مكتبة الأدب العربي و العالمي

من_روائع_القصص – الرحمة

اتجهت السيدة عزيزة ذات الأربعين سنة بسيارتها السوداء الفاخرة الى المقبرة التي دفنت فيها ابنتها ، و التي توفيت في حادث سير قبل عامين من الآن كانت في السيارة مع والدها الذي كان يقود السيارة وهو تحت تأثير الكحول ماتت الطفلة ودخل زوجها إلى السجن وهي من زج به وراء القضبان، فلقد كانت محامية بارعة جف قلبها وماتت وردة الحياة بأعماقها لدرجة انها لم تستطيع أن تصفح عن زوجها واصبحت تعيش مجردة من المشاعر مثل روبوت آلي ، طول الوقت متوترة وعصبية تذهب كل سبت الى قبر حبيبتها و في أحد الأيام وبينما هي تشق طريقها نحو المقبرة لزيارة ابنتها ،اعترض طريقها قطيع من الأغنام فاستشاطت غضبا وهي تضغط على زر المنبه إلى أن ظهر فتى صغير ونحيف، وجهه أصفر وشعره يغطي نصف وجهه، يحمل عصا قصيرة وهو يعتذر منها
لكنها وبخته وهي تصرخ في وجهه الذي زاد اصفرارا ، ثم انحنى تحت وطئة انطلاق السيارة وهو يتمتم شريرة بعد أن ركنت سيارتها أمام المقبرة ترجلت و هي تحمل وردة بيضاء ثم اتجهت الى قبر ابنتها فقامت بغرس الوردة على الجانب الأيمن للقبر ثم انتصبت كجندي محارب اثناء جنازة اعز رفاقه ، كانت تنادي ابنتها في أعماقها و هي تتمنى أن تلتقي بها مرة أخرى فجأة لمحت طفلا عند أحد القبور وقد جثى على ركبتيه ، يبدو أنه يخبئ شيئََا ما وعندما وقف تعرفت عليه ،انه راعي الغنم ظل يحدق في القبر لبضع دقائق ثم انصرف مطأطأ الرأس بخطوات ثقيلة ، و لازالت هي تراقبه أشعل هذا الحادث فتيل فضولها حول ماكان يخبئه راعي الغنم هناك قررت الذهاب واستكشف الأمر انحنت الى المكان الذي كان الفتى يسحب يده منه ، فرأت حفرة صغيرة ترددت في ادخال يدها في الحفرة بعدما شعرت بشيئ من الخوف تشجعت وقامت بسحب ورقة بيضاء مثنية.
قالت في نفسها ليس من حقي فتح هذا الورقة لكن مامعنى هذا لم تشعر حتى وجدتها مفتوحة بين يديها، كان يوجد بها رسالة مكتوبة بخط رديئ لكن الكلمات كانت واضحة
“إلى امي الحبيبة أما بعد لقد مرت سنتين على وفاتك و تسعة وعشرون يوم و أنا أكتب لك هذه الرسائل كنت أتمنى أن تتغير الأوضاع وأن يحن قلب زوجة أبي أو أن ينتبه أبي لمعانتي لا شيئ من هذا حصل فالمعاناة تزداد كل يوم أنني أختنق يا أماه.
أستحم كل يوم بالماء البارد ويتم حك جلدي بفرشة خشنة تستعمل لغسل الملابس والأسوأ من هذا ، هو التفنن في معاقبتي والتلذذ بذلك كل يوم هربت عدة مرات، لكنهم يجدونني ويتم إرجاعي إلى الجحيم و أصبح جسدي وردي اللون ، تتوسطه دوائر خضراء ، أنام في الحضيرة كنوع من العقاب يتم إرسالي لرعي الغنم باكرا دون إفطار لذا عليا أن أستيقظ ليلا لسرقة بعض الخبز وأثناء الرعي أمسك معزة ولود وانبطح تحتها ممسكا قطعة الخبز المسروقة ،ثم أفطر كالحيوان
أماه الحياة من دونك لا تطاق و الهواء يمر من أنفي بصعوبة أنا قادم إليك ،فلم يتبقى إلا يوم واحد وينتهي هذا كله ، مع حب إبنك سيف ”
لم تستطيع إمساك نفسها ،و بدأت يداها ترتجفان و هي تردد يا إلهي إنه سيقتل نفسه جسمها بالكامل بدأ يهتز، و كأن زلزالا قويا ضرب بداخلها فأيقظ كل مشاعرها الميتة أحست أنها وباقي البشر بلا ضمير ،بلا روح ، أنانيون أحست بالقرف من نفسها لأنها وبخته بتلك الطريقة القاسية بالطبع فقد زادت من معاناته  شعرت أن الرسالة موجهة إليها،
انحنت مرة أخرى نحو الحفرة الصغيرة وسحبت منها باقي الرسائل ، كانت كلها تصف معاناة الفتى وطرق التعذيب الفظيعة التي حصلت في حقه، استنتجت أنه يسكن بأحد المنازل البدوية التي توجد نواحي المقبرة وأنه كان يراسل أمه لمدة شهر يطلب منها النجدة وأنه عندما ينتهي شهر سوف ينهي حياته ليلتحق بها لذلك عزمت على إنقاذه حتى لو اضطرت إلى خطفه قررت أنها سوف تعود في الغد فلقد كتب أنه بقي يوم واحد وينتهي هذا كله أي أنه سوف يعود غدا ومعه الرسالة رقم ٣٠ لكنها هذه المرة غيرت شكلها لبست لباسا أبيض فضفاض مطرز ببعض الورود ووضعت وشاحا أحمر على رأسها كانت تحاول أن تبدو كسيدة لطيفة وطيبة عكس تلك التي وبخته وصلت صباحا الى قبر ابنتها فبدأت تحدثها عما جرى للفتى المسكين ، فجأة ظهر في مرمى نظرها كانت مشيته الثقيلة تدل على أنه في حالة يأس تام فكرت بعدة طرق لتقرب منه
إتجه هو نحو قبر امه ثم جلس فوقه وهو متعب تماما بدأت تقترب منه بحذر منتقلة من قبر إلى آخر ، الى أن تبقت بضعة أمتار بينهما وعندما استقر جسده على القبر فتح محفظته وسحب منها قنينة صغيرة للماء شعرت بالقلق ،ماذا لو كانت تلك القنينة تحتوي على السم فتح القنينة واطال النظر فيها ثم التفت إلى إسم أمه المكتوب في أعلى القبر
وبينما هي تفكر نظرت إليه لتجده قد بدأ الشرب فهرعت اليه وهي تصرخ باسمه قام من مكانه مفزوعا ، فسألها مستغربا
من أنت…؟
فأخبرته أنها من طرف أمه ،جاءت لتنقذه حينها ردد بفرح أمي ثم سقط كحمل وديع اغمي عليه ، فنقلته بسرعة بسيارتها الى المستشفى وقاموا بغسل جهازه الهضمي وتم إنقاذه فقامت بعد ذلك برفع دعوى ضد أهله على انهم السبب فيما حصل له، و كانت الرسائل بمثابة دليل قاطع على سوء المعاملة التي تعرض لها الفتى تم الحكم لصالحها فربحت حق التكفل به حتى يصل سن الرشد أصبحت إمرأة أخرى، أحبت أيامها وكأنها ولدت من جديد صفحت عن زوجها و ركزت على إعطاء سيف كل ما يحتاجه من رعاية و حب و اهتمام فكان لها عوضا جميلا على فقدان ابنتها
وكانت له الأم التي كان يناديها منذ عامين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق