لا شك ان طوفان الاقصى كشف القناع لعدة مسلمات كانت سائدة في الشرق الاوسط؛ اسقط قناع الوهم ان الحلول السلمية تأتي من خلال طاولة المفاوضات والابتعاد عن المقاومة العسكرية ؛ كما واسقط قناع الوهم ان الولايات المتحدة تستطيع ان تكون وسيطا نزيها واتضح جليا انها طرفا فاعلا لتغطية اسرائيل؛ واسقط قناع امكانية تهميش وتجاوز القضية الفلسطينية والتعويض عنها بسلام اقليمي او سلام اقتصادي لبس اكثر.
ان وزن المملكة العربية السعودية، الاقليمي والدولي، الاقتصادي والسياسي والديني، يحمل الكثير من الاهمية وتعتبر الدولة الاقليمية الوازنة الاكثر تأثيرا من غيرها.
تسعى المملكة السعودية في السنوات الاخيرة لتحويل ثرواتها الاقتصادية في مجال النفط والطاقة في اكثر من مستوى واهمها:
1. تحويل المملكة لمكان متطور حضاري، لرفاهية السعوديين وخاصة الشباب، وعاصمة للاستثمار الاقتصادي العالمي وجذب المستثمرين، وتطوير مجالات اقتصادية كبيرة وعدم الابقاء فقط علىأحادية الجانب النفطي ، خاصة بتطوير السياحة والتكنولوحيا والذكاء الاصطناعي.
2. القيادة الشابة في السعودية تقرأ الخارطة الاقليمية والدولية جيدا، فمن ناحية لا تريد وضع كل اوراقها بايدي الغرب كما كان سنوات طويلة، وعدم مقاطعة الغرب من ناحية ثانية. وبدأت تذهب الى خيار التعددية في العلاقات الاقتصادية من الصين الىروسيا وامريكا واوروبا. فدخلت البريكس وبدأت باتخاذ مواقف مرنه اكثر تجاه جميع الاطراف.
3. تعي المملكة اهمية ارتفاع الموقع الجيوسياسي واهمية المعابر المائية المحيطة سياسيا، وتعي ايضا اهمية موقعها في التجارة العالمية، وتعي ان تفعيل دورا وازنا يحتاج الى الكثير الكثير من الاستقرار الامني وحل الملفات الساخنة بالطرق الدبلوماسية، رأينا ذلك بملفي اليمن وسوريا، وايضا بالتقارب السعودي الايراني بوساطة صينية.
4. تسعى المملكة تعميق دورها المحوري في قيادة العالم الاسلامي وخاصة العالم السني، الامر الذي يحتم عليها اتخاذ مواقف توافقية واسعة.
أمام كل ذلك، اكتسب الموقف السعودي نحو القضية الفلسططينية زخما كبيرا ، اعتمادا على القاعدة ” أن مفتاح التهدئة الاقليمية”..يبدأ بحل القضية الفلسطينية حلا عادلا، مرورا بمراحل ثلاث مفصلية:
الاولى- موقف المملكة التاريخي برؤيتها اهمية حل القضية الفلسطينية حلا عادلا على اساس دولة مستقلة بحدود العام ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشريف.
الثانية- المبادرات السعودية المتتالية واخرها في العام ٢٠٠٢ باتخاذ قرار في الجامعة العربية بحل تاريخي للنزاع الفلسطيني الاسرائيلي مقابل الاعتراف باسرائيل كدولة طبيعية في الشرق الاوسط.
الثالثة- بعد طوفان الاقصى، حيث تم تفعيل الدور السعودي بشكل غير مسبوق لصالح الحق الفلسطيني، ابتداءا من رفض التطبيع مع اسرائيل قبل اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ووقف العدوان على غزة. هذا الموقف وبكل موضوعية، أعاق تصفية القضية الفلسطينية وتهجير شعبنا في غزة والضفة الغربية.
في جعبة العربية السعودية العديد من مفاتيح الضغط واوراق قوة تستطيع تفعيلها، ولم تقل بعد كلمتها الاخيرة تجاه القضية الفلسطينية وشعب فلسطين.
مع انتخاب ترامب، طرحت العربية السعودية ثلاثة محاور في علاقتها مع ادارة ترامب؛ المملكة مصرة على اقامة مفاعل نووي سعودي للاغراض المدنية رغم معارضة اسرائيل ؛المملكة مصرة على اتفاقية الدفاع المشترك مع الولايات المتحدة اسوة بالاتفاقية مع اسرائيل؛ والمملكة مصرة بان مفتاح الاستقرار الاقليمي يبدأ باقامة دولة فلسطينية حسب قرارات الشرعية الدولية.
موقف المملكة هذا سيوصل بنهاية الامر الى اقليم مستقر متعدد الاقطاب ومتوازن مكون من : السعودية ، ايران، مصر، تركيا واسرائيل. اقليم كهذا ينسف بالضرورة الهيمنة احادية الجانب التى تحلم بها اسرائيل.
فالمملكة فعلت بحكمة قبل الطوفان بعدم الاسراع بالتطبيع المجاني مع اسرائيل.
سهيل دياب
د. العلوم السياسية