإيجابي مع العالم. قال تعالى: ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ﴾ (الرعد: 17).
صباحكم طيب وآمن. ونهاركم سعيد
مقالة رقم (1782)
15 جمادى الأولى. 1446هـ
الأحد 17.11.2024 م
باحترام:
د. محمد طلال بدران (أبو صُهيب)