الدين والشريعة

جَاءَ رَجُلٌ إلى النَّبيِّ ﷺ فقال أوْصِنِي:

ابو طارق الحواس

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد..

جَاءَ رَجُلٌ إلى النَّبيِّ ﷺ فقال أوْصِنِي:
قالَ ﷺ : *{لا تَغْضَبْ}*
فَرَدَّدَ الرجل مِرَارًا..
فقالَ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام:
*{لا تَغْضَبْ}*

وكَما هُو مَعرُوفٌ لَدَىٰ بَنِي البَشَر..
فإن الغَضَبَ غَريزَةٌ فِطرِيَةٌ رَكَّبَها اللهُ في طَبيعةِ الإنسانِ..
وهو تَغيُّرٌ يَحصُلُ عِندَ فَوَرانِ الدَمِ في قَلبِِ الإنسَان..
لِيَنتُجَ عنه التَّشَفِّي في الصَّدرِ.. والإنتِصَارُ لِلنَّفس..

والنَّاسُ مُتَفاوِتونَ في مَبدَئِه وأثَرِه..
ولِذٰلِكَ كَانَ مِنهُ ما هُو مَحمودٌ.. وما هو مَذمومٌ..
فمَن كان غَضَبُهُ في الحَقِّ..
ولا يَجُرُّه لِمَا يُفسِدُ عليهِ دِينَهُ ودُنياه..
فهو غَضَبٌ مَحمودٌ..

وَمَن كانَ غَضوبًا في الباطِلِ..
أو لا يَستَطيعُ التَّحكُّمَ في غَضَبِهِ إذا غَضِبَ..
ويَجُرُّه الغَضَبُ لِتَجاوُزِ الحَدِّ.. وإفسادِ دِينِهِ ودُنياهُ..
فهذا غَضَبٌ مَذمومٌ..

وَسَبَبُ الحَدِيثِ مَوضُوع هذا المقال..
أنَّ رجلًا -اسمُه جاريةُ بنُ قُدامةَ رَضِيَ اللهُ عنه-
طلب الوَصِيَّةَ مِنَ النَّبيِّ ﷺ..
فأوصاه ﷺ ألَّا يغضَبَ..
وهو مَحمولٌ على الغَضَبِ المَذمومِ..
وقيلَ: لَعَلَّ السائِلَ كان غَضوبًا..

وكانَ النَّبيُّ ﷺ يَنصَحُ كُلَّ واحِدٍ مِن أصحابِهِ بما هو أَوْلى بِهِ ويَحتاجُه..
فلهذا اقتَصَرَ ﷺ في وَصيَّتِه له على تَركِ الغَضَبِ..
وقيلَ مَعناه: اجتَنِبْ أسبابَ الغَضَبِ.. ولا تَتعَرَّضْ لِمَا يَجلِبُه..

وأمَّا الغَضَبُ نَفْسُه..
فلا يَتأتَّى النَّهيُ عنه.. إلا لِأنَّه أمْرٌ طَبَعيٌّ لا يَزولُ مِنَ الجِبِلَّةِ..

وقيلَ مَعناه: لا تَغضَبْ..
لأنَّ أعظَمَ ما يَنشَأُ عنهُ الغَضَبُ..
*..الكِبْرُ..*
لكَونِهِ يَقَعُ عِندَ مُخالَفةِ أمْرٍ يُريدُهُ الغَاضِب..
فيَحمِلُه الكِبْرُ على الغَضَبِ..
فالذي يَتواضَعُ حتى تَذهَبَ عنه عِزَّةُ النَّفْسِ..
يَسلَمُ مِن شَرِّ الغَضَبِ..
وقيلَ معناه: لا تَفعَلْ ما يَأمُرُكَ به الغَضَب..
وقد جَمَعَ ﷺ في قَولِه:
«لا تَغضَبْ» خَيْرَيِ الدُّنيا والآخِرةِ..
لأنَّ الغَضَبَ يَؤُولُ إلى التَّقاطُعِ ومَنعِ الرِّفقِ..
ورُبَّما آلَ إلى إيذاءِ المَغضوبِ عليه..

وردَّد الرَّجُلُ طَلَبَ الوَصِيَّةَ مِن رَسولِ اللهِ ﷺ مِرارًا..
كأنَّه قال لرَسولِ اللهِ ﷺ مرَّةً بعد مَرَّةٍ: أوصِني يا رسولَ اللهِ..
فلم يَزِدهُ صلَّ اللهُ عليه وسلَّم في الوَصِيَّةِ على أن قال:
*{“لا تغضَبْ”}*..*{“لا تغضَبْ”}* مع تكرارِه الطَّلَبَ..

ومن باب النصيحة لخاصَّةِ المسلمين وعامتهم..
أوصيكم أحبابي في الله.. ونفسي المقصرة..
بتقوى الله العظيم.. والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر..
وبما أوصى به رسول الله ﷺ ذاك الرجل.. من الإبتعاد ما أمكن عن الغضب ومسبباته..

اللهم صلِّ وسلم وبارك..
على نبينا وحبيبنا وسيدنا محمد..
وعلى آله وأصحابه أجمعين..
وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق